تحثّ المملكة العربية السعودية وإيران الخطى لتطبيع علاقاتهما بناء على الاتفاق الذي رعته بكين.
توحي الأجواء السائدة بالكثير من الأمل في التقليل من حدّة التوتّر الذي يسود منطقة الشرق الأوسط.
هل تحدث تفاهمات جانبية بين الطرفين أم يكتفيان بالاتفاق الرئيس التي يمكن أن يكون بداية ونهاية في الوقت نفسه؟
ما لا يمكن احتماله أن تكون الصين المدفوعة إلى المنطقة بمصالحها الاقتصادية لم تتنبّه إلى ضرورة أن تكون هناك انعكاسات إيجابية على السلام والاستقرار والأمن في المنطقة بسبب الاتفاق السعودي ــ الإيراني.
لكنّ هناك الكثير من المعوقات التي خلقها تاريخ من التدخّلات الإيرانية في المنطقة، والتي يمكن أن تشكّل مصدّاً لأيّ تأثير إيجابي يمكن أن تنتفع منه الدول التي قُدّر لها أن تقع تحت الهيمنة الإيرانية، وبالأخصّ العراق.
عراق أكثر تبعيّة
العراق اليوم في ظلّ حكم الأحزاب الموالية لإيران التي تجمّعت في ما يُسمّى بتحالف “الإطار التنسيقي” هو أكثر تبعية للسياسة الإيرانية من أيّ وقت مضى.
وإذا ما عدنا إلى تقنيّات الهيمنة المطلقة على السلطة في العراق التي اتّبعتها إيران عبر السنوات الماضية فلا بدّ أن نضع أيدينا على جوهر المشكلة التي صنعها الاحتلال الأميركي ولا تزال هي محور الحياة السياسية، بل الحياة بمفهومها العامّ في العراق.
لقد فرضت سلطة الاحتلال الأميركي نظاماً طائفياً تقف أحزاب الشيعية السياسية من خلاله على رأس السلطة وتهيمن عليها. ولم يكن خافياً على المحتلّ الأميركي أنّ تلك الأحزاب هي مجرّد واجهة للمذهب الذي تديره آلة الحكم في طهران وقم ولا علاقة لها بالمكوّن الشيعي الوطني العراقي، بحيث صار الدفاع عن المذهب وحمايته مجرّد شعار يُراد من خلاله الدفاع عن مصالح إيران في العراق. ولقد شهدت العلاقات الاقتصادية عبر السنوات الماضية على أنّ العراق قد لعب دور المنقذ للاقتصاد الإيراني في مواجهة العقوبات الأميركية.
العراق اليوم يحكمه أتباع إيران، المختلفون فيما بينهم، والقادرة هي على أن تتحكّم بمسارات خلافاتهم
أتباع لكن فقراء
في حقيقة الأمر لم تكن الولايات المتحدة عادلة حين فرضت النظام الطائفي بحجّة إنصاف الطائفة المظلومة، بل كان الغرض من ذلك أن توضع تلك الطائفة في الموضع الذي يثير الشبهات من حولها فيما كانت إيران تجني الأرباح من جرّاء ارتباط الأحزاب الحاكمة بسياساتها التي هي في حقيقتها معادية لطموحات وآمال الشعب العراقي بكلّ مكوّناته في إعادة بناء دولته المستقلّة ذات السيادة والقائمة على أساس احترام مبدأ المواطنة.
لم يستفِد شيعة العراق شيئاً من كونهم المكوّن الذي يحكم. كانت هناك كذبة مرّرها الأميركيون والتقطتها إيران. فعبر العشرين سنة الماضية اُرتُكب الكثير من المجازر تحت شعار الخوف على المذهب والدفاع عنه وحمايته. لقد ابتكرت الشيعية السياسية فزعاً ليس له أساس، وكان الهدف منه وضع المكوّن الشيعي في التباس تاريخي يراد منه إلحاقه طبقة فقيرة بالوليّ الفقيه الذي فوّض إلى الحرس الثوري رعاية أتباعه الذين كُتب عليهم الفقر مدى الحياة باعتباره ضريبة لانتظارهم الإمام الغائب.
وصفة أميركيّة لعراق إيرانيّ
العراق اليوم يحكمه أتباع إيران، المختلفون فيما بينهم، والقادرة هي على أن تتحكّم بمسارات خلافاتهم. فمقتدى الصدر الذي يرفض حسب إسماعيل قاآني زعيم فيلق القدس الإيراني اللقاء بنوري المالكي كان قد رضخ لتعليمات إيران وتخلّى عن الأصوات التي صنعت منه منتصراً في مجلس النواب. كان البعض يراه الرقم الصعب في المعادلة الشيعية السياسية، وتبيّن أنّه رجل الإنقاذ الذي يعمل على تدوير المشكلة الطائفية التي صنعها الأميركيون من أجل إبقاء العراق في محيطها.
المطلوب أن يبقى العراق طائفياً من أجل أن يستمرّ إيرانيّاً.
تلك معادلة لن يهزّها الاتّفاق السعودي ــ الإيراني، وقد لا ترى الصين فيها ما يؤثّر على مصالحها الاقتصادية. وتلك مشكلة مضافة سيقف أمامها الشعب العراقي حائراً. فالصين دولة ترعى مصالحها، وإذا ما شعرت أنّ تلك المصالح مصونة فإنّها لن تمانع في استمرار الهيمنة الإيرانية على العراق عن طريق غطاء سياسي طائفي عنوانه “الإطار التنسيقي”، معتبرة ذلك مشكلة عراقية داخلية، وهي كذلك فعلاً.
إقرأ أيضاً: العراق: ديمقراطية أميركا وإيران
تلك مشكلة العراقيين. إن أرادوا اللحاق بالتطوّرات التي سيفرضها الاتفاق السعودي ــ الإيراني فإنّ عليهم أن يكونوا مستقلّين، وهو الأمر الذي لم يتمكّنوا من تحقيقه في ظلّ سلطة طائفية لا يمكنها سوى أن تنحاز إلى إيران، وهذا سيكون سبباً في خلخلة المعادلة الإقليمية التي سيكون معها الاتفاق السعودي ــ الإيراني ناقصاً. فالسعودية التي تأمل أن يعود العراق إلى محيطه العربي لن تقتنع بعراق مريض بطائفيّته.
*كاتب عراقي