أثبتت طرابلس كعادتها أنّها مدينة تستطيع أن تتجاوز همومها وأحزانها، إذ يشهد معرض الكتاب السنوي بنسخته التاسعة والأربعين إقبالاً كثيفاً من الزوّار، من روّاد الفكر والثقافة حتى طلّاب المدارس. وتعدّ هذه النسخة من النسخ الأكثر تميّزاً لأنّها تحصل فيما يتمّ ترشيح مدينة طرابلس لتكون عاصمة الثقافة العربية لعام 2024.
يشكّل استمرار هذا المعرض رسالة من طرابلس تعبّر فيها عن رغبتها في الحفاظ على جزء يسير من هويّتها وتراثها الثقافي. لكن كيف للمواطنين الذين يكافحون يومياً لتأمين سبل عيشهم، أن يتمتّعوا برفاهية شراء سلعة كماليّة؟
تاريخ “المعرض”
انطلق معرض الكتاب في عام 1974. وهو نشاط سنوي تقيمه الرابطة الثقافية في طرابلس التي أُسّست في عام 1943. وإلى يومنا هذا تُعتبر الرابطة الجهة الأولى التي تنظّم جميع النشاطات الثقافية، التعليمية والترفيهية في عاصمة الشمال طرابلس.
في عام 1998 انتقل المعرض من مقرّ الرابطة في شارع الثقافة إلى معرض رشيد كرامي الدولي في محلّة “المعرض”، لكنّ ظروف كورونا والانهيار الاقتصادي بعد عام 2019 فرضت عودته مجدّداً إلى الرابطة الثقافية لتخفيف الأعباء والتكاليف.
يؤكّد رئيس الرابطة الثقافية رامز الفري أنّ إصرار الرابطة على تنظيم المعرض سنوياً، على الرغم من الحالة الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، يهدف إلى التركيز على تفعيل الحركة الثقافية والأنشطة الاجتماعية في المدينة
رسالة حضاريّة
يؤكّد رئيس الرابطة الثقافية رامز الفري لـ”أساس” أنّ “إصرار الرابطة على تنظيم المعرض سنوياً، على الرغم من الحالة الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، يهدف إلى التركيز على تفعيل الحركة الثقافية والأنشطة الاجتماعية في المدينة، وتعزيز اللقاءات بين مختلف المناطق اللبنانية، من خلال استضافة أنشطة تحاكي الواقع وتتطرّق إلى مختلف المسائل المطروحة على الساحة”.
يضيف الفري: “لم يعد المعرض يقتصر على كونه سوقاً للكتب إن صحّ التعبير، بل نذر نفسه ليكون ملتقى للمؤسّسات التربوية والثقافية والاجتماعية، وأن يساهم في تحريك العجلة الاقتصادية، إضافة إلى دوره في تعزيز التواصل مع محيط المدينة وكسر الجمود الذي تعاني منه على أكثر من صعيد”.
يؤكّد أيضاً أنّ “المعرض بات جزءاً من الهويّة الثقافية للمدينة، التي ينبغي الحفاظ عليها بغضّ النظر عن حجم المشاركة والإقبال. كانت الطلبات التي قُدِّمت للمشاركة في المعرض كبيرة جدّاً هذا العام. وقد اعتذرنا من مؤسّسات عدّة لأنّنا لم نستطع تأمين مكان لها نظراً لضيق المساحة المتوافرة في الرابطة وبسبب سعينا الدؤوب إلى إعطاء أكبر مساحة للكتاب. لقد بتنا نلاحظ أنّ أصحاب الباع الطويل في الكتابة والنشر يحاولون توقيت إصدار كتبهم بالتزامن مع معرض الكتاب لِما لهذا المعرض من أهمية بالغة في حياتنا الثقافية والمجتمعية”.
يختم الفري كلامه بالقول: “اعتباراً من 12/5/2023 ولغاية 21/5/2023 ستكون طرابلس على موعد يوميّ مع عرس ثقافي ستحتضنه الرابطة الثقافية وستتنوّع أنشطته التي ستتعدّى أربعين نشاطاً، فضلاً عن الإصدارات الجديدة التي سيتخطّى عددها سبعين عنواناً، إضافة إلى ندوات فكرية تطرح إشكاليات المدينة والوطن مع مجموعة من المفكّرين البارزين”.
جولة داخل المعرض
تتألّف أرجاء المعرض من أجنحة عدّة حجزتها مؤسسات اجتماعية وتربوية وثقافية مختلفة تعرض ما تقدِّم من خدمات. وللكتاب طبعاً حضوره كما كلّ سنة، وأمّا القاعة الأساسية للرابطة الثقافية فتشهد حتى 21 الجاري أمسيات شعرية وندوات ثقافية واجتماعية متنوّعة وتوقيع كتب ودواوين ومنشورات.
كانت لافتةً كثافةُ الإقبال على شراء الكتب، وخاصة بين جيل الشباب، في عصر التكنولوجيا والإنترنت، وهو ما يشير إلى أنّ الشباب ما يزال لديه شغف القراءة.
الأجنحة المشاركة والمخصّصة لتواقيع الكتب:
– منتدى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة الثقافي.
– جامعة الجنان.
– موقع الوفاق نيوز للأخبار.
– مؤسّسة شاعر الفيحاء سابا الزريق الثقافية.
– صندوق الأحلام.
– الجامعة اللبنانية – كليّة الآداب.
– العلاج بالفنّ.
– مكتب المنية للإعلام.
– جريدة الوفاق.
– مجموعة الوفاق الإعلامية.
– الرابطة الثقافية.
– مدارس الثقافة الإسلامية.
– مؤسسة سعادة للثقافة.
– جامعة البلمند.
أجنحة لنشاطات أخرى:
– نادي إقرأ كن الثقافي.
– جمعية التعاون الاجتماعي والخيري.
– مركز تفاهم.
– مركز النظام البريطاني للّغات وأكاديمية الأمين الدولية.
– مجمّع العبير التربوي.
– دار الأمّة.
– دار ومكتبة الأمل والسلام.
– جامعة AUT.
شهادات الزوّار
تقول فرح شعبو: “علاقتي مع الكتب علاقة عميقة، ولا أحبّ أن أقرأ عبر الهاتف. للكتاب دور مهمّ، ولذا ما زلت متعلّقة بالكتب، لكن أحياناً أُضطرّ إلى قراءته pdf بسبب غلاء النسخة الأصلية”. فيما مصطفى شعبان، وهو طالب جامعي، يقول: “الكتاب صديقي، وعلينا أن نقرأ لنعيش مرّتين وننسى همومنا في الحياة. الأزمة الاقتصادية ما تزال مستمرّة، وربّما تتفاقم، لكن من وجهة نظري أشعر أنّ الكتاب عبارة عن غذاء روحي يجب أن يلتفت إليه المواطن، فهو يعطيه القدرة على الاستمرار بدلاً من الاستسلام للأوضاع الراهنة”.
إقرأ أيضاً: كتاب وثائقيّ عن انتفاضة 17 تشرين لئلّا يفوتها التاريخ
سياسيّو طرابلس حضروا!!
عملاً بالقول: “وفي بعض الغياب حضور كثيف”، حضر سياسيّو الصفّ الأوّل ومفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام افتتاح معرض الكتاب في مدينتهم. وأمّا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فكان غائباً عن الافتتاح وأرسل وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى ممثّلاً عنه، على الرغم من أنّ لحضوره نشاطاً كهذا رمزيّةً كبيرةً في مدينته.
[PHOTO]