طهران عطشى مع حرّ شديد: طالبان هي المتهمة؟

مدة القراءة 7 د


بلغت درجة الحرارة في إيران، منتصف تموز الحالي، رقماً قياسياً تخطّى 66 درجة مئوية، وهي تلامس الحدود التي يصعب فيها بقاء الإنسان على قيد الحياة. ويقول تقرير صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إنّ أكثر من ألف شخص خضع للعلاج الطبّي في وقت سابق من هذا الشهر، بعدما اجتاحت العواصف الترابية جنوب شرق البلاد الذي يعاني من نقص المياه. وينشر الناس، سواء أكانوا من طهران أو من الأرياف، مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يشكون فيها من قضاء أيام الحرّ من دون مياه جارية.
يُعتبر نقص المياه في إيران مشكلة طويلة الأمد، وجزء كبير منها، كما يقول الخبراء، عقود من سوء الإدارة، لكنّها أصبحت الآن أكثر حدّة مع تسارع تغيّر المناخ، وهي محرّك للاستياء الشعبي بازدياد، وهو ما أدّى إلى اندلاع الاحتجاجات والمواجهات في السنوات الأخيرة.
خلال زيارته لخوزستان التي تعاني من الجفاف، وهي مركز متكرّر للاضطرابات، حذّر قائد الحرس الثوري من انتشار التظاهرات. وطالب مسؤولون محليون في مقاطعة جولستان الشمالية الشرقية بتزويدهم بصهاريج مياه لتجنّب الاحتجاجات. فالحكومة لا تستطيع تحمّل المزيد من التهديدات لسلطتها في أعقاب حملتها الصارمة على الاحتجاجات التي انطلقت العام الماضي عقب وفاة مهسا أميني، في مركز شرطة الأخلاق، وهي شابّة كردية تبلغ من العمر 22 عاماً.
في رسائلهم العامّة، سعى قادة إيران إلى إلقاء اللوم على طالبان، التي تحكم أفغانستان المجاورة، بسبب تقييد تدفّق المياه إلى نهر هلمند. وألقى المسؤولون المسؤولية على الفيضانات والصخور المتساقطة، في تعطيل عمل السدود حول طهران، وعلى المواطنين العاديين لاستهلاكهم للماء والكهرباء. لكنّ هذه التفسيرات تركت الكثير من الإيرانيين غير راضين.

سعى قادة إيران إلى إلقاء اللوم على طالبان، التي تحكم أفغانستان المجاورة، بسبب تقييد تدفّق المياه إلى نهر هلمند

يقول كاوه مدني، مدير مركز أبحاث المياه التابع للأمم المتحدة، الذي استقال من منصب نائب رئيس إدارة البيئة الإيرانية، وغادر البلاد في عام 2018، عقب اتّهامه بالتجسّس خدمة للغرب: إنّ السلطات الإيرانية حاولت على مدى عقود إرضاء المطالب الفورية للقطاع الزراعي، وهو حجر الأساس للدعم السياسي، من خلال بناء عشرات السدود التي تحوّل مجرى التدفّق الطبيعي للأنهر، وتُخزّن المياه.
للسياسات أثرها، كما يقول مدني. الزراعة تستنزف المياه السطحية، في الأنهار والبحيرات والأراضي الرطبة والخزّانات. لكنّ الأكثر إثارة للقلق هو استنفاد احتياطيات المياه الجوفية، العميقة تحت السطح والبطيئة التجدّد. ولذا أُصيبت بـ”الإفلاس”. ويقول الخبراء إنّ الضرر لا يمكن إصلاحه.
قال مسؤول بيئي سابق في سيستان وبلوشستان، وهي منطقة تعاني من ضغوط مائية شديدة، وتقع على الحدود مع أفغانستان، إنّ قادة إيران “يبحثون عن شيء يخبرون به الناس، لتبرير إهمالهم طوال السنين الفائتة”. ونقص المياه “يُظهر لهم مدى عدم كفايتهم”.

صنابير جافّة في طهران
واجه سكان العاصمة الإيرانية المترامية الأطراف محنة غير مألوفة الشهر الماضي، حيث اصطفّوا في طوابير لملء صفائح الماء وحملها بعد توقّف المياه عن التدفّق إلى الصنابير في أجزاء من المدينة.
رفض محسن أردكاني، الرئيس التنفيذي لشركة المياه والصرف الصحّي في محافظة طهران، وهي مرفق عامّ، تقارير عن نقص المياه. وقال لوسائل إعلام تابعة للدولة إنّ بعض المناطق تواجه “تقلّبات مائية”. لكنّ بعض سكّان طهران وكرج المجاورة ما زالوا يفتقرون إلى المياه الجارية، بحسب التقارير المنشورة على الإنترنت.
“ما يخيفني هو أنّه إذا نفد الماء الآن، فما الذي سيحدث لأطفالنا غداً؟”، بحسب تعبير رجل من طهران يبلغ من العمر 35 عاماً ويمتلك شركة تكنولوجيا. أزمة المياه جعلته يسأل نفسه عمّا إذا كان يريد الزواج وتربية الأطفال في وطنه. ولم تردّ وزارة البيئة الإيرانية على طلب الصحيفة للتعليق على هذه التصريحات، علماً أنّ “واشنطن بوست” غير مسموح لها العمل في إيران.

