معركة الرئاسة التركيّة: القرار في الجولة الثانية؟

مدة القراءة 7 د

دفع تقارب الأصوات بين المتنافسَين القويَّين في معركة الانتخابات الرئاسية التركية الرئيس رجب طيب إردوغان وزعيم المعارضة كمال كيليشدار أوغلو، كلا المرشّحين إلى اللجوء إلى كلّ ما يمكن فعله سياسياً وانتخابياً من أجل تعزيز فرص كسب المزيد من الأصوات. انصبّت الجهود هذه المرّة على شريحة الشباب بين 18 و25 عاماً الذين يتجاوز عددهم 12 مليون مقترع، والوسيلة هي الوصول إليهم عبر تطبيقات “تيك توك” التي التحق المرشّحان بها في الآونة الأخيرة. وهو مؤشّر آخر إلى حجم المنافسة وسخونة الأجواء الانتخابية.

لا ثقة بشركات الاستطلاع
أصبح قليلاً عدد من يثق بما تقوله شركات استطلاع الرأي في تركيا لأنّ أرقامها وتقديراتها متباعدة ومتناقضة ومسيّسة في الكثير من الأحيان. حتى لو كان أحد آخر الاستطلاعات الذي يلخّص أرقام 7 شركات دفعة واحدة يقول إنّ مرشّح المعارضة كمال كيليشدار أوغلو سيحصل على 54 في المئة مقابل 45 في المئة لإردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، فإنّ تقديرات أخرى ترى أنّ إردوغان استردّ ما فقده من شعبية وأصوات في الأيام الأخيرة بعد أكثر من نقلة انتخابية استراتيجية وخضّات سياسية حدثت في صفوف الطاولة السداسية المعارِضة.
يتساءل الإعلامي التركي المعارض فاتح التايلي قائلاً: “لو كانت المسألة قد حُسمت لمصلحة حزب العدالة والتنمية فهل كان يلجأ إلى طلب دعم حزب يساري صغير لا أحد يعرف إذا ما كانت زوجة رئيس الحزب وأبناؤه سيصوّتون لتحالف الجمهور أم لا؟ يأتي الردّ بطريقة مختلفة عندما يقول الكاتب التركي المقرّب من حزب العدالة بولنت أوراك أوغلو إنّ هدف زيادة عدد القواعد الأميركية حول تركيا هو توجيه رسائل إلى أنقرة نفسها قبل أن يكون مواجهة النفوذ الروسي في المنطقة. واشنطن بعد فشل مشروع 15 تموز والمحاولة الانقلابية في تركيا تسعى إلى أخذ ما تريده عبر الانتخابات ودعم قوى المعارضة هذه المرّة.
يقول وزير الداخلية التركي سليمان صويلو إنّ إردوغان سيفوز على منافسه كمال كيليشدار أوغلو بفارق بسيط في الجولة الأولى. لكنّ ما يُقلق حزب العدالة هو تمسّك غالبية مؤسّسات استطلاع الرأي باستحالة حسم النتيجة في الجولة الأولى، وأنّه سيكون هناك جولة ثانية تتطلّب الكثير من الجهد لكسب دعم الأصوات التي خسر مرشّحها في الجولة الأولى.

ما يُقلق قيادات حزب العدالة أيضاً ليس معرفة أسباب تراجع الأصوات بعد الآن، بل طريقة إقناع الناخب المحافظ والمتردّد بدعم الحزب للحصول على نسبة 50 في المئة من الأصوات

