مذ بدأتُ الكتابة في “أساس” اعتدتُ حفظ مقالاتي على الكمبيوتر وترقيمها. وهذا هو المقال المئة. إنّها تجربتي الأولى في عالم الصحافة. ولو أنّي نشرت العديد من المقالات من قبل في عدّة صحف لبنانيّة.
بعد نشر مقالاتي الأولى في “أساس” التقيت أحد الأصدقاء السياسيين الموارنة. فبادرني بالسؤال: “ماذا تفعل أنت الكسليكيّ في “أساس”؟”.
السائل عرَفني راهباً في الكسليك، وطالباً على مقاعدها، ثمّ أستاذاً محاضراً في قاعاتها وباحثاً في مراكز الدراسات فيها. ويعلم أنّني أنتمي إلى المقاومة اللبنانيّة التي نشأت في الكسليك. وساهم رهبانها في بلورة العديد من طروحاتها السياسيّة والوطنيّة.
على مدى ثلاث سنوات أثبت موقع “أساس” أنّه منبر إعلامي متميّز. هذا ما أراده الناشر والفريق المؤسّس بحسب ما جاء في الموقع تحت عنوان “لماذا أساس؟”
خلف سؤال السياسي الصديق، وهو لبنانيّ الطرح وعروبيّ التوجّه، إشارة إلى أنّ موقع “أساس” سنّيّ الخلفيّة والتوجّه.
حينها أجبت الصديق بأنّ سبب ذهابي إلى “أساس” هي الصداقة التي تجمعني بالأستاذ نهاد المشنوق، مؤسّس الموقع والساهر يومياً على نشر مقالاته وتطويره. وهي صداقة قديمة بدأت بموعد لسؤاله عن جوانب في العلاقات اللبنانيّة – السوريّة (وهي الفصل الأخير في أطروحة الدكتوراه التي أعددتها عن جيوسياسة سوريا) في مرحلة التسعينيّات من القرن الماضي. وهي مرحلة كان فيها المشنوق مستشاراً لرفيق الحريري. لقاء استمرّ ثلاث ساعات. تبعته لقاءات أخرى شهريّة تقريباً لم تنقطع إلا خلال تسلّمه وزارة الداخليّة. فأنا صديق الشخص وليس الموقع. استعضنا عن اللقاء بالاتصالات الهاتفيّة من وقت لآخر.
أجوبة إضافية لصديقي
بعد تجربة المئة مقال في “أساس” يمكنني أن أقدّم للسياسي الصديق إجابات أخرى عن سبب انتمائي إلى أسرته:
1- على مدى ثلاث سنوات أثبت موقع “أساس” أنّه منبر إعلامي متميّز. هذا ما أراده الناشر والفريق المؤسّس بحسب ما جاء في الموقع تحت عنوان “لماذا أساس؟”. فقد شكّل الموقع إضافة مهمّة في الصحافة اللبنانيّة التي تحوّلت مواقعها الإلكترونية إلى حلبات سباق في تقديم الخبر السريع على حساب المهنيّة حيناً والدقّة أحياناً. أعاد موقع “أساس” تذكير القارئ اللبنانيّ والعربيّ بأنّ بيروت رائدة في الصحافة العربيّة. كان تميُّز “أساس” أيضاً في مواكبته السريعة، لا المتسرّعة، لتطوّر العمل الصحافي الإلكتروني. فهو ينشر المقالات المصوّرة، إضافة إلى المكتوبة. وطموحات الناشر والفريق لا تتوقّف عند هذا الحدّ…
2- “الحرّيّة أساس”. هذا ما جاء في تعريف الموقع عن نفسه. يمارس “أساس” هذه الحرّيّة مع كتّابه. باستثناء بعض الملّفات التي عالجها الموقع وطلب مشاركتي فيها، أنا الذي اخترت مواضيع المئة مقال. إضافة إلى السياسة المحليّة والصراعات الإقليميّة والدوليّة، كتبت عن الكسليك ورهبانها وانتخاباتهم، عن بكركي وتوجّهاتها الوطنيّة، وعن الفاتيكان وقلقه على لبنان وعلاقاته بالدول العربيّة. وكتبت ردوداً على مقالات نُشرت في “أساس”، وبعضها لكتّاب مؤسّسين له. اقتصر تدخّل الموقع على التدقيق اللغويّ وتبديل طفيف في العنوان ليكون أكثر جاذبية من الناحية الصحافي. فأنا آتٍ من خلفيّة جامعيّة علميّة. غالباً ما تصلح العناوين التي أختارها لمقالٍ في كتاب وليس في وسيلة إعلام.
