فرنجيّة في خطابه الثاني للمسيحيّين: لا تكرّروا تجربة الـ90

مدة القراءة 6 د

هو لقاء رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الثاني مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي يخرج منه فرنجية مقدّماً قراءته على طريق قصر بعبدا. ولكنّ كلامه هذه المرّة بدا حمّالاً لرسائل أكثر، رسائل للمملكة العربية السعودية وللقوى المسيحية المعارضة لرئاسته على حدّ سواء. لذلك لا بدّ بهدوء من قراءة الرسائل ومدى ملاءمتها لواقع الحال وواقع المواقف الواضحة وضوح الشمس. وربّما أهمّ الرسائل عبرت الإقليم ليقول فيها فرنجيّة للمسيحيين: احذروا من رياح التسوية الآتية. كونوا مشاركين فيها لا معارضين فيتمّ إخراجكم كما سبق أن خرجتم في التسعين.
هل أصاب فرنجيّة بمقاربته هذه؟
حتماً ستجيب الأيام المقبلة على هذه الفرضيّة. بالانتظار لا بدّ من قراءة خطابه من الصرح ربطاً بمواقف القوى المختلفة وأحداث المنطقة.

رسالة فرنجيّة إلى السعوديّة
مناقشة الاستراتيجية الدفاعية، الالتزام بصندوق النقد، عودة النازحين السوريين، نسج علاقات جيّدة مع المحيط العربي، وتحديداً مع المملكة العربية السعودية، هي عناوين قدّمها فرنجية على أنّها مقاربته الرئاسية في حال دخل قصر بعبدا. واللافت هنا أنّ فرنجيّة متريّث جدّاً في خطوة إعلان ترشُّحه، بل يستعيض عنها بأنّه “مطروح” للرئاسة ولديه مقاربته لذلك. مصادر دبلوماسية تعلّق قائلةً إنّ ما أعلنه فرنجية كان سبق أن طلب منه الفرنسيون أن يتعهّد به علناً، وها هو قد اختار أن يفعل ذلك من صرح بكركي قبل أن يطلّ في حلقة تلفزيونية خاصة مع الزميل جورج صليبي على قناة الجديد.

يختلف الثنائي المسيحي على الكثير، لكنّهما توافقا في قراءتهما رسائل فرنجية. لم ينزل كلامه برداً وسلاماً عليهما

غير أنّ ما فات فرنجية في مقاربته هذه أنّها تناقض ما أعلنه في السابق في عدد من العناوين على الأقلّ، وأبرزها العلاقة مع المملكة. ما هي إلا ساعات حتى انتشرت تغريدة لفرنجية كتبها في مثل هذه الأيام من عام 2015 قال فيها إنّه مع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله حتى النهاية في موقفه من الحرب السعودية على اليمن. ما تزال التغريدة في “حساب” فرنجية العالق مع المملكة، والمكشوف على تويتر، لا بل إنّ أحدث محطّة لا تصبّ في مصلحة فرنجية وما تزال راسخة في الأذهان هي أزمة وزير الإعلام السابق جورج قرداحي وردّة فعل رئيس المردة على الأمر. وهو لم “يتراجع” في هذا الملفّ بعد.
في مقاربته المنفتحة تجاه المملكة يعوّل فرنجية اليوم على تقاطع إقليمي، ولا سيّما بعد زيارة وزير الخارجية السعودي لدمشق. لا شيء مستحيل في بلادنا ويمكن لمواقف السنوات الماضية أن تمحوها رياح التسوية. حتى الساعة لا معلومات عن تسوية مماثلة، لكن حتى لو حصلت فإنّ فرنجية تنتظره محطّات أخرى عليه أن يتجاوزها .
– ضرورة حصول تسوية حول اسمه، وهو أمر ليس محسوماً بعد.
– ضرورة حضور 86 نائباً إلى مجلس النواب لتأمين النصاب، وهو أمر تؤكّد المعارضة أنّها ليست بوارد تحقيقه لتأمين انتخاب فرنجيّة بـ65 صوتاً.
– ضرورة أن يحظى فرنجية بغطاء مسيحي حقيقي وليس بالمفرّق، وهذا أمر لم يحصل بعد.

