لبنان سيدفع ثمن التهدئة أو المواجهة

مدة القراءة 5 د


أدّت معظم الأحداث الكبرى في العالم إلى تحوّلات كبرى في الشرق الأوسط وكانت لها دائماً تأثيرات كبيرة على الواقع اللبناني، وهو ما ينذر بأنّ احتمال توقيع اتفاقية سلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل ستكون له تداعيات كبيرة على الساحة اللبنانية.

تصريحات وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان لشبكة “فوكس نيوز”، حيث تحدّث عن تقدّم في المفاوضات مع إسرائيل عبر الوسيط الأميركي، جعلت من احتمال التوصّل إلى اتفاق بين السعودية وإسرائيل الحدث الأكثر ترقّباً في المنطقة حتى نهاية العام، لما سيكون له من تداعيات كبرى على صعيد المنطقة، ومن المؤكّد على لبنان، الذي كان البلد الأكثر تعرّضاً للهزّات عند كلّ تحوّل نتيجة حدث عالمي كبير.

السادات في الكنيست… 

خلقت زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للقدس واتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل تحالفات جديدة في المنطقة انقلب بعدها الرئيس السوري حافظ الأسد على “الجبهة اللبنانية” ودخل في صراع ضدّ الأحزاب المسيحية. وأصبح لبنان ساحة صراع على القرار الفلسطيني بين حافظ الأسد والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وما تبع ذلك من اقتتال فلسطيني – فلسطيني وحرب المخيّمات مع بين حركة أمل والفلسطينيين، إلى اجتياح إسرائيل لبيروت عام 1982.

أدّت معظم الأحداث الكبرى في العالم إلى تحوّلات كبرى في الشرق الأوسط وكانت لها دائماً تأثيرات كبيرة على الواقع اللبناني، وهو ما ينذر بأنّ احتمال توقيع اتفاقية سلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل ستكون له تداعيات كبيرة على الساحة اللبنانية

كان الحدث الآخر اجتياح صدّام حسين للكويت ومشاركة سوريا في التحالف العربي والإسلامي، وكان نتيجة ذلك التغاضي الدولي والعربي عن وصاية سوريا على لبنان حتى هجمات 11 أيلول 2001 ودخول المنطقة حروباً تدميرية وسقوط صدّام حسين في  2003 وموجة الاغتيالات في لبنان بدءاً من 2005 وخروج الجيش السوري منه.

إذا استمرّ هذا النمط التاريخيّ فمن المؤكّد أنّه ستكون هناك ارتدادات في لبنان إذا ما توصّلت السعودية إلى اتفاق سلام مع إسرائيل.

سيكون وَقْع الاتفاق المتوقّع قويّاً على لبنان، خصوصاً إذا قرّرت إيران مواجهة الاتفاق، لأنّ لبنان. هو القاعدة الإيرانية المتقدّمة ومركز عمليات حزبها الأقوى للانطلاق إلى سوريا واليمن وغيرهما.

سترِث طهران الدور السوري الذي لعبته سوريا – الأسد في السابق بعد كامب ديفيد، فقادت محور مواجهة التطبيع المصري – الإسرائيلي بمساعدة الاتحاد السوفيتي، وما نشأ نتيجته من تحالفات ومواجهات.

كيف ستواجه إيران التطبيع؟

هناك الكثير من التساؤلات عن كيفية تعاطي إيران مع الاتفاق السعودي الإسرائيلي المفترض. طهران التي اعتادت إعطاء إشارات متناقضة، لديها رغبة بتحسين علاقاتها مع الرياض، لكنّها تريد أثماناً مقابل عدم العمل على تقويض الاتفاق كما كان يحصل سابقاً عند كلّ تقدّم في المسارات التفاوضية بين الفلسطينيين وإسرائيل.

هناك احتمالان لما سيكون عليه موقف إيران:

– رسمي معلن للاستهلاك “الثوري” كان عبّر عنه الرئيس ابراهيم رئيسي، حين وصف أيّ تطبيع مع إسرائيل بأنه سيكون “طعنة” للقضية الفلسطينية.

– وموقف آخر يعبّر عنه الإيرانيون في المحادثات الدبلوماسية مع الدول الغربية ويقول إنّ إيران لديها علاقات مع دول عربية وإسلامية كتركيا والهند، على الرغم من علاقات هذه الدول مع إسرائيل، وإنّ التطبيع لم يحُل دون قيام علاقات جيّدة مع هذه الدول.

يكمن التحدّي في معرفة الموقف الإيراني الحقيقي، خصوصاً إذا فتحت إيران بازاراً سياسياً يسعى إلى زيادة نفوذها في المنطقة وتعزيز مكتسباتها.

ليس خافياً على أحد أنّ المشكلات اللبنانية المستعصية، وتحديداً تعذّر أو تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، تتطلّب توافقاً إيرانياً سعودياً. وهنا ستحدّد كلّ دولة أولويّاتها، وعلى أساسها تقرّر المواجهة أو التسوية.

إقرأ أيضاً: الرئاسة اللبنانيّة… صفقة مع أميركا تبحث عنها إيران

لذا سيكون أمام لبنان مرحلة دقيقة يزيد من خطورتها عدم وجود قيادة مسؤولة تحظى بإجماع وطني وتحدّد المصلحة الوطنية، وهو ما يُبقي لبنان خارج لائحة  الدول التي ستستفيد من أجواء السلام. وفي حال قرّرت إيران المواجهة كما فعلت سوريا في السابق بالتحالف مع إيران، فإنّ أمن لبنان واستقراره مهدّدان بشكل كبير، خصوصاً أنّ إسرائيل مستعدّة أن تخوض مغامرة عسكرية لحماية إنجاز اتفاق سلام مع المملكة العربية السعودية.

أمّا إذا قرّرت إيران تهدئة الأمور وانتهاج خيار معتدل فإنّها تريد ثمناً كبيراً مقابل ذلك، وأيّ صفقة مع طهران يمكن أن تكون على حساب سيادة لبنان وتجعل من إمكانية الحدّ من النفوذ الإيراني فيه أمراً صعباً.

ومن المؤكّد أنّ الموقف الإيراني وإمكانية المواجهة أو التهدئة سيحدّدان مصير وهويّة رئاسة الجمهورية. وسيكون الوضع في المخيّمات الفلسطينية، وسياسة إيران في سوريا، والوضع اليمنيّ، والوضع في غزّة والضفة الغربية، ونشاطات الحزب على الحدود مع إسرائيل… كلّها مؤشّرات التي من خلالها يمكن قراءة التوجّهات الإيرانية المستقبلية لأنّها تحتوي على جميع الأدوات الإيرانية في المنطقة وكيفية توجيهها سيكون هو المعيار.

لمتابعة الكاتب على تويتر: mouafac@

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…