اختفاء المياه الجوفيّة
توصّل بحث إلى أنّ إيران، التي تتميّز بتضاريس متنوّعة، من الصحارى إلى الجبال المغطّاة بالجليد، تقع في منطقة من بين أكثر المناطق عرضة لتغيّر المناخ. والآثار بعيدة المدى بالفعل. ومع ارتفاع متوسّط ??درجات الحرارة، يشتدّ الطقس المتطرّف مثل العواصف الترابية والفيضانات. أصبح التصحّر، وانخساف الأرض، والتربة المالحة أكثر انتشاراً.
قال مدني إنّه بينما يؤدّي تغيّر المناخ إلى “صبّ الزيت على النار”، فإنّ “المنزل قد اشتعلت فيه النيران بالفعل”.

واجه سكان العاصمة الإيرانية المترامية الأطراف محنة غير مألوفة الشهر الماضي، حيث اصطفّوا في طوابير لملء صفائح الماء وحملها بعد توقّف المياه عن التدفّق إلى الصنابير في أجزاء من المدينة

بإزاء عقود من العقوبات الأميركية والعلاقات العدائية مع الغرب، دعمت طهران الزراعة لتأمين الغذاء والوظائف. قال سوروش سوروشيان، مدير مركز الأرصاد الجوية المائية والاستشعار عن بعد في جامعة كاليفورنيا في إيرفين، إنّ القطاع يستهلك حوالي 90% من المياه المتاحة. مع مرور السنين، يجب حفر الآبار بشكل أعمق.
حتى بعد عام ممطر نسبياً، فإنّ الخزّانات الأكثر حيوية لمياه الشرب والريّ هي خالية بنسبة تزيد على 80%، حسبما قالت شركة إدارة الموارد المائية الإيرانية الرسمية لمنافذ إخبارية تابعة للدولة هذا الشهر.
لفت مدني إلى أنّ السلطات ما تزال مصرّة على بناء المزيد من السدود وإعادة توجيه المياه لمعالجة النقص على المدى القصير. وقال بعد سنوات من التدهور: “لا يمكنك استعادة البحيرات والأراضي الرطبة في أيّ وقت تقرّره. ولا يمكنك استعادة مستوى المياه الجوفية متى قرّرت ذلك، أو منع العواصف الرملية والترابية بشكل كامل، ووقف زوال الغابات، وكلّ ما يحدث من تدمير للتنوّع البيولوجي.”

توتّرات طالبان
في شهر أيار الماضي، وجّهت طهران غضبها إلى طالبان، متّهمة إيّاها بانتهاك معاهدة المياه لعام 1973 من خلال تقييد التدفّق من نهر هلمند من أفغانستان إلى إيران. من جهتها، تعلّلت طالبان بالانخفاض العامّ في النهر الذي يعاني بدوره من الجفاف. ووصلت التوتّرات إلى أعلى مستوياتها بعد مقتل اثنين من حرس الحدود الإيرانيين وجندي أفغاني في اشتباك على طول الحدود في ذلك الشهر. بعد أيام من الحادثة، سافر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى المنطقة لمناصرة “حقوق المياه للإيرانيين”.
وقع القتال على طول حدود إقليم سيستان وبلوشستان، وعاصمتهما زاهدان، وهو الذي أضحى واحداً من آخر المعاقل للاحتجاجات المناهضة للحكومة منذ أن قمعت السلطات الإيرانية بعنف العام الماضي حركة “المرأة، الحياة، الحرّية”. وخلال أشهر من الاحتجاجات، قتلت قوات الأمن الإيرانية أكثر من 500 شخص، وأعدمت ما لا يقلّ عن سبعة على صلة بالاحتجاجات، وفقاً لوكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان التي تركّز اهتمامها على إيران.

إقرأ أيضاً: الجفاف يهدّد إيران: لا أحد يشرب

قال الخبراء إنّ النهر ليس سوى جزء واحد من القصّة. وقال المسؤول السابق في سيستان وبلوشستان إنّ طالبان كانت كبش فداء مفيداً لطهران. وأضاف: “لنفترض أنّ طالبان أعطت إيران نصيبها من المياه”. لكنّ أزمة المياه ستبقى بعيدة عن الحلّ.

ظلال الاضطراب
تعدّ بعض المقاطعات الأكثر تعرّضاً للعطش، مثل خوزستان، إلى جانب سيستان وبلوشستان، موطناً تاريخياً لكثير من المسلمين السُّنّة في إيران ذات الأغلبية الشيعية. قال المسؤول إنّ نقص المياه يؤدّي إلى تفاقم الفقر في هذه المجتمعات المهمّشة، ويدفع إلى الهجرة منها.
أكّدت امرأة من مقاطعة خوزستان تبلغ من العمر 33 عاماً: “نواجه انقطاعاً مستمرّاً في المياه يمنعنا من إدارة أنشطتنا اليومية. وعندما نطلب المساعدة من السلطات، فإنّ جوابهم الثابت هو أنّ علينا استخدام كميّة أقلّ من المياه”.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

لمتابعة الكاتب على تويتر: HishamAlaywan64@

مواضيع ذات صلة

جيروزاليم بوست: جنوب لبنان وصيدا وصور… أراضٍ يهودية

“جنوب لبنان من وجهة نظر تاريخية، هو في الواقع شمال إسرائيل.. وجذور الشعب اليهودي في هذه المنطقة عميقة”. هذا ما يدّعيه نائب مدير الاتّصالات في…

تريليون دولار لعمالقة “وول ستريت”.. بين الرّياض وأبو ظبي

بعدما كان من بين الشخصيات الرئيسية في المؤتمر السنوي لـ”مبادرة مستقبل الاستثمار” في نسخته الثامنة الذي عقد في الرياض في 29 تشرين الأول الفائت، ظهر…

فريدمان لترامب: كانت المرة الأولى أكثر سهولة

العالم هو دائماً أكثر تعقيداً مما يبدو خلال الحملات الانتخابية، وهو اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.. وإذا كان قد تمّ تجاوز الكثير من…

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…