هذا ما يقلق حزب العدالة
ما يُقلق قيادات حزب العدالة أيضاً ليس معرفة أسباب تراجع الأصوات بعد الآن، بل طريقة إقناع الناخب المحافظ والمتردّد بدعم الحزب للحصول على نسبة 50 في المئة من الأصوات. يتطلّب الوصول إلى ذلك إخراج الأرنب يومياً من القبّعة من خلال وعود ومفاجآت انتخابية لا بدّ منها، خصوصاً عندما يردّد البعض أنّ نسبة 58 في المئة من الناخبين تقول إنّها لن تصوّت لحزب العدالة ومرشّحيه.
بالمقابل نجح كمال كيليشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري في البقاء على رأس الحزب لمدّة 13 عاماً كاملة. صحيح أنّه فشل في تحقيق أيّ فوز انتخابي في مواجهة حزب العدالة والتنمية لسنوات طويلة، وأنّ أوّل إنجازاته السياسية كان تمكين مرشّحيه في انتخابات البلديّات التركية عام 2019 من الفوز في المدن الكبرى. لكنّ أهمّ ما حقّقه اليوم قد يكون بناء اصطفاف سداسي معارِض يدعمه حزب الشعوب الديمقراطية في معركة الرئاسة. أبرز ما يُستخدم من أسلحة انتخابية ضدّه هو ما يرتكبه من أخطاء وما يعلنه من مواقف متناقضة، كما حدث قبل أيام عندما وقف من دون أن ينتبه فوق سجّادة للصلاة خلال مشاركته في دعوة إفطار.
يقول محمد برلاص، الإعلامي المعروف والمقرّب من حزب العدالة والتنمية، إنّ انتخابات 14 أيار المقبل هي الأسهل بالنسبة لرجب طيب إردوغان وحزبه في ضوء 16 عملية انتخابية خاضاها منذ عام 2002 حتى اليوم. لكنّ من يشاطره الرأي حتى في صفوف الحزب الحاكم عددهم قليل. الدليل على ذلك هو تنسيق إردوغان مع أحزاب تركية صغيرة في إطار تحالف انتخابي قد يوفّر له ولحزبه عشرات الآلاف من الأصوات، وهو ما لم يفعله طوال عقدين من الزمن في السلطة، وأنّ برلاص نفسه هو الذي كتب قبل أيام عن ضرورة التنبّه لمحاولات إشعال الداخل التركي من قبل قوى خارجية تخسر رهانها على فوز مرشّحها في الانتخابات التركية.
يوجز رئيس تحرير صحيفة “يني شفق” الإسلامية الأسبق إبراهيم قره غول ما يقصده الرئيس التركي عندما يردّد أنّ تركيا ليست عبارة عن 780 ألف كلم مربّع و85 مليون نسمة فقط من خلال تقديم تفسيرات مقلقة حقّاً. إذ يقول قره غول إنّ المشهد بعد 14 أيار يحمل معه مرحلة مفصلية مصيرية بالنسبة لسياسات تركيا الإقليمية ولنظرة العديد من القوى إلى الموقع والدور التركيَّين بعد هذا التاريخ. يتحدّث قره غول عن خطّة أُعدّت لتركيا بعد إعلان نتيجة الانتخابات سيكون بين أهدافها إقحام أنقرة في مواجهة عسكرية مع روسيا في منطقة البحر الأسود، وتسليم المناطق الحدودية الجنوبية لعناصر حزب “العمال الكردستاني” بإشراف أميركي، وإنهاء تكتّل منظمة الجمهوريات التركية الذي تصاعد في الأعوام الأخيرة، وإشعال جبهات القوقاز من خلال تشجيع هجوم إيراني أرميني على أذربيجان، وسحب القوات التركية من سوريا وليبيا.
ربّما يبالغ قره غول في تضخيم تصوير التهديدات والمخاطر المحدقة بتركيا ومحاولات استهدافها والنيل من أمنها ومصالحها، خصوصاً من قبل الشركاء الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية. لكنّ غالبية قيادات وكوادر تحالف الجمهور الذي يقوده حزب العدالة تلتقي معه وهي تتحدث عن مواجهة مصيرية ستحدّد مسار تركيا وخياراتها ومستقبلها لسنوات طويلة.

