المحكمة العسكريّة: التخصّص بمعاقبة السُّنّة

مدة القراءة 5 د

قبل الكلام

ليست المشكلة في قساوة الأحكام التي أصدرتها المحكمة العسكرية بحقّ الموقوفين من شباب عرب خلدة، فقد اعتدنا أحكاماً كهذه. ولا المعضلة في هيمنة الحزب غير المعلنة على قرار المحكمة وأحكامها، فغياب الإعلان لا ينفي الحقيقة المؤكّدة عند عامّة الناس. بل المشكلة في بعض النواب والمشايخ السُّنّة الذين راهنوا بخفّة وقلّة حكمة وسوء تدبير على المحكمة ومنطق التسوية مع الحزب وقيادته، فانطبق عليهم ما جاء في الحكمة الشهيرة “يا طالب الدبس من مؤخّرة النمس قال كفاك الله شرّ العسل”.

*****************

لم تُصدر المحكمة العسكرية منذ عام 2005 بعد خروج الجيش السوري أحكاماً مغلّظة مشدّدة إلا إذا كان المتّهم من أهل السُّنّة. فيما مسلك التساهل والأحكام المخفّفة لا تعرفه تلك المحكمة إلا مع المتّهمين المنتمين لباقي الطوائف، بدءاً من المقاتل في صفوف الحزب الذي قتل الطيّار سامر حنّا عام 2014، مروراً بفايز كرم المقرّب من الرئيس السابق ميشال عون وصهره جبران باسيل والذي اعتُقل بجرم العمالة  للعدوّ الإسرائيلي في عام 2010، وانتهاء بالمخطّط والمدبّر لتفجير المساجد والكنائس في الشمال عبر الوزير السابق ميشال سماحة. إذا كانت الأمور غير ذلك فالسؤال: كيف يمكن مقارنة 10 سنوات سجنيّة لمتّهم شارك في اشتباك دفاعاً عن منزله بوجه مقاتلين غرباء عن المنطقة هاجموا منزله بثلاث سنوات سجنيّة لمتّهم بنقل متفجّرات والتخطيط لنسف السلم الأهلي عبر الكنائس والمساجد، وبـ6 أشهر لقاتل نقيب في الجيش اللبناني برصاصة في رأسه، وبسنتين لمتعامل مع استخبارات العدوّ الإسرائيلي، إلّا كون المتّهم بالمشاركة في اشتباك مسلّح ينتمي إلى الطائفة السنّيّة فيما المتّهمون الآخرون لا ينتمون إليها. المكوّن السُنّيّ صار نهباً، ولا يحظى بغطاء سياسي، وأمّا البقيّة فصُنعت الأغطية السياسية لستر عورات أمثالهم، والعذر كلّ العذر لقساوة المشهد الطائفي، لكن يجب أن تُقال الأمور بأسمائها.

اللافت في الشواهد الكثيرة عبر الأيام أنّه عندما تقع مشكلة أمنيّة ما ويكون أحد من السُّنّة واحداً من أطرافها تتمّ محاكمتهم جماعياً

ما هو منطق المحكمة؟
أصدرت المحكمة العسكرية قبل أيام أحكامها بحقّ 36 شابّاً تمّ الادّعاء عليهم في أحداث خلدة التي وقعت في آب 2021، وتراوحت الأحكام بين المؤبّد والسجن من  7 إلى 10 سنوات، وبراءة 11 شخصاً قبعوا كلّ الأشهر الفائتة في السجن.
يُطرح تساؤل على خلفيّة هذه الأحكام: ما هو المنطق الذي استندت إليه المحكمة في أحكامها؟ المنطق يقول إنّها ذهبت في أحد اتّجاهين:
1- اعتبار ما حصل اشتباكاً مسلّحاً بين مجموعتين، إحداهما تمكّنت من قتل ثلاثة أشخاص من المجموعة الثانية، وهي المجموعة التي ادّعت أنّها تدافع عن منازلها، وبالتالي يجب أن تشمل الأحكام متّهمين من المجموعتين المتورّطتين بالاشتباك وإطلاق النار فيما الأحكام الصادرة لم تشهد أيّ اتّهام لشخص من المجموعة التي هاجمت المنازل في خلدة.
2- إنّ ما حصل هو جريمة قتل بعيداً عن كلّ ما أحاطه، وشهد سقوط ثلاث ضحايا، وهو أمر مفروغ منه. فهل يُعقل أن يقتل 36 شخصاً ثلاثة أشخاص أم يجب الادّعاء وفق المنطق القانوني على من أطلق النار على الضحايا مباشرة بقصد القتل وليس على هذا الكمّ من المتّهمين إن اعتبرنا أنّ ما حصل جريمة قتل وليس اشتباكاً؟

