“ترابط الساحات” واتّفاق بكّين: إسألوا رفيق الحريري

مدة القراءة 5 د

استعاد “محور المُمانعة” شرعيات ثلاث في المعركة الخاطفة التي جرت الأسبوع الماضي، معلناً ولادة “ترابط الساحات”، وذلك “دفاعاً عن المسجد الأقصى”.

فقد حقّق أهدافاً أساسية في العملية التي قصفت إسرائيل من 3 جبهات، في غزّة وجنوب سوريا (الجولان) وجنوب لبنان:

1- استعاد “التوازن” في منطقه “المُمانِع”، الذي يدّعي السعي إلى تحرير القدس. فقبل أسبوع، كان يمكن لأيّ مُحاوِر أن “يزرك” الممانعين ويقول لهم: “طريق القدس مرّت في حلب وحمص وبغداد وصنعاء وبيروت ولم تصل إلى القدس…”. اليوم يمكن لهذا الممانع أن يجيب: “لقد قصفنا إسرائيل من 3 جبهات، نصرةً للأقصى”. وسيكون صادقاً.

2- محاولة استعادة “شرعية سنّيّة”، باعتبار أنّ المحور “الشيعي” قصف بصواريخ “سنّيّة” من جنوب لبنان، “نصرةً للمسجد الأقصى: أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين”.

3- محاولة استعادة “شرعية عربية”، بنصرة “القدس العربية”.

هذه الشرعيّات الثلاث يستعيدها “المحور” على دفعات، أوّلاً بعد صواريخ غزّة، وثانياً بعد صواريخ جنوب لبنان، وثالثاً بعد صواريخ الجولان. وكلّها ردّت عليها إسرائيل بطريقة ضعيفة ومرتبكة، بدا معها أنّ إيران وميليشياتها سجّلت انتصاراً سياسياً وعسكرياً وأمنيّاً كبيراً.

استعاد “محور المُمانعة” شرعيات ثلاث في المعركة الخاطفة التي جرت الأسبوع الماضي، معلناً ولادة “ترابط الساحات”، وذلك “دفاعاً عن المسجد الأقصى”

ماذا عن “احترام سيادة الدول”؟

في 10 آذار الفائت، قبل شهر تماماً من عملية “ترابط الساحات”، وقّع الجانبان السعودي والإيراني، في الصين، بياناً رعته بكّين، نصّ على جملة مفتاحيّة تعلن “تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية”.

بدا ذلك للوهلة الأولى انتصاراً عربياً غير مسبوق، بانتزاع اعتراف من إيران بضرورة “احترام سيادة الدول”. بعد عقدين من استباحة إيران وميليشياتها عدداً من دول العرب، بين محاولات انقلاب فاشلة، ومحاولات زعزعة الاستقرار، وصولاً إلى انقلابات ناجحة، لا تبدأ من 7 أيّار 2008 في بيروت، ولا تنتهي في إعلان جنرالات الحرس الثوري “السيطرة على 4 عواصم عربية هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء”.

في البيان اتّفاق على “مدّة شهرين” لتفعيل الاتّفاق في مجالات متعدّدة. وفي منتصف هذين الشهرين، وُلدت عملية “ترابط الساحات” التي، إلى غزّة في فلسطين، انطلقت من دولتين هما سوريا ولبنان. وإذا كانت سوريا “ساحة معركة” منذ 12 عاماً، فإنّ لبنان دولة يحرص العرب على “سيادتها”.

بدا أنّ إطلاق الصواريخ من بساتين الموز في مدينة صور جنوب لبنان، هو إطلاق نار أيضاً على “اتفاق بكين”، باعتباره يلتزم “احترام سيادة الدول”. أو ربّما يكون إعلاناً عن رغبة سرّيّة بإضافة ملحق غير مكتوب إلى “اتفاق بكّين”، يعتبر المواجهة مع إسرائيل، من دول عربية، خارج “احترام سيادة الدول”. بل ويذهب البعض إلى أنّ في إيران جناحاً يرفض اتفاق بكين وقرّر إطلاق الصواريخ عليه.