لا ضمانات لكيليشدار
لم يتحالف محرم إينجا اليساري “المشاغب” مع حزب “الشعب الجمهوري” في الجولة الأولى من المعركة الرئاسية. وقد يكون يمنح بذلك إردوغان وحزبه فرصة ثمينة لا تعوّض. لكنّ ما يقلق إردوغان هو مسألة تراجع أصوات حليفه حزب “الحركة القومية” ورفض الحزب اقتراح توحيد التكتّل تحت سقف حزب العدالة لكسب المزيد من المقاعد الانتخابية، وارتدادات التنسيق مع حزب “هدا – بار” الإسلامي الناشط في مناطق جنوب شرق تركيا والذي تتّهمه المعارضة بكونه ذا جذور فكرية مقرّبة من حزب الله الكردي، وانعكاسات مواقف وتصريحات حليفه الإسلامي حزب “الرفاه”، خصوصاً في مسائل حقوق المرأة والقوانين التي يطالب بمراجعتها بهذا الخصوص في حال فوز تحالف الجمهور.
يعوّل حزب العدالة على وعود رفع حجم التجارة الخارجية للبلاد إلى تريليون دولار، وجذب 90 مليون سائح سينفقون 100 مليار دولار سنوياً، وعلى التعامل بجدّية مع مسألة إعادة هيكلة النظام الرئاسي استناداً إلى تجربة السنوات الخمس الماضية ووفق الاحتياجات المتغيّرة، بما يجعله أكثر إسهاماً في تحقيق أهداف العصر التركي الجديد. لكنّ قوى المعارضة لا تهدأ ولا تستسلم أيضاً. هي تريد الوصول إلى من لا يحضر وإقناع من لا يحبّها بتغيير رأيه. بين آخر وعود كيليشدار أوغلو الحرب على الفساد والغلاء والتضخّم، وإعادة قبر سليمان شاه العثماني إلى مكانه في شمال سوريا، وبيع الطائرات الموضوعة بتصرّف الرئاسة وشراء طائرات إخماد الحرائق بثمنها.
كانت نتيجة انتخابات معركة الرئاسة في عام 2018 على النحو التالي: 53 في المئة من الأصوات أيّدت إردوغان، و26 في المئة اقترعت لمحرم إينجا، و12 في المئة دعمت ميرال أكشينار مقابل 7 في المئة ساندت صلاح الدين دميرطاش. أكشينار ودميرطاش خارج المواجهة اليوم، وأصوات قواعدهم ستصبّ في مصلحة كيليشدار أوغلو. لكنّ مجموع الأصوات لن يكفي للوصول إلى نسبة 50 في المئة. قد يساعد دعم محرم إينجا في الجولة الثانية على الفوز، لكن لا ضمانات لأحد أن يكون عامل إينجا كافياً لفوز كيليشدار أوغلو.

إقرأ أيضاً: لوائح أحزاب تركيا: فوز المعارضة.. يعني انتخابات مبكرة؟

إنّها لعبة توازنات سياسية وانتخابية متحرّكة متقلّبة في كلّ يوم، وقرار المواطن قد يكون صادماً في اللحظة الأخيرة. الإجابة على كلّ هذه التساؤلات ستكون عند 64 مليون ناخب تركي، بينهم أكثر من 5 ملايين شابّ يقترعون للمرّة الأولى ويتوجّهون جميعاً إلى صناديق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يوم 14 أيار المقبل.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: profsamirsalha@

مواضيع ذات صلة

عودة “روكي”: جنون أميركا في ظلّ ترامب

كان هناك وقتٌ، في الزمان غير البعيد، حيث الانتخابات الأميركية كانت تُحكم بالمبادئ: كانت هناك برامج انتخابية، قيم، واحترام للمنصب. ثمّ جاءت سنة 2024، وقرّرت…

قوافل النّازحين… وفكرة “السّلام” المُلتبس

منذ 17 أيلول الماضي يوم شرعت إسرائيل في حربها ضدّ الحزب عبر تفجير أجهزة البيجرز والتوكي ووكي، بدأ النزوح الداخلي من جنوب لبنان وضاحية بيروت…

الكويت: تأكيد الهوية الوطنية لأهلها فقط..

على الرغم من الضجيج في المنطقة وأصداء أصوات الانتخابات الأميركية وما سبقها وتلاها، لا صوت يعلو في الكويت على صوت “تعديل التركيبة السكاّنية”، من خلال…

السّودان: إيران وروسيا تريدان قواعد عسكريّة

يغطّي غبار القصف الإسرائيلي على غزة ولبنان صور المأساة المروّعة التي تعصف بالسودان، أكبر دولة عربية من حيث المساحة. فقد اضطرّ حتى الآن خُمس السكان،…