السُّنّة يواصلون مسيرتهم: عصب الدولة والمؤسّسات

2023-10-02

السُّنّة يواصلون مسيرتهم: عصب الدولة والمؤسّسات


يحق للسُّنّة في لبنان أن يدّعوا اليوم في الحاضر والمستقبل كما ادّعوا دوماً في الماضي البعيد أو القريب أنّهم يمثّلون فكر الدولة ومؤسّساتها، بمعنى الانتظام تحت سقف القانون والمنطق المؤسّساتي في تداول السلطة والتجديد والتغيير بعيداً عن الأفكار الإقصائية والانقلابية وفكر المؤامرة الذي يعصف بالكثيرين.
نجحوا أيضاً في انتخابات مفتي المناطق قبل عدّة أشهر، إذ عبَر السُّنّة في لبنان بديمقراطية استحقاق انتخابات المجلس الشرعي على طول الخارطة اللبنانية من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال في عكار، مروراً بطرابلس وجبل لبنان والبقاع، وانتهاء بالعاصمة بيروت. لا يمكن لأحد أن يعيب على سُنّة لبنان إسقاطهم لأحاديّة القرار والاختيار. فما تمنّى عقلاء السُّنّة يوماً أن يشابهوا أحداً من خصومهم، فالأحادية والاحتكار والهيمنة هي مظاهر مرضية غير صحيّة داخل المجتمعات والكيانات والمجموعات، فكيف بطائفة بحجم أمّة ما ارتضت أن يطلَق عليها اسم طائفة إلا بعد تسوية كبيرة أنتجت “لبنان الكبير”.
بعيداً عن كلّ ما أحاط بتعديل المادّة 18 من قانون المجلس الشرعي، يُسجَّل لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان نجاحه في قيادة قطار القانون والمؤسّسات داخل الطائفة السُنّيّة، عبر إصراره على إجراء الاستحقاقات الانتخابية في موعدها والحثّ على المشاركة فيها ترشّحاً وتصويتاً، كما حصل في الانتخابات النيابية الأخيرة، ودائماً دائماً يُسجَّل للمفتي دريان أنّ ساعته مضبوطة على توقيت القانون وروحية عمل المؤسّسات.

بعيداً عن كلّ ما أحاط بتعديل المادّة 18 من قانون المجلس الشرعي، يُسجَّل لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان نجاحه في قيادة قطار القانون والمؤسّسات داخل الطائفة السُنّيّة

النجاح السُّنّي في هذه المسيرة يؤكّد دورهم في المعادلة الوطنية، وهو الدور المحوري في إعادة تكوين السلطة، إذ لا قيام لسلطة من دون قيامة لمؤسّسات الدولة ولا قيامة لمؤسّسات الدولة، كما أثبت الماضي والحاضر، من دون السُّنّة. هم حصن تلك المؤسّسات وضمانة ديمومتها.

مؤشّرات يجب أن تُقرأ
أرست نتائج انتخابات المجلس الشرعي في كلّ المحافظات ثلاثة مؤشّرات من الواجب قراءتها بتمعّن وعدم القفز فوقها لتبرير فشل هناك أو خسارة هنالك:
1- تراجع تأثير التيارات والشخصيات السياسية في مجتمع النخبة السُنّيّة لحساب الجمعيات الدينية والمدنية ورجال الدين. وبدا ذلك واضحاً في نتائج انتخابات بيروت مع فوز مرشّحي الجمعيات ورجال الدين على حساب مرشّحي التيارات والشخصيات السياسية، فتمثّلت بالمجلس الجديد كلّ من جمعية الفتوّة وجمعية إرادة وجمعية الإرشاد والإصلاح وجمعية خرّيجي المقاصد.
2- تظهير الأزمة الكبرى، التي تعيشها المحاكم الشرعية، وبخاصة في بيروت، وتكاثر علامات الاستفهام عمّا يدور داخلها وحولها، من خلال نتائج قضاة الشرع المرشّحين، الذين فشلوا جميعاً، وهم ثلاثة: وائل شبارو، وسام فلاح، عبد العزيز الشافعي. مع الإشارة إلى أنّ القاضي الشافعي حصد 55 صوتاً وتمّ إلغاء 4 أصوات له بداعي الكتابة قبل اسمه صفة الشيخ.
3- خسارة مزدوجة لرئيس جمعية المقاصد فيصل سنّو بسقوط مرشّحه محمد دندن الذي يرتبط بعقود عمل مع جمعية المقاصد، وقد أنشأ له سنّو ماكينة انتخابية عملت على إجراء الاتصالات بالهيئة الناخبة في الأيام الثلاثة التي سبقت موعد الانتخابات. فيما الخسارة الثانية لسنّو تمثّلت في فوز رئيس خرّيجي جمعية المقاصد مازن شربجي على الرغم من كمّية الضغوط الكبيرة التي وضعها سنّو ضدّ شربجي لمنع تبنّي ترشيحه في أيّ مباحثات توافقية.

