“الولد الشقيّ يجلب لأهله اللعنة”. قول شعبي ينطبق على إسرائيل. فهي “ابنة” الغرب. “أنجبها” “وعد بلفور” البريطاني. تبنّتها الولايات المتحدة الأميركيّة منذ أن أصبحت القوّة العظمى في الغرب. ودعمتها فرنسا “على طول الخطّ”. منذ ولادتها (1948) حتى اليوم لم تجلب إسرائيل للغرب سوى الأزمات والانقسامات بين الشرق والغرب. وترافقت مع لعنات الشعوب العربيّة والإسلامية لها.
إسرائيل كلّفت الغرب كثيراً
لائحة الخسائر التي ألحقتها دولة إسرائيل بالغرب طويلة.
1- بعد حرب 1967 واحتلالها الجولان وسيناء والضفّة الغربيّة اتّجهت مصر نحو الاتحاد السوفيتي، ووطّدت سوريا تحالفها معه، وخسرت الولايات المتحدة الأميركيّة ركيزتين أساسيّتين في الشرق الأوسط في خضمّ الحرب الباردة.
2- بعد “حرب كيبور” 1973 أوقفت الدول العربيّة تصدير النفط للغرب. فكانت أوّل “صدمة نفطيّة” في التاريخ. أوقفت الحركة الاقتصادية في الدول الغربيّة، خاصّة في أوروبا.
3- بعد اجتياح بيروت 1982 أرسلت واشنطن وباريس قوات عسكريّة إلى بيروت. وسقط لهما العشرات من الجنود في انفجارَي السفارة الأميركية ودراكار، الأمر الذي دفعهما إلى خروج مذلّ من لبنان.
4- ساهم قيام دولة إسرائيل في نشوء التطرّف الإسلامي في القرن العشرين الذي ضرب في الدول الغربيّة الداعمة لها. عملية 11 أيلول 2001 كانت إحدى محطّاته الأساسيّة. لكنّه ضرب قبلها وبعدها في محطّات القطارات والمترو في فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وقتل المئات.
– بالطبع وجود إسرائيل ساهم في تعميق الصراع بين الشرق والغرب، إضافة طبعاً إلى الصراع الدينيّ وسياسة الاستعمار واستغلال الدول الغربيّة لدول الشرق وخيراتها.
“الولد الشقيّ يجلب لأهله اللعنة”. قول شعبي ينطبق على إسرائيل. فهي “ابنة” الغرب. “أنجبها” “وعد بلفور” البريطاني. تبنّتها الولايات المتحدة الأميركيّة منذ أن أصبحت القوّة العظمى في الغرب. ودعمتها فرنسا “على طول الخطّ”
الغرب أسير إسرائيل واليهود
ما مناسبة هذا الكلام في خضمّ الحرب غير المسبوقة في قطاع غزّة؟
ردّة فعل الدول الغربية على هجوم “حماس” وتصريحات المسؤولين أظهرت أنّ الدول الغربيّة لم تتعلّم من دروس التاريخ وأكّدت مرّة أخرى أنّها أسيرة إسرائيل واليهود. فقد أضاءت بلدية باريس برج إيفل بالعلم الإسرائيلي. وكذلك فعلت ألمانيا على بوّابة البوندستاغ، رمز إعادة توحيد البلاد. واتّخذت الحكومة الفرنسيّة تدابير أمنيّة لحماية الأماكن الدينيّة لليهود. كذلك فعلت الحكومة الإيطاليّة. تهافت السياسيون الفرنسيون للوقوف في الصفوف الأمامية في التجمّعات الداعمة لإسرائيل والمندّدة بإرهاب “حماس”. وشُنّت حملة سياسيّة كبيرة ضدّ “فرنسا غير الخاضعة” بسبب عدم إدانتها عملية “حماس”. وفي ألمانيا حضر رئيس الدولة اجتماع البوندستاغ (البرلمان) يرافقه سفير إسرائيل ووقف دقيقة صمت عن أرواح القتلى الإسرائيليين. في المقابل منعت السلطات في فرانكفورت تظاهرت مؤيّدة للفلسطينيين كانت ستنطلق يوم السبت. وهناك دعوات إلى حلّ “منظمة صامدون” الداعمة للشعب الفلسطينيّ.
أمّا عن ردّة فعل الولايات المتحدة الأميركيّة فحدّث ولا حرج. فقد أعلن جو بايدن: “دعم حكومتي لأمن إسرائيل قويّ للغاية ولا يتزعزع”، وأصدر الأوامر لإدارته لتلبية كلّ احتياجات إسرائيل وطلباتها. وتحرّكت حاملة الطائرات الأميركيّة “جيرالد فورد”، وهي الكبرى في العالم، باتجاه شرق المتوسط دعماً لاسرائيل. وطار ضباط أميركيون أمنيّون وعسكريون إلى تل أبيب للمشاركة في غرفة عمليات الجيش الإسرائيلي.
في مواجهة ما يحدث بين الفلسطينيين وإسرائيل أصبح “التنديد” بهجوم “حماس” هو الأولوية للغرب. ذاك كان السؤال الأول الذي طرحته كريستيان أمانبور على سفير فلسطين لدى المملكة المتحدّة حسام زملط عند استضافتها له على شاشة CNN. وكذلك فعل مَن سألوه في BBC و”SkyNews”.
