التشدد في إيران يعود بقوة: هدوء يسبق العاصفة؟

2023-08-24

التشدد في إيران يعود بقوة: هدوء يسبق العاصفة؟


تؤدّي عودة موجة التشدّد وما يرافقها من عمليّات “تطهير” سياسية للمنافسين في ظلّ نظام سياسي منقسم أصلاً إلى إنتاج جهاز حاكم يفتقر إلى الوسائل اللازمة لإدارة صراعات النخبة، وقد يكون أكثر مركزية لكن أكثر عرضة للخطر. هذا ما توقّعه انييل برومبيرغ الباحث في المركز العربي بواشنطن العاصمة، ومدير دراسات الديمقراطية والحكم في جامعة جورج تاون، مشيراً إلى أنّ ما يجري في إيران اليوم من صراع داخل النخبة الحاكمة هو الأكثر أهميّة، وأنّ عملية تطهير سياسي واسعة النطاق ستثير المزيد من صراعات النخبة. وشرح كيف أنّ القادة الإيرانيين انخرطوا في جهود علنية للحدّ من التوتّرات مع جيرانهم في الخليج، وتحقيق الانفراج مع دول المنطقة، ومحاولة التوصّل إلى نوع من الاتفاق الضمني مع الولايات المتحدة بشأن القضية النووية، وذلك بهدف تجنّب المخاطر التي تنطوي عليها داخلياً عملية “التطهير” السياسي هذه وتعقِّد سعيهم إلى السلطة من دون منازع. فهم يريدون الاستفادة من مثل هذه المهلة الدبلوماسية لتعزيز استيلائهم على السلطة وتوفير المزيد من الحماية لبرنامج التخصيب الخاصّ بهم من أيّ هجوم أميركي أو إسرائيلي.
حذّر الباحث برومبيرغ من أنّ استراتيجية “المقاومة” العالمية الطموحة التي يدافع عنها القادة الأمنيون الذين يبسطون قبضتهم الآن على السلطة “محفوفة بالمخاطر”. إذ إنّ نجاحها يعتمد على افتراض أنّ توسيع العلاقات الدبلوماسية سيوفّر مظلّة موثوقة لدعم مبيعات إيران من النفط مع تعزيز قدرتها على ردع أيّ هجوم أميركي أو إسرائيلي على منشآتها النووية.. ولكن مع تراجع احتمالات التوصّل إلى تسوية مؤقّتة بين إيران والولايات المتحدة بشأن القضية النووية، فقد تنزلق إيران والولايات المتحدة إلى ذلك النوع من المواجهة العسكرية التي لا يريدها أيّ من اللاعبين الرئيسيين في المنطقة. والمشكلة هي أنّه لا توجد خطة بديلة.

حذّر الباحث برومبيرغ من أنّ استراتيجية “المقاومة” العالمية الطموحة التي يدافع عنها القادة الأمنيون الذين يبسطون قبضتهم الآن على السلطة “محفوفة بالمخاطر”

سقوط شمخاني وصعود “المؤمنين الحقيقيّين”
في ما يتعلّق بالتطهير السياسي الداخلي، اعتبر برومبيرغ أنّ قرار المرشد الأعلى في 22 أيار الماضي إقالة الرئيس السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني واستبداله بعلي أكبر أحمديان، من نادي المتشدّدين الأمنيّين، يُظهر تقلّبات السلطة. فقد كان شمخاني، وهو أعلى مسؤول أمنيّ من أصل عربي في تاريخ الجمهورية الإسلامية، يتمتّع بخبرة كرجل براغماتي صارم قادر على التعامل مع الإصلاحيين والمحافظين والمتشدّدين، وكان له دور رئيسي في تشكيل علاقات إيران مع العراق ودول الخليج العربية الأخرى وفي تمهيد الطريق للاتفاق الذي توسّطت فيه الصين لتجديد العلاقات الإيرانية السعودية. وربّما يكون ذلك هو الدافع لإقالته، فهو من خلال لعبه هذا الدور نجح في وضع سياسة لخفض التصعيد الإقليمي تخدم الأولويّات السياسية المحلّية لخامنئي على المدى الطويل، وعلى رأسها ترسيخ قوّة فصيل متشدّد دائم الحذر من أمثاله.
أشار برومبيرغ إلى توسّع نفوذ هذا الفصيل خلال العامين الماضيين فشمل عدداً لا يحصى من المؤسّسات العامة المرتبطة بالأمن، مثل المجلس الأعلى للثورة الثقافية، والمجلس الأعلى للفضاء السيبراني، ومجلس الأمن القومي، الذي يرأسه أحمديان الآن، وارتباط حلفائه بشكل وثيق بجبهة المقاومة الإيرانية، التي تهيمن على البرلمان وتحظى بتمثيل جيّد في السلطة القضائية. ورأى أنّ مهمة هؤلاء القادة هي تمهيد الطريق للانتخابات البرلمانية لعام 2024، ولمجلس الخبراء، وهو الهيئة التي ستقرّر من سيكون المرشد الأعلى المقبل عند وفاة خامنئي، الذي يبلغ من العمر الآن 84 عاماً، وأنّه بالنظر إلى الخلفيّة الأوسع لهذه الديناميكيات السياسية، يبدو تعيين أحمديان رئيساً للمجلس الأعلى للأمن القومي منطقياً تماماً. فقد كان ضابطاً أمنيّاً وعسكرياً في الحرس الثوري الإيراني، ويُعتبر “من أنصار خامنئي الأصولي”، ومؤمناً حقيقياً، وجزءاً من فريق متوسّع من أنصار خامنئي المطلقين الذين يمكن الاعتماد عليهم في الامتثال لخطّ المرشد الأعلى المتصلّب.
اعتبر برومبيرغ أنّ قمع المتشدّدين لحركة “المرأة، الحياة، الحرّية” كشف عن تصدّعات داخل النخبة الحاكمة والمؤسّسة الأمنية مصدرها الانقسام بين من يرى وجوب سحق المتظاهرين ومن يؤيّد استيعابهم بطريقة أو بأخرى. ومن المحتّم أن تتجدّد مثل هذه الحركة وأن تعود معها الخلافات إلى الظهور مفسحةً المجال أمام الاقتتال الداخلي.

