جملتان فيهما موقفان مُضمَران / مُعلَنان، يجب ألّا ينساهما اللبنانيون:
– الأولى: وزّعها إعلام الحزب الرديف، حين دخلت طلائع قوّاته إلى سوريا، في 2011، دفاعاً عن نظام بشّار الأسد. في تلك الليلة، كتب مغرِّدوه ومؤثّروه، ووزّعت صفحاته جملة معبّرة: “ليلة سقوط سايكس بيكو“.
بالطبع كان المقصود أنّهم قطعوا الحدود التي رسمها الانتداب وقطّع بها أوصال المنطقة، وأنّهم باتوا خارج المعادلة اللبنانية وأكبر منها، وأنّهم ذهبوا بعيداً، في تحدٍّ للتاريخ والجغرافيا.
– الثانية: حين وصلت أولى طلائع قوّات الحزب إلى اليمن. يومها كتب هؤلاء أنفسهم، على صفحاتهم وصفحات الحزب: “… تحرير مكّة“.
السفير الذي أجاب عن أسئلة الحاضرين طوال ساعتين، بصدر رحب، وبلا “قفّازات”، كان واضحاً في الطلب من الحاضرين عدم تحوير الحديث، ونشر ما يريدون عن لسانه، شرط أن يخدم “الإيجابية” لا “السلبية”
بالطبع كان المقصود أنّهم، على شاكلة معركتهم في سوريا، التي كانوا اقتربوا من حسمها في 2015، فإنّهم خرجوا من “الإقليم” ومن “علبة” سايكس بيكو، بعدما ظنّوا أنّهم “طعجوا” التاريخ والجغرافيا، وأنّ هدفهم التالي هو “احتلال مكّة” تحت مسمّى “تحريرها”، وأنّ بلاد خادم الحرمين الشرفين باتت تحت مرمى نيرانهم. مع ما رافق كلّ هذه الفترة من أدبيّات حول ضرورة نقل “الإشراف” على الحجّ من حكم المملكة العربية السعودية إلى تحت حكم ولاية الفقيه الإيرانية.
مناسبة استذكار هاتين الجملتين / المشروعين، هي أنّه لا حدود سايكس بيكو سقطت، ولا احتلّ الفرس مكّة. بل أكثر من ذلك. في لقاءات مع دبلوماسيين إيرانيين بعد توقيع الاتفاق الصيني في بكين، بين السعودية وإيران، يُجمعون على أنّ الحرب مع العرب انتهت.
يحكي هؤلاء أنّ خصومهم وحلفاءهم، “يكبّرون الحجر” حين يتحدّثون عن نفوذهم وسيطرتهم على 4 عواصم عربية، وأنّ حلفاء إيران “موجودون” في تلك البلاد الأربعة، كما هو الحال في العراق ولبنان، لكن من دون سيطرة.
مجتبى أماني: تعميم “الحوار”
هذا ما قاله سفير إيران في حوار أُقيم الأسبوع الماضي مع عدد من الباحثات والباحثين والصحافيّات والصحافيّين، بعنوان “مستقبل العلاقات العربية بعد الاتفاق السعودي الإيراني”، نظّمه “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” في ضاحية بيروت الجنوبية، وأداره الزميل قاسم قصير.
السفير الذي أجاب عن أسئلة الحاضرين طوال ساعتين، بصدر رحب، وبلا “قفّازات”، كان واضحاً في الطلب من الحاضرين عدم تحوير الحديث، ونشر ما يريدون عن لسانه، شرط أن يخدم “الإيجابية” لا “السلبية”، وتماشياً مع ما يدور في المنطقة من أجواء حوار واتفاق.
بدأ السفير حواره، في مركز بعيد عن سفارته أمتاراً قليلة، باستعادة تاريخ العلاقة مع العرب. قال إنّ “حكوماتهم، منذ 1979، تحالفت لضرب الثورة، مع أميركا”، التي “جرّبت كلّ الأساليب خلال تلك السنوات، والدول العربية ساعدتها”
لكنّه قال كلاماً لا يمكن إلّا التوقّف عنده، في محضر تذكُّر مشروع “طعج” سايكس بيكو ومشروع “تحرير مكّة”، وهو التالي: “نحن أعلنّا انتهاء النزاع مع العرب” و”نلتزم بوقف الهجمات”.
هو كلامٌ من دبلوماسي عتيق، شارك في ثورة 1979 الإيرانية. ينحدر من أسرة ناضلت في إيران ودفعت دماءها في الداخل قبل الخارج. شقيقه كان في سجون الشاه. عمّهُ أعدمه الشاه رمياً بالرصاص في 1965، وكان من بين مجموعة اتُّهمت بجريمة اغتيال أحد رؤساء الوزراء في حينه. شقيقه الآخر قُتل خلال الحرب مع العراق. بل إنّ نشاط عائلته يمتدّ إلى خارج الحدود منذ انطلاقة الثورة: “تاجر من أقربائنا أمّن الطائرة الفرنسية، على حسابه، التي حملت الإمام الخميني إلى طهران”، يقول ردّاً على سؤال حول عمق الحلف مع فرنسا: “الخميني جاء على خطوط فرنسا فقط، وليس برعاية فرنسية سياسية”.
عداوة العرب.. العتيقة
بدأ السفير حواره، في مركز بعيد عن سفارته أمتاراً قليلة، باستعادة تاريخ العلاقة مع العرب. قال إنّ “حكوماتهم، منذ 1979، تحالفت لضرب الثورة مع أميركا”، التي “جرّبت كلّ الأساليب خلال تلك السنوات، والدول العربية ساعدتها”. وخلص إلى “أنّنا صحّحنا بعض العلاقات أحياناً، لكن ظلّت النار تحت الرماد”، واضعاً “الهجوم العربي على سوريا” في خانة السعي إلى ضرب النظام الإيراني: “هذا كان هدف الحرب على سوريا”. وأضاف: “ليس خفيّاً على أحد أنّ ملوكاً وزعماء عرباً طلبوا من بشّار الأسد الانسحاب من الحلف معنا… لكنّه رفض”.
وردّاً على سؤال الكاتب حول جملة “احترام سيادة الدول” الواردة في اتفاق بكّين، أجاب السفير: “هذه الجملة تعني حصراً الدولتين اللتين وقّعتا الاتفاق”، أي أنّها تعلن انتهاء “الحرب”، بغضّ النظر عن انعكاسها على الدول العربية الأخرى.
الجديد هو التالي: “فتحنا صفحة جديدة مع السعودية، على الرغم من كلّ هذه الأحداث. ولا نريد العودة في التاريخ وتحديد من هو المتّهم ومن المجرم أو المقصّر… هذا بات وراء ظهرنا، ونريد اليوم كلّ الإيجابية في المرحلة الجديدة، لترتاح شعوب المنطقة”.
إقرأ أيضاً: ماكرون “المُمانِع”… فرنسا “الفاسِدة”.. لبنان “الضحيّة”
إذا عدنا إلى “سايكس بيكو” و”تحرير مكّة”، فإنّ مناسبة تذكُّر هاتين الجملتين، هو أنّ هذا المشروع “سقط”.
“صمد” سايكس بيكو، وانتصرت مكّة، وها هي المملكة تفاوض على حصّتها في استقرار اليمن، وليس العكس.
في الحلقة الثانية غداً:
نهاية الحرب مع العرب… بداية “تحرير القدس”
لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@