ذات يوم، قرّر العماد ميشال عون أن “يتمرّد” على اتّفاق إقليمي دولي كبير، مع كاسحات ألغام عربية، سورية سعودية، وبغطاء أميركي غربيّ… هو اتّفاق الطائف.
كان في ظهره الرئيس “الأسبق” أمين الجميّل، الذي عيّنه رئيساً لحكومة عسكرية في الدقيقة الأخيرة من عهده. وكان “زميله” في “صعوبة” فهم ما جرى، سمير جعجع. وكلّنا نعرف الباقي. خرج عون مختبئاً، إلى سفارة فرنسا، ومنها إلى المنفى. كذلك غادر أمين الجميّل. ومن بقي من هؤلاء الثلاثة، أمضى ربع حياته في سجن تحت الأرض، في اليرزة.
اليوم، “عبَر” في أجواء المنطقة “اتفاق طائف” عملاق، يشبه التنّين الصيني، قياساً إلى “الطائف”، في 10 آذار الماضي.
بعده بـ4 أسابيع، خرجت صواريخ من جنوب لبنان إلى إسرائيل في بداية نيسان. بدا الموقف غامضاً. أُطلقت الصواريخ من بلدة القليلة في صور، قرب مخيّمين للّاجئين الفلسطينيين. أُلصِقَت “التهمة” بـ”حماس”، التي “بلعتها”.
ذات يوم، قرّر العماد ميشال عون أن “يتمرّد” على اتّفاق إقليمي دولي كبير، مع كاسحات ألغام عربية، سورية سعودية، وبغطاء أميركي غربيّ… هو اتّفاق الطائف
سريعاً غطّ في بيروت وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان، وطلب من “الشباب” التهدئة، في نهاية نيسان.
بعد أسابيع، في 21 أيّار، “أكمل” الحزب “تمرّده”: مناورة عسكرية بالذخيرة الحيّة في قضاء جزّين المسيحي، على مشارف ذكرى تحرير الجنوب (25 أيّار). ثمّ كرّت سبحة مناورات لحلفائه، من حركة أمل إلى الحزب السوري القومي.
هذه المرّة “احترمت” المناورة اتفاق 1701، لأنّها أُجريت “شمال الليطاني”، خارج منطقة العمليات المباشرة للقرار. واحترمت أيضاً زيارة عبد اللهيان، الذي نُقل عن لسانه قوله إنّه يشجّع رئيساً للجمهورية “لا يستفزّ السعوديّة”.
عزلة الشيعة… وكفرشوبا
بين “حفلة الصواريخ” ومناورة جزّين، اتّفقت الأحزاب المسيحية الكبرى، مع المعارضة، على اسم جهاد أزعور، مرشّحاً رئاسياً بوجه مرشّح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية.
توتّر الحزب. “البوانتاج” يعطي أزعور أصواتاً أكثر، و”جامعة” من كلّ الطوائف والمناطق، في حين أصوات فرنجية “شيعية”، ويُضاف إليها بعض الأصوات “الفرنجيّة”.
نشر كتّاب قريبون من الحزب مقالاتٍ تهديديّة، واحداً لوليد جنبلاط باعتباره مسؤولاً عن الذهاب إلى “مواجهة لا تُبقي ولا تذر”، وآخرَ يهدّد جبران باسيل باعتباره “في موقع جنبلاط في 5 أيّار 2008″، وأزعور “الذي تحوّل إلى فؤاد سنيورة ثانٍ، وقَبِلَ بأن يكون فتيل الانفجار”.
لكنّ هذا التهديد بتكرار 7 أيّار واجتياح بيروت والجبل أتى هذه المرّة موجّهاً إلى المسيحيين الذين “حيّدهم “اتفاق مار مخايل” في 2008. وجاء بعد تصريحات لرئيس كتلة الحزب النيابية محمد رعد والنائب في كتلته حسن فضل الله بأنّ “ترشيح أزعور مناورة ولن تنجح”.