3- “الشبيه يجذب الشبيه إليه”: مبدأ فلسفيّ كان يردّده أستاذي في الفلسفة، تذكّرته في “أساس”. الخبرة الإعلامية والصحافية للناشر، إضافة إلى خبرته وثقافته في السياسة واحترافية فريق العمل، جذبت نخبة من الإعلاميين والصحافيين والباحثين في السياسة والاقتصاد والاجتماع من لبنان وعدّة دول عربيّة ليكونوا كتّاباً أسبوعيّين في “أساس”. وهو ما جعل الموقع عربياً وليس لبنانياً فقط. ففي “أساس” كتّاب من مصر والسعوديّة وفلسطين وسوريا والسودان والأردن والكويت والإمارات وغيرها من الدول العربيّة. غالبيّتهم قريب من موقع القرار. يستمتع القارئ العربيّ بقراءة مقالاتهم الغنيّة بالمعلومات والمرتكِزة على التحليلات.
الخبرة الإعلامية والصحافية للناشر، إضافة إلى خبرته وثقافته في السياسة واحترافية فريق العمل، جذبت نخبة من الإعلاميين والصحافيين والباحثين ليكونوا كتّاباً أسبوعيّين في “أساس”
4- إنّ “أساس” موقع سياسيّ ملتزم وطنيّاً. يعرّف عن نفسه بالقول إنّ “الدستور أساس، والوطن أساس، والدولة أساس، والشعب أساس…”، وكلّ لبنانيّ حريص على الوطن يجد نفسه في هذا الالتزام الوطنيّ. إذ لا استمرار لوطن إذا لم يكن الدستور أساساً ومرجعاً في حياته السياسيّة. وهذا ما افتقده لبنان منذ هيمنة “الشيعيّة السياسيّة” عليه. ولا يكون الوطن أساساً إذا لم يتساوَ أبناؤه أمام القانون. ولا تكون الدولة أساساً إذا لم تكن مؤسّساتها، وبخاصّة الأمنيّة والعسكريّة، هي وحدها الأساس في حماية الوطن والشعب. ولا يكون الشعب أساساً إذا اعتبرت فئة منه أنّها “أشرف” من الباقين، وسخّرت الشعب وحاضره ومستقبله من أجل مشاريعها السياسيّة المرتبطة بمصالح شعوب أخرى.
5- يضيف الموقع في التعريف عن نفسه أنّ “العروبة أساس”. فهي أساس في هويّة لبنان، كما جاء في مقدّمة الدستور. وهي أساس في تاريخه وحاضره ومستقبله. ولا تخيفني، أنا المسيحي. إذ لا خشية من الخلط بين العروبة والإسلام إزاء الانفتاح الديني الذي يشهده الإسلام في العديد من الدول العربيّة.
إنّ أبرز ما يعانيه لبنان اليوم هو ابتعاده عن العروبة وتوجّهاتها الاستراتيجيّة. هيمنة الحزب وضعته في خطّ “الممانعة الفارسيّ”، خطّ لم يعزل لبنان عن العروبة فقط، بل جعله متخلّفاً عقوداً عنها.
أين لبنان اليوم من “رؤية 2030” التي ستنقل المملكة العربيّة السعوديّة إلى مصافّ الدول الاقتصاديّة الكبرى؟
وأين هو من دولة الإمارات التي وصلت بطموحاتها إلى الفضاء؟
وأين هو من دولة قطر التي نجحت في استضافة المونديال؟
إقرأ أيضاً: تشارلز ملكاً وديانا “ملكة” القلوب
وأين لبنان، مختبر الأديان والطوائف، من الانفتاح الدينيّ والسياسيّ الذي تشهده دول الخليج؟…
لكلّ هذه الأسباب أنا فخور وسعيد بأنّه مقالي المئة في “أساس”.
وإلى المزيد…