هل تتوقّف الولايات المتحدة الأميركية عن منح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي دفعة الـ 100 دولار “كاش” للعسكريين؟ وهل تكون دفعة تشرين الثاني المقبل الأخيرة ضمن برنامج الدعم المالي المباشر للقوى الأمنيّة والعسكرية؟
في 25 كانون الثاني الماضي أعلنت سفارة الولايات المتحدة الأميركية في عوكر وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) إطلاق “برنامج دعم عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي” (Livelihood Support Program) بقيمة 72 مليون دولار على مدى ستّة أشهر.
تضمّن البرنامج دفع مبلغ بقيمة 100 دولار شهرياً لكلّ “العناصر المُستَحقّين”. في هذا السياق علم موقع “أساس” أنّ الجانب الأميركي اعترض خلال المفاوضات على منح المساعدة الماليّة لبعض الضبّاط الذين اعتبر أنّهم يدورون في فلك الحزب أو من المحسوبين عليه، لكنّ قائد الجيش العماد جوزف عون رفض هذا الشرط واضعاً معادلة: “إمّا المساعدة المالية لكلّ الضبّاط أو لا مساعدة”.
مصدر مطّلع لـ “أساس”: “لا هواجس فعليّة من توقّف المساعدات العسكرية التي تقدّمها الولايات المتحدة الأميركية للجيش من عتاد وأسلحة وتجهيزات عسكرية وأموال للصيانة والطبابة، إذ يبرز حرص كبير على إبقاء الجيش واقفاً على رجليه
لكنّ المساعدة حُجِبت لاحقاً عن أقسام أمنيّة-عسكرية معيّنة تُصنّف لدى الأميركيين بـ”أنّها شهدت تجاوزات في مجال حقوق الإنسان”، وتمّ التعويض على هؤلاء العسكريين بدفع مؤسّساتهم الـ 100 دولار لهم!
حُوّلت المئة دولار “كاش” لكلّ العسكر والضبّاط الذين كانوا يقبضونها من كلّ فروع OMT بعد إبراز بطاقتهم العسكرية. وقد قبضوا الدفعة الأولى من “الكاش” في حزيران الماضي على أن تكون الدفعة الأخيرة في تشرين الثاني المقبل.
في الوقائع، تجاوزت الولايات المتحدة الأميركية والـ UNDP كلّ العوائق القانونية التي تعترض دفع أموال نقدية مباشرة إلى جيش دولة أجنبية. وشَكّلت موافقة الكونغرس الأميركي إجراءً استثنائياً، إذ كشفت السفيرة الأميركية دوروثي شيا أنّها “المرّة الأولى التي تقدّم فيها الولايات المتحدة هذا النوع من الدعم المالي إلى القوى العسكرية والأمنيّة في لبنان، فيما نلحّ على القادة السياسيين أن يقوموا بانتخاب رئيس، وتشكيل حكومة، وتطبيق إصلاحات اقتصادية فوريّة”.
لا كاش بعد تشرين!
ارتبطت مسألتان أساسيّتان بهذه المساعدة الماليّة الأميركية:
– طابعها المؤقّت الذي حُدّد بستّة أشهر مقابل وعد لبناني رسمي بالسير بالإصلاحات الضرروية والالتزام بإتمام الاستحقاقات الدستورية.
– عدم مرور المساعدات (بكلّ أنواعها التي قدّمت خلال سنوات الأزمة) بأيّ مؤسّسة رسمية حكومية أو نيابية وأن تنحصر بين الطرف الداعم والجيش فقط.
آنذاك كشفت الممثّلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان ميلاني هاونشتاين عن “الاستعانة بوكالة معترَف بها دولياً لتكون طرفاً ثالثاً يراقب العملية، ووضعنا آليّات صارمة لضمان التزام المشروع بأعلى المعايير في مجال حقوق الإنسان”، معتبرة أنّ “الشفافية والمُساءلة أمران أساسيّان لمشروع بهذا الحجم وهذه الأهمية”.
في أيلول 2022 حظي لبنان أيضاً باهتمام أميركي استثنائي من خلال تفويض الرئيس الأميركي جو بايدن، في أيلول 2022 استناداً إلى القانون الأميركي، وزير خارجيّته أنتوني بلينكن منح مساعدات فورية للجيش اللبناني بقيمة 47 مليون دولار. آنذاك صدر بيان عن البيت الأبيض فوّض بلينكن سحب 25 مليون دولار من السلع والخدمات ومن مخزون وموارد أيّ وكالة أميركية وسحب ما يصل إلى 22 مليون دولار من الموادّ والخدمات الدفاعية لتقديم المساعدة الفورية للجيش اللبناني.