وبين التصريحين، والمقالَيْن، نُشرت صورة الشهيد محمد شطح في جريدة “الأخبار”، واضحة، وإلى جانبه أزعور، في تذكير بـ”وضوح” بفكرة “الشطب” و”الإلغاء”. ثمّ سارعت الجريدة إلى حذف الصورة في اليوم التالي، بعدما ثبت أنّها شديدة الوضوح.
كفرشوبا: سُنّة.. يواجهون إسرائيل
في يوم صدور التهديدات بـ7 أيّار جديد، حرّك الحزب “الأهالي” في كفرشوبا، القرية السنّيّة الحدودية، ربّما للقول إنّ الأراضي المحتلّة “تلال كفرشوبا ومزارع شبعا” يملكها “سُنّة”، وإنّ “الشيعة” ليسوا معزولين.
لكنّه تحرُّك متأخّر. فقضاء حاصبيا، حيث سُنّة الجنوب في قرى العرقوب، ودروزه ومسيحيّوه، صوّت ضدّ الحزب وحلفائه، وأعطى أصواته لفراس حمدان والياس جرادي، اللذين “اخترقا” لائحة الحزب وأمل في انتخابات 2022 النيابية.
خسر الحزب في الانتخابات 90% من النواب “غير الشيعة” في الجنوب، من صيدا إلى جزّين وحاصبيا ومرجعيون… وهذه إشارة “تاريخية” عليه قراءتها بهدوء وبلا عصبيّة.
خطف سعوديّ.. وإذلال كويتيّة
في هذه الأثناء كانت هناك إشارات إضافية إلى “التمرّد” على الاتفاق الصيني، لا تبدأ بخطف مواطن سعودي من واجهة بيروت البحرية، عرّج إلى الضاحية الجنوبية قبل “تصديره” إلى الداخل السوري من البقاع، ولا تنتهي بـ”قطع طريق المطار” اعتراضاً على قرار قضائي سعودي بسجن شيعي لبناني راح ينشد “لبّيك يا مهدي” على جدار الكعبة، مروراً بمنع إعلامية كويتية من دخول لبنان قبل يومين لأنّها “أزعجت الحزب”.
من القليلة إلى عرمتى وكفرشوبا، مروراً بواجهة بيروت البحريّة والبقاع، وصولاً إلى مطار رفيق الحريري الدولي وطريقه، يبدو الحزب “عاجزاً” عن أن يقرأ بواقعيّة الاتفاق الصيني، بما هو “تعادل إيجابي” في المنطقة، لا يسمح بانتخاب فرنجية، ولا بالاعتداء على مواطنة خليجية في المطار وإذلالها، ولا بالتهديد بـ7 أيّار جديد.
كان سمير جعجع يملك “جيشاً جرّاراً” قبل اتفاق الطائف و”حَكَم” وصولاً إلى محيط صيدا…
حاول نظام الأسد قتل الحرّيّة في لبنان، ولم يخرج من لبنان فقط، بل انتهى به الأمر “أسير” قصره 12 عاماً، بعد “ثورة الاستقلال” ضدّه في بيروت 2005، وثورة سورية ضدّه في 2011 وصلت إلى مشارف قصره في الشام.
إقرأ أيضاً: لاستعادة 25 أيّار من الحزب
قبله حاول الإسرائيليون، وخرجوا بمكبّرات الصوت من بيروت: “يا أهالي بيروت، لا تطلقوا النار، نحن منسحبون”.
لبنان يتّسع للجميع. وإعادة بناء جدار الخوف، بالسيف والدم والبلطات، ستؤدّي إلى مزيد من “عزلة الشيعة”، وجوع كلّ اللبنانيين وقهرهم. ولن يسلم أحد.
بيروت هي أفغانستان الشرق الأوسط… كلّ الغزاة يغرقون في وحولها. فكفى “بلطات”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@