يبدو أنّ الوقت يضغط على قادة الدولة العبرية مع وصول إيران إلى عتبة الدولة النووية. وقد باتت قريبة جدّاً اللحظة التي ستضطرّ فيها إسرائيل إلى حسم خيارها بين ضربة وقائية ضدّ المنشآت النووية الإيرانية وبين التسليم بإيران نووية والعيش في ظلّها.
يستند أنصار خيار الضربة العسكرية إلى ما بات يُعرف بـ”عقيدة بيغن”، التي ارتبطت بمناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، والتي أكّد فيها في نهاية سبعينيات القرن الماضي، في إطار التعليق على تطوّر البرنامج النووي العراقي، أنّ إسرائيل لن تتحمّل ولن تسمح بأن تظهر إلى جانبها قوّةٌ نوويةٌ من شأنها أن تهدّد وجودها.
ساهم في تعزيز الخيار العسكري على نحو مذهل تحرُّكُ عدد من القطع على رقعة شطرنج الإقليم، فيما لا يعرف أحد أين ستستقرّ. فإيران توصّلت إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية برعاية الصين، التي أصبحت تربطها علاقات قوية مع إيران، إلى جانب الدور الفعّال الذي تلعبه طهران في مبادرة الحزام والطريق. وطهران أصبحت شريان حياة للكرملين، بعد العقوبات الغربية المشدّدة على موسكو، وسلسلة الإخفاقات الروسية في الحرب على أوكرانيا، والدعم الإيراني لروسيا بالطائرات المسيّرة لتستخدمها في حربها على أوكرانيا. يُضاف إلى ذلك تحرُّك دول عربية أساسية لمصالحة الرئيس السوري بشار الأسد.
على الرغم من الانقسامات العاصفة في إسرائيل بسبب الانقلاب القضائي الذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، إلا أنّ لدى الإسرائيليين إجماعاً دائماً على أنّ إيران تمثّل تهديداً وجودياً، ولديهم التزاماً بمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية يتجاوز الحكومات الائتلافية والتحوّلات السياسية الحزبية.
أخطر الجبهات ستكون الجبهة اللبنانية، حيث سيستخدم “الحزب” الـ 150 ألف صاروخ التي بحوزته، والأكثر ترجيحاً أن تردّ طهران على هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية
زاد هذا الإجماع بشكل واضح في الشهرين الأخيرين، خصوصاً مع استمرار تقدُّم إيران في مشروعها النووي. وتشير المعلومات الآتية من واشنطن إلى أنّ النظام الإيراني يمكنه الآن إنتاج ما يكفي من الموادّ الانشطارية لقنبلة نووية واحدة في “حوالي 12 يوماً”.
نتانياهو “سيضرب”… لإنقاذ نفسه؟
ظهر بعدٌ جديدٌ للأزمة، قد يكون عنصراً مقرّراً، وهو حرص نتانياهو على فكّ عزلته في نظر قاعدته الشعبية، بسبب الانقلاب القضائي، وسعيه إلى نجاته السياسية. وهو في سبيل ذلك قد يذهب إلى مغامرة ضرب المنشآت النووية معتمداً على ذراع إسرائيل العسكرية، حتى من دون ضوء أخضر من الولايات المتحدة. وذلك على الرغم من أنّ تل أبيب ظلّت لسنوات تفضّل الجلوس في المقعد الخلفي لصانعي السياسة الأميركيين في التعامل مع “التهديد” الذي تشكّله إيران شبه النووية.
نشرت صحيفة “تايمز” مقالاً لماكس هاستينغز رأى فيه أنّه على الرغم من رغبة الأصوات المتشدّدة في توجيه إسرائيل ضربة عسكرية لإيران، فإنّ هذه الضربة ستكون بمنزلة تحدٍّ للولايات المتحدة ولن تؤدّي إلا إلى تأخير التسليح، وسيعجّل ذلك بظهور أزمة إقليمية كبيرة، إن لم تكن عالمية.