الحرب… جنّة المتطرّفين

المعركة السريعة خلال الأسبوع الفائت أنعشت 3 حلفاء موضوعيّين، يجمعهم التطرّف، وتفرّقهم ضرورات شدّ العصب:

1- تطرّف يهودي يتجلّى في “الحلف الثلاثي” الإسرائيلي بين بنيامين نتانياهو والمتطرّفَيْن إيتمار بنغفير وبتسلئيل سموتريتش. وهؤلاء ظهروا كـ”أبطال” يجب على الشعب الالتفاف حولهم لمواجهة “الهجوم العربي” من كلّ مكان.

2- تطرّف سنّيّ يتجلّى في حركة “حماس” باعتبارها حركة سنّيّة متشدّدة، استعادت بعضاً من ماء وجهها بعد أشهر من “الحياد” أمام “ذبح” الفلسطينيين في الضفّة الغربية.

3- تطرّف شيعيّ تحوّل إلى “مرذول” عربياً وسنّيّاً بعد سنوات الاعتداء على العرب ودولهم.

هؤلاء الثلاثة أنعشتهم المعركة الخاطفة. كلٌّ استعملها في “الداخل” الخاصّ به لاستثمارها شعبياً وسياسياً. لكنّها في المحصّلة كانت “ضدّ” مصالح اليهود والشيعة والسُّنّة، أي ضدّ مصالح أهل هذه المنطقة كلّهم. وجاءت في مواجهة مشروع آخر يخرج إلى النور في هذه الأيام، هو مشروع التنمية والازدهار.

“مشروع الحرير” إذاً هو نقطة التقاء بين “أحلام بناء الدول الوطنية” وبين “استعادة أنفاس الاقتصادات المتهاوية” في محور إيران

معركة ضدّ “اتّفاق الحرير”

جاءت هذه المعركة لتواجه “اتفاق بكين” باعتباره مدخلاً إلى “منطق الحرير” وطريقه الصيني، وهو طريق التنمية وتطوير البنية التحتية. وقد التقى على تقاطعاته:

1- المشروع السعوديّ: الذي يقوده وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، لنقل المملكة العربية السعودية إلى مصافٍّ جديدةٍ، بالتنمية الاقتصادية وتصفير المشاكل السياسية والنهوض بالمنطقة لتكون “أوروبا القرن 21″، كما قال مرّة.

2- المشروع الإيرانيّ: الذي أنهكته اعتداءاته وتمويل الميليشيات والعقوبات من كلّ حدب وصوب، وقرّر أن “يهادن” وأن يلتفت قليلاً إلى “التنمية” وأن ينقذ اقتصاده الذي بدأ يفرّخ ثوراتٍ لا تنتهي في الداخل.

“مشروع الحرير” إذاً هو نقطة التقاء بين “أحلام بناء الدول الوطنية” وبين “استعادة أنفاس الاقتصادات المتهاوية” في محور إيران. 

وهو مشروع يتنافى مع منطق الحرب والميليشيات. لكن ربّما هناك من يريد أن يزاوج بين المشروعين. تماماً كما حصل مع الرئيس رفيق الحريري، حين اقتنع معه العرب بأنّ لبنان يمكن أن يقسّم بين “مشروع المقاومة” و”المشروع الاقتصادي”.

في 1990 كانت الحكاية نفسها وفي ظروف مشابهة. لبنان منهك والمنطقة تغلي، من الكويت إلى العراق، وطهران خارجة من تجرّع الكأس المرّة مع صدّام حسين. سوريا دفعت في الكويت يومها، لتقبض في لبنان، تماماً كما دفعت إيران في الترسيم البحري.

إقرأ أيضاً: في مديح الفاسدين والمتطرّفين… الذين هزموا إسرائيل

يومها قالوا لرفيق الحريري: “خُذِ الاقتصاد، وتقاسم الدولة مع ميليشيات أمراء الحرب، واترك السلاح لإيران وسوريا، فهذه مسألة تبدأ في معبر كفرتبنيت، ولا تنتهي في القدس”.

وهو صدّق وآمن لهم. 

لا داعي للتذكير… كيف انتهى هذا الاتّفاق.

إسألوا رفيق الحريري.

العنوان: متران تحت الأرض، في وسط بيروت. تحت الأرض التي ظنّ أنّها حصّته من الاتّفاق.

لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…