الكويت في “نفق” انتخابيّ جديد

مدة القراءة 6 د

التاريخ يكرّر نفسه في الكويت: حلّ مجلس الأمّة، تليه انتخابات مبكرة، ثمّ حكومة جديدة، فصدام بين السلطتين، ويُحلّ مجلس الأمّة من جديد… وهكذا دواليك.
هذا التكرار الذي تعيشه الكويت اليوم سبق أن خَبِرته قبل أكثر من 10 سنوات. لكنّ الفرق هذه المرّة أنّ الصراع أوجهه مختلفة، والسلطة القضائية كادت تتحوّل جزءاً من الأزمة السياسية.
بدأ كلّ شيء مع حكم المحكمة الدستورية الذي صدر قبل نحو شهر وقضى بحلّ مجلس الأمّة المُنتخب في أيلول 2022، وإعادة المجلس السابق المُنحلّ.
أثار هذا الحكم، الذي وقع على نوّاب مجلس 2022 كالصاعقة، ضباباً كثيفاً وتساؤلات كبرى إلى حدّ أنّ غالبية النواب لم تُسمع أصواتهم وغابت مواقفهم عن كلّ ما يجري، نظراً لصعوبة التكهّن بمآلات الأزمة وارتفاع التكلفة الشعبية لأيّ موقف نيابيّ.

انقسام بين مجموعتين
– الأولى: تضمّ شطراً من مجلس 2022، وتطالب بحلّ مجلس 2020 مع إعادة مجلس 2022 من دون إجراء انتخابات، وذلك عبر تقديم طعن على الدعوى الأصلية التي أدّت إلى إبطال المجلس، لأنّ الطعن على الحكم غير مُمكن دستورياً. كان أعضاء هذه المجموعة يفضّلون عدم الذهاب إلى الصناديق الآن، نظراً إلى تآكل شعبيّتهم، في ظلّ عدم تحقيق إنجازات بعد الانتخابات الأخيرة، وتحوُّل بعضهم من معارضين شرسين إلى “حمائم” أو موالين للحكومة.

التاريخ يكرّر نفسه في الكويت: حلّ مجلس الأمّة، تليه انتخابات مبكرة، ثمّ حكومة جديدة، فصدام بين السلطتين، ويُحلّ مجلس الأمّة من جديد

– المجموعة الثانية: تضمّ قسماً من نواب مجلس 2020، وتؤيّد إجراء الانتخابات، لكن بعد “تحصين” العملية الانتخابية، من خلال إقرار قانون مفوّضية الانتخابات وغيره من التشريعات الضرورية لمنع حدوث الإبطال مجدّداً. وهذا السيناريو يفترض مثول الحكومة الجديدة أمام المجلس لأداء اليمين، ثمّ عقد جلسة أو أكثر للتشريع قبل رحيل المجلس.
بقي الوضع معلّقاً ومحاطاً بالشائعات عن المسارات والحلول، حتى جاء خطاب الأمير الشيخ نوّاف الأحمد الذي ألقاه نيابة عنه وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد، بُعيد الإفطار يوم الإثنين الماضي، ليحسم الأمر معلناً حلّ مجلس الأمّة مجدّداً وإجراء انتخابات جديدة في الأشهر المقبلة، مع “إصدار جملة من الإصلاحات السياسية والقانونية”، فيصبح بذلك مجلس 2020 مُنحلّاً مرّتين، بقرار من القيادة، خلال أقلّ من سنة.
في القرار الجديد نِصفُ انتصارٍ لكلا الفريقين:
– الأوّل ترضيه انتخابات جديدة ومسار لا يفرِض أداء الحكومة اليمين أمام مجلس 2020، على اعتبار أنّ المجلس “غير شرعي شعبياً وسياسياً”.
– الثاني ترضيه إصلاحات سياسية قانونية تترافق مع الانتخابات.