ترهّل ماكينة المستقبل
بعيداً عن المؤشّرات الثلاثة التي ذُكرت لا بدّ من التوقّف عند أداء ماكينة تيار المستقبل في الانتخابات، وهي قد خاضت المعركة واضعةً أمامها هدفين على الرغم من بيانات النفي والوقوف على الحياد:
1- منع وصول المرشّحَين القاضي وسام فلاح ومحمد دندن المدعومَين من رئيس المحكمة الشرعية الشيخ محمد عساف لمخالفته التسوية التي تمّ التوصّل إليها.
2- إيصال المرشّح المدعوم مباشرة من التيار، وهو القاضي وائل شبارو. نجح التيار الأزرق في نصف المهمّة فأسقط مرشّحَي عساف ولم يتمكّن من إنجاح مرشّحه، وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على ترهّل ماكينة المستقبل، أو بعبارة أصحّ ترهّل قوّة تأثيرها على النُخب السُنّيّة التي باتت تقتنع بما تراه مناسباً وترفض ما لا تراه مناسباً مسقطةً المعادلة القديمة التي كانت تقول “زيّ ما هيّ”.

إنّها مسيرة الانتقال إلى التغيير سار بها السُّنّة منذ ثلاث سنوات برعاية المفتي دريان وسيواصلون السير بها، فهم عصب الدولة وإرادة التغيير واللَّبنة الأساس في إعادة تكوين السلطة في لبنان

سُنّة لبنان بخير
خلال ثلاث سنوات اختار سُنّة لبنان نوابهم في البرلمان بعيداً عن تقويم الأسماء وخلفيّاتها. اختاروا نوابهم رغبة في التغيير دافعين إلى عالم السياسة بعائلات كبيرة لم تدخله من قبل كعائلة منيمنة وبدر وصادق في بيروت وعائلة الشحيمي في البقاع، وعائلة مطر في طرابلس، ثمّ اختاروا مفتي المناطق والمحافظات فأجادوا الاختيار والخيار مقدّمين نخبة من رجال الدين العلماء الحكماء من أصغر محافظاتهم في حاصبيا وصولاً إلى أكبر محافظاتهم في عكار، فبات لهم مجلس للمفتين يزخر بالطاقات والعلم والحكمة. واليوم أنهوا انتخابات المجلس الشرعي مقدّمين أسماء واعدة كالقاضي محمد مكاوي في بيروت، والشيخ مظهر الحموي في طرابلس، والقاضي رئيف عبد الله في جبل لبنان، والمحامي محمد العجمي في البقاع.

إقرأ أيضاً: شرعيّ بيروت: لا ضغائن ولا معارك بل احتفال ديمقراطي

إنّها مسيرة الانتقال إلى التغيير سار بها السُّنّة منذ ثلاث سنوات برعاية المفتي دريان وسيواصلون السير بها، فهم عصب الدولة وإرادة التغيير واللَّبنة الأساس في إعادة تكوين السلطة في لبنان.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@

مواضيع ذات صلة

خدمة قدّمها خطاب خامنئي

تختصر خطبة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في تأبين حسن نصرالله، كلّ العلل التي أصابت لبنان، ولم تزل.   دعوته للّبنانيين أن “قاوموا”، مصحوبةً بلغة…

يتغيّر اللّاعبون ويبقى الشّرق الأوسط نفسه

لا تزال الضحايا السياسية تتهاوى من واشنطن بعد عام على طوفان الأقصى من طهران وصولاً إلى دمشق ومعهم آلاف الضحايا من اللبنانيين والفلسطينيين.   عام…

عام على 7 أكتوبر: حروب التّفاسير و”مكانك راوح”

بعد عام كامل على عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة حماس في غلاف قطاع غزة، وجرّت حرباً إسرائيليةً وحشيةً على الشرق الأوسط برمّته، لا على…

5 أسابيع حاسمة في تاريخ الشّرق الأوسط

تجري الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني المقبل. يفصل الشرق الأوسط عن ذلك أقلّ من 5 أسابيع تبدو ناظمة لحسابات إدارة الرئيس جو بايدن،…