فرنجيّة والراعي
في لقائه مع الراعي قدّم فرنجية مجموعة الضمانات التي قدّمها خطّياً للفرنسيين، فقال له البطريرك إنّ موقف السفير السعودي وليد البخاري ليس لمصلحته، فأجابه فرنجيّة بأنّ هناك من يدعمه داخل المملكة. ثمّ دعا الراعي فرنجية إلى محاورة القوى المسيحية لأنّ الرئاسة تتطلّب حدّاً أدنى من التوافق المسيحي، فأجابه فرنجية: “قل لهم، أنا بدّي حاور، هنّي ما بدّن”.
خرج فرنجية وأرسل رسائله باتّجاه المسيحيين محذّراً إيّاهم من أن يكونوا كـ”داعش” التي انتهى منطقها في الإقليم، ودعاهم إلى أن يدخلوا في التسوية المقبلة.

تقول مصادر القوات لـ”أساس” إنّ جعجع اختار أن يطلّ الأحد المقبل ليؤكّد مواقفه، ويجيب على مقاربة فرنجية الرئاسية وتحذيره المسيحيين من الخروج من التسوية

قراءة القوى المسيحية
يختلف الثنائي المسيحي على الكثير، لكنّهما توافقا في قراءتهما رسائل فرنجية. لم ينزل كلامه برداً وسلاماً عليهما: “هل يصف فرنجية المسيحيين بأنّهم دواعش لأنّهم يعارضون انتخابه؟ وهل يحذّرهم من عدم الدخول في التسوية كما حصل في الطائف؟”.
هذه ليست فقط تساؤلات على لسان مصادر القوات والتيار، بل هي محطّ استغراب ودهشة ومعارضة على حدّ سواء. تشير مصادرهما إلى أنّ الظروف تغيّرت بين 2016 واليوم، وما عادت ظروف ميشال عون الذي كان يتمتّع بشعبية كبيرة لدى المسيحيين هي الظروف نفسها التي تحكم المنطقة ولبنان. ولو حصلت التسوية التي يتحدّثون عنها، فإنّ فرنجية لن يصل إذا قرّر الثنائي المسيحي أن يمنعه. ميشال عون في عزّ قوّته احتاج إلى سعد الحريري وسمير جعجع. تبدو الصورة اليوم مختلفة، على الأقلّ حتى يومنا هذا.
تقول مصادر القوات لـ”أساس” إنّ جعجع اختار أن يطلّ الأحد المقبل ليؤكّد مواقفه، ويجيب على مقاربة فرنجية الرئاسية وتحذيره المسيحيين من الخروج من التسوية. سيكرّر جعجع ما قاله في قدّاس شهداء زحلة: “ما رح تفوتوا على القصر”. أمّا التيار الوطني الحرّ فما يزال على موقفه، واصفاً ما يحصل بأنّه عملية تهويل كبيرة يخوضها فريق فرنجية.
وأمام الكلام عن التهويل وحسم الملف لمصلحة فرنجية بناء على معطيات فرنسية لمصلحته، كان لافتاَ جداً توقيت إصدار الخارجية الفرنسية بياناً رسمياً حول لبنان. وأكّدت المتحدثة باسم الخارجية آن كلير لوجاندر أنّ لا مرشّح رئاسيّ لباريس في لبنان قائلة خلال مؤتمر صحافي “على اللبنانيين اختيار قادتهم”.
وأضافت “يتعلّق الأمر بانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة مع كامل الصلاحيات، تكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يحتاجها لبنان والشعب اللبناني بشكل عاجل في مواجهة الأزمة الخطيرة التي يمرّان بها”.

إقرأ أيضاً: سليمان فرنجيّة.. والكراهية السهلة

معروف عن فرنجية أنّه عفوي، صادق في تعبيره. ربّما تخونه صراحته في التعبير. ولكنّ من يُعدّ نفسه للرئاسة لا يمكنه إغفال أنّه سيحاسَب على كلّ كلمة. فهل تجري الرياح كما يشتهي فرنجية؟
ربّما. لا شيء مستحيل.
ولكن حتى اليوم على الأقلّ ليست طريقه سالكة وعليه القيام بالكثير وانتظار تبدّل موازين القوى. ولكنّ الأهمّ أنّ “التهويل بالفراغ” لن يأتي به رئيساً.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…