لماذا السويد مهمّة “عسكرياً” للناتو ولبوتين؟

مدة القراءة 6 د

يبدو أنّ السويد قد تكون “ستالينغراد” الحرب الأوكرانية. فإلى جانب “معركة” انضمامها إلى حلف الناتو، التي يعرقلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويرفضها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد تكون مسرح معركة عسكرية ضخمة، يأمل بوتين في أن تغيّر موازين القتال بينه وبين أوروبا، وصولاً إلى أن “يطبش” الميزان لصالحه.
كيف ذلك؟

تغيير لعبة الحرب

تستعدّ دول الناتو والسويد لسيناريوهات حرب مختلفة في الفترة المقبلة تدور حول بحر البلطيق والقطب الشمالي. يشير تهديد روسيا للسويد والحرص على إبقائها خارج حلف الناتو في حين تتحرّك الرؤوس النووية تجاه بولندا ودول البلطيق الثلاث، إلى أنّ بوتين يريد تغيير خطة اللعب، بأن يرفع الرهانات، إمّا لبدء مفاوضات الحرب، وإمّا للذهاب إلى حرب مع الناتو تُستخدم فيها الأسلحة النووية كملاذ أخير.

لم يكتفِ الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بإعلان بوتين الأسبوع الماضي إرساله أسلحة نووية تكتيكية إلى بيلاروسيا، بل طلب إضافة أسلحة نووية استراتيجية ذات مدى أطول، زاعماً أنّ الغرب يخطّط لغزو بيلاروسيا

خسائر الجيش الروسي الفادحة، وعجزه عن التقدّم في أوكرانيا، يدفعانه إلى تغيير “الخطة”. بالطبع يحتاج إلى مساعدة دول صديقة، منها تركيا والمجر وبيلاروسيا. فإذا سُدّت الطرق أمام المفاوضات، سيلجأ إلى توسيع رقعة الحرب.

هذه المرة سيبدأ من جزيرة غوتلاند السويدية في بحر البلطيق. إذ يدرك أنّه يصعب على الناتو الدفاع عن حدود البلدان الأعضاء مع روسيا من دون أن يكون الحلف قادراً على استخدام العمق الاستراتيجي الذي تشكّله الأراضي السويدية.
خطة الهجوم على جزيرة غوتلاند عرضها التلفزيون الحكومي الروسي علناً كخطوة أولى في حرب روسيا ضدّ الناتو. وهي الهدف الذي قصده السفير الروسي في استوكهولم فيكتور تاتارينستيف الأسبوع الفائت.
وسيكون الهجوم هذا درساً “إنتقامياً” من السويد إذا انضمّت السويد إلى الناتو. وفي حال نفّذت القوات الروسية تهديدها وحصلت بشكل مفاجئ على موطئ قدم في غوتلاند وسط بحر البلطيق، قد يعيق الروس قدرة الناتو على مساعدة الدول الأعضاء في أوروبا الشرقية، وتحديداً إستونيا ولاتفيا وليتوانيا.
بحر البلطيق هو الفاصل بين الدولة الأوروبية شمال السويد، وبين دول أوروبا الشرقية. في البلطيق تمتلك السويد أطول خط ساحلي يصل الشمال الأوروبي ببحر البلطيق، ويعتبرها الناتو منطقة دفاع أساسية. إذ يصل العديد من التعزيزات المطلوبة لحماية المنطقة بسهولة أكبر عبر السويد.
في لغة الحرب، إذا سيطرت روسيا على غوتلاند، فلديها الفرصة لحجب أجزاء كبيرة من بحر البلطيق بمساعدة الأنظمة الروبوتية، ولا يمكن بالتالي الدفاع عن دول الناتو كالنرويج والدانمارك.

تواطؤ تركيّ – مجريّ مع روسيا

التهديد الروسي الأخير للسويد كانت سبقته أعذار واهية من تركيا والمجر لرفض طلبها الانضمام إلى الناتو بعد الموافقة التاريخية لبرلمان السويد على إنهاء الحياد العسكري. وبعد إقرار برلماني تركيا والمجر أخيراً انضمام فنلندا إلى الناتو، تبقى السويد وحيدة في محيطها خارج الحلف الذي يضمّ أيضاً النرويج والدانمارك ودول البلطيق الثلاث إستونيا ولاتفيا وليتوانيا.
تبدو مهمّة السويد للّحاق بهم شاقّة مع الرفض التركي والتردّد المجري. وبعدما كان وزير خارجية السويد واثقاً من انضمام بلاده إلى الناتو في اجتماع الحلف في حزيران المقبل، أصبح يأمل فقط أن تصبح السويد العضو الـ32 في الحلف. أصبحت حجّة تركيا معروفة وتتلخّص بمعاقبة السويد لأنّها لا تنفّذ ما يكفي من الطلبات التركية التي تزيد كلّما انتهت السويد من تحقيق بند في القائمة.
أمّا المجر فقد خرجت فجأة بثلاثة أسباب تمنعها من التصديق على طلب السويد:

1- الادّعاء بأنّ السويد تقوّض العلاقات الثنائية.