قالت وزيرة الخارجية الفرنسيّة: “يجب علينا أن نندّد بهذه الفظائع وبالسلوك اللاإنساني لأولئك الذين تمكّنوا من أن يرتكبوا مثل هذه الفظائع”.
لكن ماذا عن الفظائع التي ترتكبها إسرائيل منذ عقود بحقّ الشعب الفلسطيني؟ واستطراداً الشعب اللبنانيّ؟ وماذا عن الحرب التدميريّة التي تشنّها ضدّ قطاع غزّة وتطويق 2.3 مليون فلسطينيّ ومنع المساعدات الإنسانيّة عنهم والدفع بهم إلى مغادرة القطاع؟
لا بدّ من الإصغاء إلى صوت العقل الذي عبّر عنه وزراء الخارجيّة العرب في اجتماعهم في القاهرة ويتلخّص بتحقيق التسوية الشاملة والعادلة على أساس حلّ الدولتين، وفق مرجعيات الشرعية الدولية
الغرب مسؤول عن سياسة إسرائيل
نتفهّم المواقف المندّدة بالفظائع التي ارتكبها مقاتلو حركة حماس بحقّ المدنيين في إسرائيل. ولكن إلى متى يستمرّ الغرب في النظر بعين واحدة إلى هذه القضيّة؟
ما أدّى إلى جرائم يوم السبت 7 أكتوبر والأيام التي تلته، هي الجرائم اللاإنسانية التي ترتكبها إسرائيل منذ عقود: جرائم الإبادة الجماعيّة بحقّ مئات الفلسطينيين، وجرائم الترحيل القسري للآلاف من مدنهم وقراهم ومنازلهم،… لا يمكن للغرب إدانة ترحيل مئة ألف أرمني من كاراباخ، وعدم إدانة إسرائيل في محاولتها اليوم ترحيل 2.3 مليون فلسطيني من قطاع غزّة إلى صحراء سيناء (ترانسفير)، وهو مخطّط إسرائيلي قديم!
الدول الغربية الداعمة لإسرائيل مسؤولة بنفس قدر إسرائيل عن هذه الجرائم. فهي مسؤولة بدعمها المطلق لإسرائيل على الرغم من سياسة تصفية القضية الفلسطينيّة التي تكثّفت بعد اتفاقات أوسلو، والاستمرار في سياسة الاستيطان التي حوّلت الأراضي الفلسطينية في الضفّة الغربية إلى جزر منفصلة بعضها عن بعض، وإضعاف السلطة الفلسطينيّة وتحويلها إلى شرطة تمنع الفلسطينيين من مهاجمة إسرائيل، وتطويق قطاع غزّة منذ 17 عاماً. وقد بلغت ذروة هذه السياسة الإسرائيليّة المتغطرسة مع حكومة بنيامين نتانياهو المتطرّفة التي انتهت إلى حكومة وحدة وطنية يوم الأربعاء الفائت.
الدول الغربيّة الداعمة لإسرائيل مسؤولة أيضاً وبالفعل ذاته من خلال سياساتها هذه عن إضعاف الموقف المعتدل للدول العربيّة في القضية الفلسطينيّة الذي عبّرت عنه “المبادرة العربية للسلام” التي طرحتها المملكة العربية السعودية في قمّة بيروت العربيّة (2002). وهذا ما أدّى إلى تقوية شعبية ونفوذ حركة حماس (وحركة الجهاد الإسلاميّ)، المدعومة من إيران، في الشارع الفلسطينيّ، وسيطرتها على قطاع غزّة وإطلاق هجومها منذ أيام ضدّ إسرائيل. وهي مسؤولة عن ضرب فكرة “التطبيع” التي سوّقتها “اتفاقات أبراهام” في السنوات الأخيرة، فردّ عليها الإسرائيليون بانتخاب الشخصيات الأكثر تطرّفاً والأكثر دموية.
الإصغاء إلى صوت العقل
ربّما تنجح إسرائيل في اجتثاث حركة حماس من قطاع غزّة. نقول ربّما، لأنّنا نشكّ في ذلك. إذ لا يمكن ربح الحرب بالتدمير من الجوّ. وعندما سيتقدّم الجنود الإسرائيليون في أرض المعركة سيكون المشهد مختلفاً. تجربة حرب تموز 2006 ضدّ الحزب تؤكّد ذلك. وحتى لو نجحت إسرائيل في حربها ضدّ “حماس”، فلن تُنهي القضيّة الفلسطينيّة، ولن تُنهي الصراع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ الذي يكلّف الغرب كثيراً وربّما سيُعيد موجة التفجيرات الإرهابية في الدول الأوروبيّة.
إقرأ أيضاً: هل ورّطوا “حماس”؟ هل تخلّوا عنها؟
لذلك لا بدّ من الإصغاء إلى صوت العقل الذي عبّر عنه وزراء الخارجيّة العرب في اجتماعهم في القاهرة ويتلخّص بتحقيق التسوية الشاملة والعادلة على أساس حلّ الدولتين، وفق مرجعيات الشرعية الدولية. وإلّا فسيستمرّ الصراع الفلسطيني – الإسرائيليّ، وستستمرّ القضية الفلسطينيّة قضية القرن الواحد والعشرين كما كانت قضية القرن العشرين.
لمتابعة الكاتب على تويتر: Fadi_ahmar@