تتوسّع دائرة الخيارات المتاحة والمحتملة كلّما ضاقت المسافة الزمنية الفاصلة عن استحقاق إحالة قائد الجيش العماد جوزف عون إلى التقاعد.
يتمّ التداول في الصالونات السياسية بأكثر من سيناريو قاسمها المشترك الوحيد هو التسليم بصعوبة انتخاب رئيس للجمهورية قبل العاشر من كانون الثاني المقبل تاريخ مغادرة عون اليرزة واستحالة إقرار تعيين قائد جيش بالأصالة ربطاً بعجز حكومة تصريف الأعمال عن تنفيذ مهمّة كهذه.
آخر المخارج المقترحة إجراء تعديل في قانون الدفاع ما يتيح بقاء قائد الجيش في موقعه لسنتين إضافيّتين (حتى 62 عاماً)، لكن من ضمن اقتراح قانون أشمل يستفيد منه الضبّاط والرتباء والافراد في السلك العسكري وتكون مدّة تطبيقه ثلاث سنوات، وبالتالي يكون “التمديد” مقنّعاً لا يشبه آليّة التمديد الصريح الذي أبقى قائد الجيش السابق إميل لحّود في موقعه عبر تعديل طاله بمفرده وتزامن مع تمديد ولاية رئيس الجمهورية الأسبق الياس الهراوي.
تقدّم بالاقتراح إلى الأمانة العامّة لمجلس النواب في آب الماضي نائب الحزب الاشتراكي بلال عبدالله، وحتى اللحظة لم يُدرج على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي ما تزال في علم الغيب تحت سقف المقاطعة المسيحية لجلسات التشريع. كما تقدّم عبدالله في الوقت نفسه باقتراح قانون لتعديل نظام الموظّفين (المادة 68 من المرسوم الاشتراعي 112) والذي يتيح التمديد أربع سنوات لموظفي الفئة الاولى والثانية.
يقول عبدالله لـ “أساس”: الاقتراحان قدّما بصيغة مُحدّثة عن اقتراح سابق قدّمته، وغايته تفادي الفراغ الكبير في الأسلاك الأمنيّة والعسكرية والإدارة العامّة، أي السلك المدني
قانون جوزف عون… بعد قانون عبّاس إبراهيم؟
على الرغم من الربط البديهي بين مضمون القانون والتمديد لقائد الجيش إلّا أنّ مقدِّم الاقتراح نائب الحزب الاشتراكي ينفي ذلك.
يقول عبدالله لـ “أساس”: “الاقتراحان قدّما بصيغة مُحدّثة عن اقتراح سابق قدّمته، وغايته تفادي الفراغ الكبير في الأسلاك الأمنيّة والعسكرية والإدارة العامّة، أي السلك المدني”، مشدّداً على أنّ “القانون غير مفصّل على قياس أحد كما يفسّر البعض. فإدارات الدولة تفرغ شيئاً فشيئاً، ومعظمها بالتكليف، فضلاً عن الشغور في المؤسّسات الأمنية في ظلّ قرار عدم التطويع، وسوء الأوضاع الاجتماعية وثقل الالتزامات الملقاة على عاتق العسكر والضباط”.
ردّاً على إقرار مجلس الوزراء في جلسة 17 آب الماضي تطويع ضباط في الأسلاك الأمنيّة والعسكرية يقول عبدالله: “هذا صحيح. لكن كم سيكون عدد الذين سيتمّ تطويعهم؟ وما هي قدرة تحمّل الميزانية العامّة؟ وما هو مستوى الفراغ الحقيقي في المؤسّسات؟ بمطلق الأحوال لا أريد الدخول في التفاصيل العسكرية، بل أتطلّع إلى هذا القانون من منظاره الاجتماعي حفاظاً على استمرارية المؤسّسات”.
ينفي عبدالله أيّ صفة شخصانية-مصلحيّة للقانون، “ففي المرّة السابقة رُبِط الأمر بالتمديد للّواء عباس إبراهيم، واليوم يتمّ ربطه بالتمديد لقائد الجيش، فيما القانون شمولي وهدفه اجتماعي. نحن لا نقدّم اقتراحات قوانين في اللقاء الديمقراطي على قياس أشخاص. أنا من منطقة إقليم الخرّوب الملتزمة بالدولة، و”كيف ما مشيتي في موظّفين مدنيين وعسكريين من “أبناء الدولة” وألمس معاناتهم”. الخلفية اجتماعية فقط ولا خلفية سياسية أو شخصية بالموضوع. ومن يستفيد منه صحتين على قلبه”.
يوضح عبدالله أنّ “القانون اختياري لا إلزامي، ومن يريد يستطيع الاستفادة منه في قطاع الإدارة العامّة والأسلاك العسكرية”.
لا جلسة تشريعيّة قريبة
في الوقائع، لا جلسة تشريعية قريبة، وقانون تعديل قانون الدفاع في حال إقراره معرّض للطعن أمام المجلس الدستوري لأكثر من اعتبار، خصوصاً لجهة مدّة تطبيقه المحدّدة بثلاث سنوات التي ستفرز العسكر والمدنيين بين أقلّية محظيّة تستفيد منه وأكثرية سيلحقها الظلم والغبن.