اعتبر برومبيرغ أنّ قمع المتشدّدين لحركة “المرأة، الحياة، الحرّية” كشف عن تصدّعات داخل النخبة الحاكمة والمؤسّسة الأمنية مصدرها الانقسام بين من يرى وجوب سحق المتظاهرين ومن يؤيّد استيعابهم بطريقة أو بأخرى

السياسة النوويّة والانفراجات الهشّة
استبعد برومبيرغ، الذي عمل مستشاراً لوزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية حيث ركّز على حقوق الإنسان وإصلاح قطاع الأمن وقضايا الحكم في العالم العربي، أن يحرص هؤلاء “المؤمنون الحقيقيون” على التوصّل إلى صفقة أميركية إيرانية، ولو مؤقّتة، فهم دعموا توسيع برنامج التخصيب الإيراني، وبرنامج الصواريخ الباليستية الموسّع الآن الذي يتضمّن صاروخاً تفوق سرعته سرعة الصوت ويبلغ مداه 1,400 كيلومتر ويطير بسرعة خمسة أضعاف سرعة الصوت. وتشكّل المواجهة مع واشنطن بالنسبة لهم جزءاً لا يتجزّأ من صراع عالمي ضدّ هيمنة الولايات المتحدة يجب أن تساعد إيران في قيادته.
في رأي برومبيرغ أنّ “قدراً ما من الانفراج (أو على الأقلّ تجنّب الصراع) لا يصبّ في مصلحة إيران فحسب، بل وفي مصلحة الولايات المتحدة، وربّما إسرائيل أيضاً. ولكنّ الوضع الراهن على الجبهات الداخلية والإقليمية والعالمية ما يزال هشّاً لأنّه يعتمد إلى حدّ كبير على التفاهم غير المباشر بين الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي”.
أضاف: “قد تحتفل الحكومة الإسرائيلية الحالية المحاصَرة بنهاية الدبلوماسية النووية بين الولايات المتحدة وإيران، بل وقد يكون نتانياهو على استعداد للتسامح مع ترتيب مؤقّت يكون بديلاً للتصعيد العسكري مع إيران. ولكن في نهاية المطاف يواجه المسؤولون الأمنيون والسياسيون الإسرائيليون نفس الكابوس، وهو أنّ إيران قد تستفيد من فترة راحة دبلوماسية للتعجيل ببناء منشآت تحت الأرض لا يمكن الوصول إليها حتى بواسطة الصواريخ الأميركية الأكثر تدميراً”.

إقرأ أيضاً: خامنئي اليساريّ وفوضى خلافته

بين نصائح بعض المحلّلين أنّه “سيكون من الأفضل للولايات المتحدة، ولإسرائيل، السماح لإيران بتحقيق معدّل تخصيب بنسبة 90 في المئة بدلاً من تقديم أيّ تنازلات بشأن العقوبات التي تفرضها عليها ستجلب لطهران أموالاً جديدة”، فيما يرفض معارضو الاتفاق النووي أيّ تسوية من شأنها أن تسمح لإيران بمواصلة التخصيب على أيّ مستوى وإصرارهم على أنّ الحلّ الوحيد القابل للتطبيق هو أن تدمّر الولايات المتحدة المنشآت النووية الإيرانية. لذا رأى برومبيرغ أنّه في غياب بديل مقنع قد تكون المماطلة هي الخيار الأفضل للولايات المتحدة وإيران، وحتى إسرائيل، إذ يأمل زعماء الدول الثلاث تحقيق بعض الهدوء النسبي قبل أن تجتاح عاصفة محتملة منطقة الشرق الأوسط.

مواضيع ذات صلة

مسؤول أمنيّ: إسرائيل تحتاج إلى حوار وطنيّ.. بلا نتنياهو

الحرب الشاملة بين إسرائيل والحزب بعيدة كلّ البعد عن أن تكون حتمية لأنّ الولايات المتحدة ستبذل كلّ جهد ممكن لمنعها وفقاً للدبلوماسي والمسؤول الإسرائيلي الأمني…

مفاوض إسرائيليّ: نتنياهو لن يقبل بصفقة تنهي الحرب

بالنسبة للمفاوض الإسرائيلي السابق غيرشون باسكين، فإنّ بنيامين نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب في غزة. وحركة حماس لن توقّع اتفاقاً لا ينهي الحرب. ويعتبر باسكين…

أميركا خائفة من 11 أيلول جديد

تحلّ الذكرى الـ23 لهجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة الأميركية عام 2001 لتعيد تذكيرنا بما شكّلته من نقطة تحوّل في الأمن العالمي وفي النهج الأميركي…

تقرير استخباريّ أميركيّ: الضفة الغربية نحو انتفاضة ثالثة؟

حذّر تقرير استخباريّ أميركي من أن تؤدّي العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية في الأشهر المقبلة إلى اندلاع انتفاضة ثالثة خطيرة…