رسائل خطيرة
لكنّ الفريق الأوّل حقّق مكاسب أكثر، مع تأكيد وليّ العهد أنّ حلّ المجلس جاء “انتصاراً للإرادة الشعبية”، وما جرى في الآونة الأخيرة لا يُغيّر شيئاً في الثوابت المعلنة في خطاب حزيران 2022 (الحلّ الأوّل للمجلس).
إلى ذلك تضمّنت كلمة وليّ العهد 3 رسائل تُصنّف “خطيرة” بالمعايير الكويتية:
– الأولى: تأكيد “صون هيبة الدولة” و”عدم تجاوز” سلطات الأمير الدستورية. وهي رسالة رأى البعض أنّها موجّهة لكلّ السلطات.
– الثانية: الحديث عن “ضمان حيادية ونزاهة السلطة القضائية بتعزيز نظام الحوكمة في تكوينها واختصاصاتها”، في إشارة إلى التوجّه لإقرار تعديلات على قانون تنظيم القضاء، على خلفيّة الحكم الأخير الذي قلَب المشهد رأساً على عقب. ويطرح ذلك تساؤلاً جدّياً: هل يُمكن للمحكمة الدستورية، بعد الآن، أن تُصدر حكماً بإبطال أيّ مجلس؟
– الثالثة: الإشارة إلى “نقل الدولة إلى مرحلة جديدة من الانضباط والمرجعية القانونية”، مع ما يشي ذلك بخطوات حازمة لمنع تكرار الشلل الذي ضرب مفاصل المؤسّسات في الأشهر القليلة الماضية.

التكرار الذي تعيشه الكويت اليوم سبق أن خَبِرته قبل أكثر من 10 سنوات. لكنّ الفرق هذه المرّة أنّ الصراع أوجهه مختلفة، والسلطة القضائية كادت تتحوّل جزءاً من الأزمة السياسية

هكذا يعود الكويتيون إلى صناديق الاقتراع، للمرّة الثانية في أقلّ من سنة، لحسم معركة تبدو غير واضحة المعالم. فالمعارضة السابقة التي تحوّلت إلى موالاة خلال السنة الأخيرة لا تستطيع أن تضمن بسهولة الغالبية في المجلس الجديد. والموالاة السابقة التي انكفأت عن المشهد في الفترة نفسها لا يبدو أنّ خياراتها الشعبية أفضل. ومن غير الواضح ما إذا كان بعض ممثّليها السابقين في البرلمان يريدون خوض المعركة. وإذا خاضوا المعركة هل يكونون موالين أم معارضين؟
لم تتّضح أيضاً حتى الآن المسائل الآتية: هل يخوض رئيسا المجلسين السابقين أحمد السعدون ومرزوق الغانم الانتخابات؟ ومن هي الأسماء المرشّحة لتولّي رئاسة البرلمان الجديد؟ وضمن أيّ توازنات؟

التجّار والشعبويّة
يُضاف إلى كلّ تلك التعقيدات عنصر آخر ربّما يكون مرجِّحاً: موقف التجّار الذين وجدوا أنفسهم مع مجلس 2022 “عُراة” نيابياً وكاد الضغط النيابي يؤدّي إلى إلغاء غرفة التجارة والصناعة التي يتمّ التصويب عليها دائماً للتكسّب الشعبي ودغدغة المشاعر.
من السذاجة القول إنّ المعركة هي بين التجّار والنواب “الشعبويين”، أو بين التجّار وتيّارات سياسية معيّنة. فالكلّ في الكويت يُعتبر من فئة التجّار. والحديث عن سطوة التجّار يعني سطوة غالبية التيارات ضمن مستويات مختلفة. فالتجّار في نهاية المطاف فئات عدّة، فهم إسلاميون بتلاوين مختلفة: ليبراليون، سنّة وشيعة، بدو وحضر، رجال ونساء.

إقرأ أيضاً: الكويت… استفحال الأزمة يُعيد نغمة “الإمارة الدستوريّة”

لذلك جوهر المعركة سياسيّ وبين تيّارات محدّدة ومجموعات موالية لشخصيّات فاعلة في المشهد من دون أن تظهر فيه.
تريد القيادة السياسية الوصول إلى استقرار سياسي يُفسح المجال أمام الطاقات لإطلاق عجلة التنمية التي تواكب تطلّعات العصر والقفزات الهائلة للدول الجارة: السعودية والإمارات وقطر. لكنّ الطريق الذي يمرّ عبر الانتخابات يبدو وعراً وغير مضمون، لأنّ المقعد النيابي في الكويت لم يكن يوماً فقط للتشريع، بل هو جزء أساسي من أوراق القوّة السياسية للقوى والتيّارات وبعض القوى النافذة والشخصيّات من داخل الأسرة الحاكمة وخارجها.

مواضيع ذات صلة

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…