السوداني أمام اختبار استقلاليّة القرار

2023-05-06

السوداني أمام اختبار استقلاليّة القرار

الكمّ القليل من العمل والإجراءات التي تقوم بها حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تحوّل لدى الشارع العراقي بمختلف مستوياته إلى نقلة نوعية، بعد عهود من التراجع والفشل والفساد والهدر التي طالت جميع القطاعات والمستويات وتحوّلت إلى ما يشبه الثقافة الاجتماعية.

على الرغم من الإحباط الشعبي من أداء حكومات ما بعد الاحتلال والتغيير، ما زال الشارع العراقي يملك القدرة على التمييز. فإذا ما كان يعتبر أنّ حكومة الرئيس السوداني تشكّل نقلة نوعية وقد تستطيع الحدّ أو لجم المسار الانحداري، فإنّه أيضاً لا يخرج عن الإنصاف في تقويم تجربة سلفه الأسبق حيدر العبادي لجهة أنّ الأولويّات التي تعمل عليها الحكومة الحالية تشكّل امتداداً واستمراراً للخطوات والإجراءات التي بدأها العبادي على الرغم من انخراطه في استنزاف كبير للموارد نتيجة المعركة التي قادها لتحرير ثلث الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم داعش، وهي الفترة التي تزامنت مع تراجع أسعار النفط وتركت تأثيرها الواضح والمباشر على حركة الاستثمار والمشاريع الحيوية.

يبدو أنّ التوتّر بين السوداني والمالكي مرشّح في الأيام المقبلة لمزيد من التصعيد، ما لم تكن الزيارة التي قام بها السوداني للمالكي ولرئيس مجلس القضاء الأعلى قد استطاعت إزالة أو الحدّ من هذا التوتّر

عدم الخضوع للإبتزاز

في موازاة حالة الارتياح التي يعيشها الشارع العراقي نتيجة أداء حكومة الرئيس محمد شياع السوداني والجدّية التي تتعامل بها مع مختلف الملفّات، يعمل السوداني على التزام الضوابط والشروط التي وضعها عند تسلّم رئاسة السلطة التنفيذية والقيادة العامّة للقوات المسلّحة، ومبدأ تقويم أداء وعمل الحكومة والوزراء بعد مرور ستّة أشهر من عمر الحكومة. وفي الوقت الذي يحاول السوداني التصدّي لضغوط البرلمان الساعية إلى إدخال تعديلات على الميزانية العامّة الثلاثية للدولة (مشروع السوداني الحصول على موافقة البرلمان على ميزانية مكرّرة لمدّة ثلاث سنوات هي العمر الدستوري لحكومته)، وهي ميزانية غير مسبوقة نسبة لحجمها الذي يصل إلى نحو 140 مليار دولار، يبدو أنّ أطرافاً في تحالف “إدارة الدولة”، الذي يُعتبر الأب الروحي والمرجعية السياسية لهذه الحكومة، تتعامل بمنطق الريبة والشكّ في أهداف السوداني ومحاولته إبعاد هذه الأطراف عن القرارات التي يتّخذها، والتي تصبّ في مساعيه إلى فرض هامش واسع من حرّية العمل الحكومي والرسمي بعيداً عن ابتزاز أيّ من الأطراف أو القوى السياسية، وعدم الخضوع لها.

على الرغم من أنّ السوداني جزء من تحالف “إدارة الدولة”، يبدو أنّ طموحاته المشروعة بدأت تتحوّل إلى كابوس أو مصدر قلق لدى قيادات من داخل “الإطار التنسيقي” الشيعي، في حين ترى فيها قيادات من المكوّن السنّي داخل تحالف “إدارة الدولة” تهديداً لمشروع زعامتها ومحاولةً لاحتكار التمثيل السنّي داخل الدولة والمؤسّسات.

السوداني يرفع سيف المحاسبة

بدأ السوداني مراجعة الأداء الحكومي بعد مرور ستّة أشهر بالكشف عن نيّته إجراء تعديل في بعض الوزارات، التي لم تستطع مواكبة البرنامج الحكومي والالتزام به وتنفيذه. وهو تعديل أو تقويم قد يشمل أداء 5 أو 6 وزراء مع المديرين العامّين في هذه الوزارات، وهؤلاء ينتمون إلى مختلف القوى السياسية في “الإطار التنسيقي” وقوى وأحزاب المكوّنات الأخرى.

تمسُّك السوداني بمبدأ المحاسبة وعدم تراجعه عن هذا المسار، ورفضه أيّ تدخّلات من أيّ طرف، حتى من قيادات “الإطار التنسيقي” الذي رشّحه لهذا الموقع وأوصله إليه، أشعلت معركة سياسية بينه وبين زعيم ائتلاف “دولة القانون” رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي يوصف بأنّه رجل الظلّ في هذه الحكومة، خاصة بعد نفي المالكي علمه بوجود نيّة لدى رئيس الوزراء للتعديل أو التغيير، وهو ما كشف عن وجود تباين في نظرة كلّ من الرجلين إلى هذه الخطوة.