وأشار هاستينغز إلى ما كتبه نائب مستشار الأمن الوطني الإسرائيلي السابق تشاك فريليتش: “لدى إيران المعرفة المطلوبة لإعادة بناء البرنامج، حتى بعد هجوم ناجح نجاحاً كاملاً. ولم يعد الحلّ العسكري خياراً لتدمير البرنامج، بل هو لشراء الوقت”. وأضاف هاستينغز أنّ “تصميم طهران متجذّر في ما يتعلّق بالمثال الكوري الشمالي. فمهما قامت به من استفزازات للغرب فإنّ نظامها يظلّ محميّاً من الضربات”.
أين روسيا من الضربة؟
في الإطار ذاته، نشرت مجلة “نيوزويك” الأميركية مقالاً يتوقّع أن لا تكون إسرائيل على استعداد للبقاء على الهامش لفترة أطول، وربّما تسارع في الهجوم على منشآت نووية إيرانية، وذلك بسب التعاون الاستراتيجي الوثيق بين روسيا وإيران، الذي تسبّبت به الحرب الحالية في أوكرانيا.
باتت قريبة جدّاً اللحظة التي ستضطرّ فيها إسرائيل إلى حسم خيارها بين ضربة وقائية ضدّ المنشآت النووية الإيرانية وبين التسليم بإيران نووية والعيش في ظلّها
وأشارت “نيوزويك” إلى أنّ موسكو وطهران وقّعتا اتفاقاً سرّياً جديداً يوسّع التعاون النووي بينهما وينصّ على أن تسلّم روسيا إيران أنظمة دفاع جوّي متطوّرة من طراز “إس-400” في المستقبل القريب. وهو أمر سيصعّب مهمّة إسرائيل. ونتيجة لذلك تتغيّر حسابات إسرائيل الاستراتيجية، ويتسارع الإطار الزمني للهجوم الإسرائيلي.
يتوقّع المستوى العسكري في تل أبيب أن يكون الردّ الفوري على الهجوم ضدّ المنشآت النووية الإيرانية عنيفاً، وأن يبدأ الهجوم على “إسرائيل” بأوامر مباشرة من طهران من عدّة جبهات: لبنان، سوريا، الضفّة الغربية، وقطاع غزّة. وقد ينضمّ أيضاً فلسطينيّو 48.
غير أنّ أخطر الجبهات ستكون الجبهة اللبنانية، حيث سيستخدم “حزب الله” الـ 150 ألف صاروخ التي بحوزته، والأكثر ترجيحاً أن تردّ طهران على هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية بإطلاق صواريخ باليستية باتجاه إسرائيل، أي بإطلاق حرب شاملة في الشرق الأوسط. وهذا هو السيناريو المرجعيّ في المؤسسة الأمنية والعسكرية. إنّها حرب متعدّدة الساحات، حرب الجميع ضدّ الجميع، بحيث تكون ملابسات الرشقة الصاروخية التي أتت من لبنان قبل أسبوع، والتصعيد الذي رافقها من عدّة ساحات، بروفة صغيرة جداً لما سيحدث عند ضرب إسرائيل المنشآت الإيرانية.
إقرأ أيضاً: نتنياهو يخطّط لـ”اغتيال كبير”
من ناحية عملية، وبعيداً عن التهويل الإعلامي، لا يملك الجانب الإسرائيلي القدرات الحقيقية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية بضربة عسكرية، فهي على عكس المفاعل العراقي والمفاعل السوري في دير الزور، وخصوصاً بعدما استخلصت إيران العبر وقامت بنشر منشآتها النووية على طول الأراضي الإيرانية.
في دراسة مطوّلة للباحث الإسرائيلي سامي كوهين، أشار إلى أنّه عندما تلجأ دولة إسرائيل إلى الخيار النووي ضدّ إيران، ستحكمنا ثلاثة عناصر رئيسية: تصوّر التهديد الإيراني، وطبيعة قدرات سلاح الجوّ الإسرائيلي، وموقف واشنطن من هذا الملف.