انفجار عين الحلوة: رواية الحزب… ورواية فلسطين

مدة القراءة 5 د


من حقّ لبنان واللبنانيين القلق من انفجار الوضع الأمنيّ في مخيّم عين الحلوة بالقرب من مدينة صيدا في جنوب لبنان. الحدث ليس إشكالاً عاديّاً تطوّر إلى اشتباكات خطيرة فاضت أخطارها إلى خارج حدود المخيم. وتنفيذ “إعدام” العميد أبو أشرف العرموشي قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني مع أربعة من مرافقيه، بسلاح كمين محترف، ليس وليد ساعته، بل نتاج قرار متّخذ وينتظر التوقيت المناسب. وليس الهدف تصفية حسابات قديمة – جديدة، بل المطلوب هو الدفع باتجاه انفجار كبير كان واضحاً أنّه لن يكون سهلاً السيطرة عليه.

رواية الحزب للانفجار

وفق سيناريو الانفجار الأمنيّ الكبير كانت رواية قد أُعدّت على عجل لتفسير الحدث على الطريقة اللبنانية، أي ربطه بخيوط متعدّدة الأطراف الإقليمية والأجندات الدولية المغرضة. والرواية استعادت معلومات تمّ تداولها قبل أيام تكشف عن زيارة لبيروت قام بها اللواء ماجد فرج رئيس المخابرات العامة في السلطة الفلسطينية الأسبوع الماضي التقى خلالها مسؤولين لبنانيين وفلسطينيين، وجرى على خلفيّة هذه الزيارة نسج سيناريو نشرته صحيفة “الأخبار” القريبة من الحزب يحمّل الزائر والزيارة مسؤولية الانفجار الأمني الكبير في المخيّم الفلسطيني.

وفق سيناريو الانفجار الأمنيّ الكبير كانت رواية قد أُعدّت على عجل لتفسير الحدث على الطريقة اللبنانية، أي ربطه بخيوط متعدّدة الأطراف الإقليمية والأجندات الدولية المغرضة

قالت الصحيفة إنّ فرج جاء لبحث ترتيب وضع القيادة العسكرية والسياسية للمعسكر الفلسطيني التابع للسلطة الفلسطينية في رام الله، وضبط سلاح المخيّمات ومسألة تسليم المطلوبين للدولة اللبنانية. أضافت أنّ هدف الزيارة هو كبح جماح فصائل المقاومة داخل المخيّمات اللبنانية وإقناع بيروت، أي حكومتها، بالتضييق على حركتَيْ حماس والجهاد. ولم تخفِ الصحيفة وجود تصدّعات داخل التيار الفتحاوي الموالي للسلطة، وألمحت إلى وضع السفير الفلسطيني مع الدوائر الفلسطينية في لبنان ورام الله، كما خلافه مع الطرف اللبناني الممثّل برئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني باسل الحسن المقرّب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

تستبق الرواية أيّة تحقيقات موضوعية هادئة لسبر أغوار هذا التطوّر المفاجئ والملتبس. ويتّضح أنّ للرواية أجندة مسبقة ليست بعيدة عن أجندة الحزب وطهران من ورائه، في إدارة الشأن الفلسطيني، لا سيّما في مخيّمات لبنان. 

تقول المعلومات إنّ فرج جاء إلى لبنان على عجل وغادر على عجل ملتحقاً بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في تركيا الموجود هناك لعقد اجتماع مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية برعاية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وفق هذه العجلة كان من الصعب معرفة ما دار بين الرجل وأجهزة الأمن اللبنانية والأطراف الفلسطينية التي وُفّق بلقائها.

في غياب رواية رسمية تصدر عن رام الله بشأن مهمّة فرج ومضمونها وأهدافها ومآلاتها، فإنّه يجوز تداول كمّ من المعلومات وتصديق بعض ما يُسرّب بشأنها. وفي غياب الرواية الرسمية فإنّ “سيناريو فرج” وفق ما يجري تداوله وربّما تصديقه لدى القيادات الفتحاوية العليا والوسطى في لبنان. 