استحقاقان أساسيان في الأيام المقبلة قد يشكّلان عناوين العلاقة بين السوداني وقادة العملية السياسية، خاصة قوى “الإطار التنسيقي” الشيعي، نتيجة منسوب القلق الذي بدأ يرتفع لدى هذه القيادات

يبدو أنّ التوتّر بين السوداني والمالكي مرشّح في الأيام المقبلة لمزيد من التصعيد، ما لم تكن الزيارة التي قام بها السوداني للمالكي ولرئيس مجلس القضاء الأعلى قد استطاعت إزالة أو الحدّ من هذا التوتّر وإمكانية عرقلة مسار المحاسبة والتعديل، خاصة أنّ رزمة التعديل الوزاري بحاجة إلى تصويب البرلمان بأغلبية مطلقة (النصف زائداً واحداً)، وأنّه يمكن أن تلجأ قوى “الإطار التنسيقي”، بالإضافة إلى نواب حزب “تقدّم”، الذي يتزعّمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، إلى إسقاط هذا التعديل، انطلاقاً من خوف هذه القيادات من قدرة السوداني على أن يتحوّل إلى زعامة شعبية على حساب مواقعهم وزعامتهم وأحزابهم، ويؤسّس لظاهرة مختلفة استطاعت تحقيق نجاحات في إدارة الدولة تؤسّس بدورها لعودته إلى موقعه بإرادة شعبية هذه المرّة وليس بإرادة هذه القوى، وتحديداً “الإطار التنسيقي”. وهي مخاوف بدأت تخرج من دائرة الهمس إلى التداول العلني في جلسات ولقاءات قيادات “الإطار التنسيقي” المعنيّ الأوّل برئاسة الوزراء.

بدأ السوداني في خطوة استباقية، وفي محاولة لقطع الطريق على إمكانية إفشال مشروعه التعديلي للحكومة، سلسلةً من المحاسبات والتقويمات لأداء الكوادر الإدارية في مختلف الوزارات والمصالح الرسمية والمشتركة، ووضع لائحة لأكثر من 140 مديراً عامّاً في مؤسسات الدولة على لائحة الإعفاء والنقل والتغيير، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الحزبية والمذهبية أو العرقية، في خطوة تكشف عن نيّة جدّية لدى السوداني لتنفيذ خطته الإصلاحية وتكريس مبدأ المحاسبة، الذي تدخل مسألة محاربة الفساد في إدارات الدولة في صلب أهدافه.

وصلت شظايا هذا التغيير والمحاسبة إلى محافظة الأنبار، التي شكّلت محلّ صراع وخلاف بينه وبين رئيس البرلمان الحلبوسي الذي رفض الإجراءات التي يقوم بها السوداني من موقعه على رأس السلطة التنفيذية والقيادة العامّة للقوات المسلّحة. وانطلق اعتراض الحلبوسي من اعتبار هذه الإجراءات تدخّلاً في شؤون المكوّن والمنطقة اللذين يمثّلهما، إلا أنّ إجراءات مكافحة الفساد أجبرت محافظ الأنبار على إقالة 83 موظفاً لديه يعملون بصفة مستشار. في حين شكّل الحديث عن إمكانية تغيير وزير الزراعة عباس جبر العلياوي، الذي يمثّل حصّة ائتلاف “دولة القانون”، المحرّك الذي دفع المالكي إلى التحرّك وفتح ملفّ قرارات ومواقف السوداني وما يمكن أن تؤسّس له مستقبلاً من زعامة على حساب الآخرين.

إقرأ أيضاً: الحلبوسي في السعوديّة: هل هاجسه البحث عن دعم أم دور؟

استحقاقان أساسيان في الأيام المقبلة قد يشكّلان عناوين العلاقة بين السوداني وقادة العملية السياسية، خاصة قوى “الإطار التنسيقي” الشيعي، نتيجة منسوب القلق الذي بدأ يرتفع لدى هذه القيادات وما يلمسونه من حجم الدعم الذي يحظى به السوداني عربياً وإقليمياً ودولياً، وتحديداً من ثلاث جهات مؤثّرة في المشهد العراقي، أي السعودية وإيران والولايات المتحدة الأميركية، تُضاف إليهما أجواء القبول والرضا الشعبي عن الكثير من الإجراءات، وتحديداً تلك المتعلّقة بما يبدو أنّه جدّية نسبية في مكافحة الفساد المزمن والمتراكم في مفاصل الدولة والمجتمع. والرهان أن تدرك هذه القوى مخاطر أيّ مساعٍ لمحاصرة السوداني وإفشال تجربته، وأن تتخفّف من محاذيرها وهواجسها لأنّ الفشل يعني دخول مصير ومستقبل موقعها في المشهد، وستكون العملية السياسية في دائرة الخطر الحقيقي.

مواضيع ذات صلة

“أبو مازن”.. اعتمر الكوفيّة وعد إلى أهلك في جنين

هي رسالة إلى “أبو مازن” ندعوه فيها إلى اختصار الطريق، والذهاب إلى حيث يجب الذهاب وسط هذا التهديد الكبير. الأخ “أبو مازن”. تحيّة وبعد. أنت…

مناظرة تكتيكيّة: هاريس نحو التّعادل وترامب يصوّب على الهدف

منذ إطلاق أوّل مناظرة رئاسية متلفزة عام 1960، لم تكتسب المناظرات التلفزيونية أهمّية في تحديد هويّة من سيصل إلى البيت الأبيض كانتخابات هذه السنة نتيجة…

صفقات أميركا مع إيران: العراق يتقدّم على لبنان

يشكّل العراق كما جرت العادة في العقدين المنصرمين الساحة الرئيسة للمساومات بين إيران وأميركا، على الصعيد الإقليمي. في هذا المجال تتقدّم تلك الساحة على ساحة…

الحجّار وسلامة.. شجاعة رجلين

بعيداً عن الشعبوية والشماتة، ما يجب تأكيده في قرار مدّعي عام التمييز القاضي جمال الحجار بتوقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، أنّ أمامنا قصّة…