منذ الساعات الأولى لبدء عملية “طوفان الأٌقصى” وما استتبعته من تطوّرات غير مسبوقة أدخلت إسرائيل في جحيم لم تتوقّعه أسوأ سيناريوهات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بقيت التكهّنات ناشطة حول “خطّ التماسّ” في جنوب لبنان مع “جبهة” شمال إسرائيل وردّة فعل قيادة “الحزب” ربطاً بما سرّبته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إبلاغ مصر إسرائيل بأنّ الحزب سيقتحم مستوطنات الشمال فور اجتياحها لقطاع غزّة، وطلب العدوّ من سكّان هذه المستوطنات مغادرة منازلهم والتوجّه إلى أمكنة أكثر أماناً.
رُصِد “التفاعل” الأوّل من خلال قصف المقاومة صباح الأحد ثلاثة مواقع للعدوّ الإسرائيلي في منطقة مزارع شبعا، وهي الرادار وزبدين ورويسات العلم، ثمّ الردّ الإسرائيلي المحدود الذي طال بدايةً خيمة الحزب، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي استهداف طائرةٍ مسيّرةٍ تابعةٍ له “بنيةً تحتيّةً” تابعةً للحزب في منطقة جبل روس. واستُتبعت المناوشات المحدودة بين الطرفين بانتشار مكثّف للجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان في مقابل استنفار الجيش اللبناني واستقدام تعزيزات وتسيير دوريات واستنفار موازٍ مرئيّ وغير مرئيّ لمسلّحي الحزب.
الجبهة الجنوبيّة تحت السيطرة
لكنّ الجبهة الحدودية جنوباً التي بقيت تحت السيطرة نسبيّاً منذ دخول إسرائيل “حالة حرب” في مواجهة “حماس” لم تحجب مفاعيل “الزلزال” الذي ضرب عمق إسرائيل على الساحة الداخلية عسكرياً وسياسياً. فقد استنفر الجيش منذ يوم السبت عناصره على طول الخط الأزرق تحسّباً لأيّ تطوّرات حدودية محتملة، خصوصاً بعد إعادة الحزب مجدّداً نصب خيمة أخرى مقابل موقع زبدين واستمرار المناوشات بالقذائف المدفعية والصواريخ طوال يوم أمس على خطّ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ودبّ الرعب في “رِكب” الحكومة وبعض القوى السياسية تخوّفاً من تفرّد الحزب بـ “مغامرة غير محسوبة النتائج” تحت عنوان “توحيد الساحات” وتلبية نداء “حركة حماس”، فيما كان لافتاً عدم دعوة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى اجتماع أمنيّ طارئ في السراي لمناقشة الوضع الأمنيّ المستجدّ وغير المسبوق في تاريخ الصراع العربي مع إسرائيل والذي لن يكون لبنان بعيداً عن تأثيراته المباشرة.
بدت الحكومة في كوما، فيما اشتعال المواجهات في مستوطنات غلاف غزّة واستقدام التعزيزات من جانب “كتائب القسّام” ورفع حالة التأهّب إسرائيلياً إلى الحدّ الأقصى فتحت الداخل اللبناني على كلّ الاحتمالات
أين حكومة ميقاتي؟
بدت دعوة الحكومة إلى اجتماع عاجل أكثر إلحاحاً في ظلّ عدم وجود ضابط ارتباط مع قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان التي أبقت، كما قالت، “اتصالاتها قائمة مع السلطات على جانبَي الخطّ الأزرق، على جميع المستويات، لاحتواء الوضع وتجنّب تصعيد أكثر خطورة”. فمنسّق الحكومة لدى “اليونيفيل” العميد منير شحادة أحيل إلى التقاعد في الأول من تشرين الأول من دون أن تعمد الحكومة إلى تعيين بديل عنه. لكنّ شحادة الذي كان أيضاً يشغل موقع مسيّر أعمال المدير العامّ للإدارة في الجيش (عضو مجلس عسكري) تسلّم مكانه الضابط الأعلى رتبة في الإدارة العامّة، وهو العميد هادي الحسيني، بموجب تكليف صادر عن وزير الدفاع موريس سليم إلى حين تعيين ضابط أصيل، لكن لا قرار حتى الآن بتعيين منسّق جديد للحكومة لدى “اليونيفيل”.
حرفيّاً بدت الحكومة في كوما، فيما اشتعال المواجهات في مستوطنات غلاف غزّة واستقدام التعزيزات من جانب “كتائب القسّام” ورفع حالة التأهّب إسرائيلياً إلى الحدّ الأقصى فتحت الداخل اللبناني على كلّ الاحتمالات، ومن ضمنها ما سُرّب عن إمكان “اقتحام الحزب للمستوطنات شمالاً” في الوقت الذي سبق له أن نفّذ مناورة عسكرية في أيار الماضي تحاكي سيناريو هجمات بالطائرات المسيّرة واقتحام مستوطنة إسرائيلية والشريط الحدودي ومهاجمة عربات عسكرية.
كان لافتاً عدم دعوة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى اجتماع أمنيّ طارئ في السراي لمناقشة الوضع الأمنيّ المستجدّ وغير المسبوق في تاريخ الصراع العربي مع إسرائيل
عمليّاً تراجعت كلّ الملفّات الضاغطة إلى ما وراء الخطوط الخلفية للحرب العسكرية الدائرة على الحدود مع لبنان: ملفّ النازحين، ملفّ الانتخابات الرئاسية، المسعى الرئاسي القطري والفرنسي، أزمة الحوار المعطّل… فيما طُرحت تساؤلات جدّية عن مصير أعمال التنقيب في البلوك رقم 9 البعيدة كيلومترات قليلة عن مسرح الاشتباك بين الحزب والقوات الإسرائيلية وعن جبهة جنوب إسرائيل المشتعلة.
أمس أضفت مواقف بعض قيادات الحزب من خلال تأكيد “عدم الوقوف على الحياد” وعن “زمن الانتقام والحساب الذي أتى” والنداءات المتكرّرة من “كتائب القسام” للانخراط في معركة “طوفان الأقصى” مزيداً من الغموض على مسار المرحلة المقبلة والمدى الذي يمكن أن يذهب إليه الحزب في الحرب الدائرة جنوب إسرائيل.
إقرأ أيضاً: أمن بيروت… “على الله”!
على مدى يومين لم يكن بالإمكان التغاضي عن واقع تركيز الأنظار صوب الضاحية الجنوبية فقط: ماذا سيكون قرار الحزب؟ وماذا سيكون قرار طهران من خلفه؟ أمّا ما شُبّه بالدولة اللبنانية فكان يغرق في نوم عميق: لا حكومة، لا مجلس نواب، لا رئيس جمهورية أصلاً، لا مجلس أعلى للدفاع، لا اجتماعات أمنيّة، لا مواقف رسمية… فقط الجيش، وبعد 32 ساعة من اندلاع الحرب، أصدر بياناً أشار فيه إلى “تنفيذ الجيش انتشاراً في المناطق الحدودية وقيامه بتسيير دوريات، ومتابعته الوضع عن كثب مع قوّة الأمم المتحدة المؤقّتة في لبنان”، فيما تفيد المعلومات عن “تنسيق بحدّه الأدنى يحصل منذ يوم السبت بين الجيش والحزب”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@