مع ذلك فإنّ تلك الروايات لا توفّر تفسيراً منطقياً لانفجار عين الحلوة الأمنيّ المتشابك الظروف والسياقات لجهة علاقته بمهمّة الساعات التي قضاها المسؤول الأمنيّ الفلسطيني في لبنان، إضافة إلى  قدرات فرج الأسطورية في التآمر على “المقاومة”، خلال ساعات زيارته اللبنانية، وما يسوقه ذلك من انفجار، فيما الرئيس الفلسطيني يجمع قادة الفصائل الفلسطينية في مدينة العلمين شمالي مصر.

تستبق الرواية أيّة تحقيقات موضوعية هادئة لسبر أغوار هذا التطوّر المفاجئ والملتبس. ويتّضح أنّ للرواية أجندة مسبقة ليست بعيدة عن أجندة الحزب وطهران من ورائه، في إدارة الشأن الفلسطيني، لا سيّما في مخيّمات لبنان

الجيش اللبنانيّ طلب الزيارة؟

تقول بعض المعلومات الخاصة بـ”أساس” إنّ فرج ليس مَن طلب زيارة لبنان للقاء المسؤولين في بيروت، ومنهم الأمنيون، بل إنّ مخابرات الجيش اللبناني هي التي وجّهت الدعوة للمسؤول الفلسطيني قبل مدّة لمناقشة بعض الأمور، وإنّه لبّى هذه الدعوة. وربّما هنا مطلوب من لبنان وأجهزته ومن الجيش ومخابراته توضيح الحيثيّات التي تقف وراء توجيه تلك الدعوة وسرّ توقيتها وما جرى في لقاء المسؤول الأمني الفلسطيني بنظرائه في لبنان.

تستغرب مصادرُ فلسطينيةٌ مراقبةٌ التسويقَ لخبر قيام فرج بتحريض السلطات اللبنانية على سلاح المخيّمات ومطالبته بالتضييق على حركتَيْ حماس والجهاد، وهو الذي يعرف، كما يعرف القاصي والداني، ما أصاب الدولة في لبنان من انهيار وعجز عن التحكّم بالسلاح المتفلّت اللبناني قبل أن تفكّر أساساً بالسلاح الفلسطيني أو بالتضييق على فصائل متحالفة مع الحزب وتحظى برعايته. وكان الرئيس عباس جاهر قبل سنوات بالطلب من السلطات اللبنانية بنزع سلاح المخيّمات وجعلها خاضعة لها، غير أنّ حكومات بيروت في ظلّ “ثلاثيّة الجيش والشعب والمقاومة” وعلاقة سلاح الحزب بالسلاح الفلسطيني، لم تكن مسألة سلاح المخيّمات في أجنداتها.

ليست واضحة حتى الآن حسابات ما حصل في عين الحلوة. وقد بدا أنّ الانفجار الأمنيّ فاجأ الجميع فتشكّك رئيس الحكومة اللبنانية في توقيته، وأدانته الرئاسة الفلسطينية لِما يمثّل من تهديد للأمن في لبنان. وما صدر رسمياً عن اجتماع السفير الفلسطيني أشرف دبور وأمين سرّ فصائل منظمة التحرير الفلسطينية فتحي أبو العردات ورئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني باسل الحسن هو محاولة لتدوير الزوايا واحتواء الموقف بلغة “التعاون” واستنكار “العبث” بأمن المخيّمات وتحميل “زُمر الفتنة” العبث بالأخوّة اللبنانية الفلسطينية.

إقرأ أيضاً: ماذا تفعل حماس في بيروت ودمشق؟

خلا البيان من الإشارة إلى وجود مؤامرة على “المقاومة”. لكنّ واضعيه تعجّلوا في إظهار ارتباك وعجز عن السعي إلى وأد النار في عين الحلوة، فتأجّجت روايات بشأن أيادٍ خارجية بعيدة تعبث بأكبر مخيّمات الفلسطينيين في لبنان.

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…