2- تصوّر السويد أنّها “متفوّقة أخلاقياً” على المجر.

3- “عدم الاحترام” وتدهور العلاقات الثنائية على مرّ السنين بسبب العديد من التصريحات التي أدلى بها سياسيون سويديون في الماضي. لا يخفى على أحد أنّ هذه الأسباب تتعلّق بنقاشات سياسية في النظام القضائي المجري ولا ترتبط بعملية الناتو.

لوكاشينكو يردّ الجميل لبوتين

لم يكتفِ الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بإعلان بوتين الأسبوع الماضي إرساله أسلحة نووية تكتيكية إلى بيلاروسيا، بل طلب إضافة أسلحة نووية استراتيجية ذات مدى أطول، زاعماً أنّ الغرب يخطّط لغزو بيلاروسيا.

بينما تركّز بيلاروسيا تهديداتها على بولندا، تهدّد روسيا السويد التي يجعل بقاؤها خارج الحلف الأطلسي وعود الناتو بمساعدتها موضع تساؤل لأنّ أيّاً من هذه الوعود لا تُعتبر ملزمة قانوناً

من دون الكرملين وبوتين لا يستطيع لوكاشينكو البقاء سياسياً أو اقتصادياً بعد العقوبات الغربية على بلاده. ومقابل مساعدة نظامه على البقاء في السلطة، يقدّم لوكاشينكو دعمه لبوتين، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار في أوكرانيا، وقائلاً إنّه من المستحيل هزيمة قوة نووية مثل روسيا، ومحذّراً من أنّ بوتين سيستخدم “أفظع الأسلحة” إذا شعر بالتهديد.

في خطابه الأخير، حذّر لوكاشينكو من أنّ دول الناتو تزيد من وجودها العسكري في أوروبا الشرقية إلى حدّ نشر 21 ألف جندي و250 دبابة و150 طائرة مقاتلة وطائرة هليكوبتر في بولندا ودول البلطيق.

عدم وضوح في وعود الناتو الأمنيّة

بينما تركّز بيلاروسيا تهديداتها على بولندا، تهدّد روسيا السويد التي يجعل بقاؤها خارج الحلف الأطلسي وعود الناتو بمساعدتها موضع تساؤل لأنّ أيّاً من هذه الوعود لا تُعتبر ملزمة قانوناً.
هي التزامات شفوية، لكنّها اقترنت أيضاً بنمط ممارسة أكثر نشاطاً يجعل من غير المعقول ألا يردّ الناتو إذا تعرّضت السويد لهجوم.
من أبرز وعود الناتو طوال الفترة السابقة هو إعلان بريطانيا دعمها السويد بكلّ الوسائل، بما في ذلك العسكرية، ثمّ تأكيدات مماثلة بالدعم من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا ودول الشمال.
تسري هذه الوعود فقط في الفترة الممتدّة بين كون السويد دولة مدعوّة إلى الحلف وبين انضمامها رسمياً، إذ سيصار حينها إلى تغطيتها بضمان أمن الناتو والتخطيط الدفاعي المشترك وفقاً للمادّة الخامسة من معاهدة الناتو.
وعلى الرغم من تخوّف السويد، إلا أنّ ترجمة الوعود إلى أفعال توضّحت في مناسبات عديدة وليس فقط عند إجراء دول الناتو المزيد من التدريبات العسكرية مع السويد منذ الربيع الماضي.
كانت المناسبة الأكثر وضوحاً حين أبحرت السفينة الهجومية البرمائية الأميركية “يو إس إس كيرساج” إلى استوكهولم في حزيران الفائت للمشاركة في التدريبات الدولية في بحر البلطيق. وبالإضافة إلى تدريبات السويد مع دول تحالف “قوة الاستطلاع المشتركة” الذي تقوده بريطانيا، ستُقام مناورات أورورا-23 للقوات المسلّحة، التي يشارك فيها العديد من دول الناتو من 24 نيسان الجاري إلى 11 أيّار المقبل.

إقرأ أيضاً: السويد تنضمّ إلى الناتو بعد 200 سنة من الحياد الملتبس

وفي حين يراهن الناتو على انتكاسات روسيا في الحرب للجم خطّة بوتين العسكرية خارج حدود أوكرانيا، يرفض بوتين الخسارة ويحشد دعم الأصدقاء لكسب رهان البدء بمفاوضات وفقاً لشروطه، وإلا فمزيج الإحباط والطموح لدى بوتين سيجعلانه يستخدم سلاح رعب استثمرت موسكو في تطويره من أجل ساعة الصفر.

مواضيع ذات صلة

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…