يتحدّث ضبّاط صراحةً عن “غبن سيلحق بهم في حال شمول القانون فئة محدّدة من الضبّاط، وهم عملياً من يفصل عن موعد إحالتهم إلى التقاعد ثلاث سنوات، وسيؤدّي إلى خلل في التراتبية وتقدّم ضباط على آخرين بفعل التمديد بقانون وليس بفعل سنوات الخدمة العسكرية الطبيعية”.
في حال رسا القرار السياسي على تعديل قانون الدفاع يقول مصدر مطّلع إنّ “أكثريّة حضور جلسة مجلس النواب قد تُوفَّر، كما أكثرية التصويت عليه، على الرغم من الاعتراض المسيحي الواسع على جلسات التشريع
لكنّ النائب عبدالله يؤكّد أنّ “القانون قد تلحقه تعديلات، ومنها أن يكون مفتوحاً وغير محدّد بمدّة زمنية”.
وعلم “أساس” أن تعديل نظام الموظفين الذي قدّمه عبدالله ينصّ على الآتي: “يحال حكماً على التقاعد أو يُصرف من الخدمة كل موظّف في الإدارات العامة والمؤسّسات العامة، أكمل السادسة والستين من عمره اذا كان من موظفي إحدى الفئتين الخامسة أو الرابعة، وكل موظف أكمل الثامنة والستين من عمره إذا كان من موظفي الفئة الأولى أو الثانية أوالثالثة”. كما يحق للموظف أن يطلب إحالته إلى التقاعد عند بلوغه الـ 64 كون القانون اختياري.
المستفيدون
في حال رسا القرار السياسي على تعديل قانون الدفاع يقول مصدر مطّلع إنّ “أكثريّة حضور جلسة مجلس النواب قد تُوفَّر، كما أكثرية التصويت عليه، على الرغم من الاعتراض المسيحي الواسع على جلسات التشريع. فباسيل سيعارض حتماً من زاوية رفض التمديد لقائد الجيش، وباقي القوى المسيحية تعارض التشريع أصلاً، لكنّ الغطاء الشيعي والسنّي والدرزي متوفّر، إضافة إلى أصوات نواب مسيحيين، هذا إذا كان هناك قرار بإيجاد فتوى تُبقي عون في موقعه ما دام لا يوجد رئيس أركان يحلّ مكانه، وإذا كان الحزب تحديداً يرغب ببقاء قائد الجيش ضمن دائرة المرشّحين للرئاسة بعد فشل معركته بالتمديد للواء ابراهيم”.
فعليّاً يستفيد من إقرار قانون التمديد مديرون عامّون كبار في القطاع العامّ، ضبّاط كبار أمثال قائد الجيش، المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، نائب المدير العامّ لأمن الدولة العميد حسن شقير، رئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمود، ضبّاط المجلس العسكري ومجلس القيادة، وكبار الضبّاط في كلّ الأسلاك….
لكنّ ثمّة فريقاً آخر يرى أنّ “المعركة التي خسرها اللواء عباس إبراهيم، ومعه “معسكر” من الضباط والمدنيين المشمولين بنعمة القانون، لن يربحها على الأرجح العماد جوزف عون مع الفئة المستفيدة من القانون. صحيح أنّ الخلفية السياسية بين معركتَي عباس إبراهيم وجوزف عون مختلفة، لكنّ إقرار قانون تمديد اختياري يستفيد منه كبار الموظفين من مدنيين وعسكر لن يكون ممكناً في الوقت الذي يرصد فيه المجتمع الدولي عجزاً فاضحاً لدى مجلس النواب في إقرار القوانين الإصلاحية “الأبدى” من قوانين التمديد حتى في ظلّ الشغور الكبير. وتتحدّث تسريبات عن قرار كبير قد يكون اتُّخذ سلفاً بإحالة قائد الجيش إلى التقاعد في موعده القانوني أسوة بكبار الموظفين الكبار الذين سبقوه”.
إقرأ أيضاً: لودريان “يعوّم” فرنسا… والراعي “يُعوّم” فرنجيّة؟!
يشير هؤلاء أيضاً إلى “رفض وزير الدفاع موريس سليم الحاسم توقيع قرار تأجيل تسريح قائد الجيش من الخدمة وفقاً لقانون الدفاع، واستحالة إقرار قانون يمدّد لقائد الجيش لشخصه فقط، إذ سيتعرّض حتماً للطعن أمام المجلس الدستوري”.
تأخّرواً كثيراً على العرم
يرى النائب عبدالله أنّ “قانون الدفاع لا يحتاج إلى التعديل من أجل التمديد لقائد الجيش. للأسف انتظرنا، من ضمن قانون الدفاع، تأجيل تسريح رئيس الأركان أمين العرم لتجنّب واقع صعوبة قيام قائد الجيش بمهامّه من دون وجود رئيس أركان ينوب عنه عند سفره أو غيابه أو في حالة المرض، لكنّ الرفض أتى يومها من وزير الدفاع”، مشيراً إلى أنّ “موقفنا هو ضدّ الفراغ في المؤسّسات، لذلك كان يُفترض السير بالتمديد لرئيس الأركان تجنّباً لشغور قد يطال أيضاً قيادة الجيش، وفعليّاً تأخّروا كثيراً في استدعاء اللواء العرم من الاحتياط”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@