السُّنّة والمحاكمات الجماعيّة
اللافت في الشواهد الكثيرة عبر الأيام أنّه عندما تقع مشكلة أمنيّة ما ويكون أحد من السُّنّة واحداً من أطرافها تتمّ محاكمتهم جماعياً. هذا ما حصل في عبرا حينما تمّ تجريم مدينة صيدا وشبابها فأُحضر المئات وعُذّب وسُجن العشرات، وهذا ما حصل في مدينة طرابلس عندما قُتِل مخبر أمنيّ متقاعد فتمّ اعتقال العشرات، وبعد أشهر طويلة قال مطلق النار أمام المحكمة إنّه لا يعرف أحداً من الموقوفين ولا ينتسب إلى أيّ مجموعة إرهابية، وإنّ ما فعله جاء انتقاماً لشرفه بعد المضايقات التي مارسها المخبر الأمنيّ بحقّ عائلته.

تكاد الأمور أن توصلنا إلى نتيجة واحدة مفادها أنّ المحكمة العسكرية مهمّتها محاكمة السُّنّة كطائفة وكمجموعة، ومن يقول عكس ذلك فليردّ على كلّ الشواهد والوقائع

بالمقابل في مدينة بعلبك وضواحيها تُقطع الطرقات بالسلاح الثقيل فيكون الخبر أنّ القوى الأمنيّة من جيش وغيره قامت بمعالجة الأمر، والمعالجة غير التحرّك، وبعد أن تُفتح الطريق يتمّ التعامل مع الأمر وكأنّ شيئاً لم يكن. وإن اتُّخذ إجراء فلا يتجاوز إصدار وثيقة أمنيّة بحقّ بعض الأسماء. وعندما خرجت مجموعة تطلق على نفسها “جنود الربّ” حاملةً السلاح والعتاد الحربي في قلب بيروت دفنت القوى الأمنية والمراجع القضائية رأسها في الرمال وكأنّ شيئاً لم يحدث أو سلاحاً ومسلّحين لم يكونوا هناك.
تكاد الأمور أن توصلنا إلى نتيجة واحدة مفادها أنّ المحكمة العسكرية مهمّتها محاكمة السُّنّة كطائفة وكمجموعة، ومن يقول عكس ذلك فليردّ على كلّ الشواهد والوقائع. هي الوجه القضائي لمشروع استهداف السُّنّة في لبنان. البعض تكفّل بالجانب السياسي حاملاً راية حقوق المسيحيين، والثاني تكفّل بالجانب الأمني حاملاً شعار محاربة الإرهابيين. أمّا محكمة المتحف فتكفّلت بالجانب القضائي.

إقرأ أيضاً: سُنّة لبنان والجيش وقيادته.. حكاية ثقة

في منطقة المتحف حيث يقف نصب جندي لبناني يحمل ميزان العدالة يجب تصويب البوصلة نحو المحكمة العسكرية كما هو حاصل في كثير من البلدان المتطوّرة لأنّ الجندي والعسكر ليس المطلوب منهم أن يحملوا ميزان العدالة بل المطلوب منهم أن يحموا من يحمل هذا الميزان من قضاة متخصّصين أقسموا اليمين على أن يحكموا بالحقّ ولا شيء غير الحقّ.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@

مواضيع ذات صلة

سورية القويّة وسورية الضعيفة

سورية القويّة، بحسب ألبرت حوراني، تستطيع التأثير في محيطها القريب وفي المجال الدولي. أمّا سورية الضعيفة فتصبح عبئاً على نفسها وجيرانها والعالم. في عهد حافظ…

الرّياض في دمشق بعد الفراغ الإيرانيّ وقبل التفرّد التركيّ؟

سيبقى الحدث السوري نقطة الجذب الرئيسة، لبنانياً وإقليمياً ودوليّاً، مهما كانت التطوّرات المهمّة المتلاحقة في ميادين الإقليم. ولا يمكن فصل التوقّعات بشأن ما يجري في…

الرّافعي لـ”أساس”: حلّ ملفّ الموقوفين.. فالقهر يولّد الثّورة

لم يتردّد الشيخ سالم الرافعي رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان في الانتقال إلى دمشق التي لم يزُرها يوماً خوفاً من الاعتقال. ظهر فجأة في…

أكراد سوريا في بحث جديد… عن دور ومكان

لم يعرف الأكراد منذ أن وُجِدوا الاستقرار في كيان مستقلّ. لم يُنصفهم التاريخ، ولعنتهم الجغرافيا، وخانتهم التسويات الكبرى، وخذلتهم حركتهم القومية مرّات ومرّات، بقدر ما…