تقول أوساط معنية لـ “أساس”: “ليس هناك مؤشرات لأي تضييق أميركي مالي على الجيش. ثمّة كلام يتردّد في هذا السياق عن مسعى أميركي-قطري لتجديد المساعدات تماماً
يقول مصدر مطّلع لـ “أساس”: “لا هواجس فعليّة من توقّف المساعدات العسكرية التي تقدّمها الولايات المتحدة الأميركية للجيش من عتاد وأسلحة وتجهيزات عسكرية وأموال للصيانة والطبابة، إذ يبرز حرص كبير على إبقاء الجيش واقفاً على رجليه، لكنّ ثمّة تساؤلات جدّية ترتبط بمصير المئة دولار كاش التي استدعت الموافقة عليها في واشنطن والأمم المتحدة الالتفاف على القوانين الأميركية والأوروبية التي تمنع “تمويل” عسكر جيوش أجنبية بالمال النقدي مباشرة، وذلك من خلال ابتداع آلية قانونية حظيت بموافقة أممية لكن لفترة محدودة ومشروطة بإقرار الإصلاحات فوراً”.
يشير المصدر إلى أنّ “قيمة المساعدات التي خصّصتها واشنطن للجيش منذ عام 2006 تجاوزت ثلاثة مليارات دولار ولا نيّة لتخفيف وتيرة الدعم اللوجستي والعينيّ والتقني، لكنّ القصور الفاضح لدى القوى السياسية في إنجاز الاستحقاقات الدستورية وإقرار الإصلاحات الأساسية يُهدّد استمرارية تمويل الجيش وقوى الأمن بالدولارات الطازجة، ويمكن التسليم منذ الآن بأنّ دفع المئة دولار من جانب الأميركيين سيتوقّف بدءاً من كانون الأول المقبل”.
في المقابل تقول أوساط معنية لـ “أساس”: “ليس هناك مؤشرات لأي تضييق أميركي مالي على الجيش. ثمّة كلام يتردّد في هذا السياق عن مسعى أميركي-قطري لتجديد المساعدات تماماً كما حصل في موضوع المحروقات حين تمّ تخطي كل المعوّقات بتخصيص مبلغ 30 مليون دولار بالاتفاق بين الدوحة و”توتال انيرجيز” لتأمين المحروقات للجيش”.
في السياق نفسه، كان لافتاً ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” ثم محطة CNN الاميركية في أيلول الماضي عن إبلاغ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الكونغرس بالتوجّه لحجب 85 مليون دولار من المساعدات لمصر، والتي كانت مشروطة بتقدّم مصر في قضايا حقوق الإنسان والإفراج عن السجناء السياسيين، على أن تُحوّل هذه الأموال على شكل مساعدات وليس كاش إلى تايوان (بقيمة 55 مليون دولار) ولبنان (بقيمة 30 مليون دولار).
شكراً أميركا!
يُذكَر أنّ المؤسسة العسكرية دشّنت أواخر عام 2022 تزويد عسكريّيها بمئة دولار “كاش” لفترة قصيرة سُحِبت من صندوق خاص بالجيش لدى مصرف لبنان، ثمّ دخلت قطر على الخط بالتناوب مع الأميركيين لدفع الكاش، فيما دَعَمَت الدوحة المؤسّسة العسكرية أخيراً بإعلان “صندوق قطر للتنمية” عقد اتفاق لتزويد الجيش بالوقود لمدّة ستّة أشهر، بقيمة 30 مليون دولار.
إقرأ أيضاً: بعلبك “عاصمة” سوريا… والحكومة تتفرّج!
ردّاً على ما تسرّب عن استمارة إلكترونية ترتبط بمنحة الـ 100 دولار اختارت قيادتا الجيش وقوى الأمن عيّنات من العسكر والضبّاط لملئها وتأثير هذه المنحة المباشر على حياة العسكريين وأوجه صرفها، لفت موقفان جدّد في أوّلهما المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان “شكره للولايات المتحدة الأميركية على ما قدّمته وتقدّمه إلى المؤسسة، ونقطة على السّطر”، وقال في ثانيهما قائد الجيش: “لولا المساعدات الأميركية ما كان الجيش واقفاً على رجليه”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@