فرنسا – السويد – الهند – الصين: تجدّد الإسلاموفوبيا؟

مدة القراءة 8 د


تجتمع منظمة التعاون الإسلامي لاستنكار وإدانة تمزيق المصحف أمام مسجد في السويد. ويحدث هذا الأمر للمرّة الثالثة في السنوات الأخيرة، وفي السويد بالذات. هذا الازدراء للقرآن أو للنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بالتصوير أو بالتأليف أو بالإحراق والتدمير تكرّر في عدّة بلدانٍ أوروبية خلال العقدين الأخيرين. نعرف الإسلاموفوبيا التي امتدّت إلى عدّة بلدانٍ ومرتكبوها متعصّبون من عدّة دياناتٍ ضدّ الإسلام ورموزه أو ضدّ المسلمين. وهناك الحدث الهائل في نيوزيلنده حيث قُتل خمسون مسلماً في المسجد الجامع.

القصد من إيراد هذه المتفرّقات المزعجة أنّ هذا التطرّف في إظهار الكراهية والازدراء، وأحياناً الأعمال العنيفة كما في ميانمار وفي الهند، باتت ظاهرة وما عادت أعمالاً فرديّة. يعتبر بعض الناس أنّ الحكومات في بلدان العداء للإسلام ضعيفة أو منحازة. وهذا جزءٌ من المشهد وليس المشهد كلّه. ففي أوروبا صعدت الأحزاب اليمينية، ومن أسباب صعودها الهجرة الكثيفة التي ما تزال تتفاقم: فالهجرة تغذّي اليمين، واليمين عندما يصل إلى السلطة أو يسيطر على الحكومة ينقض قوانين ويشترع قوانين تزيد من إحساس شباب تلك الجاليات بالغربة والاضطهاد وتعرِّضهم لتغوُّل البوليس. وبذلك تتآكل الديمقراطية في تلك البلدان، ويفقد الشبّان المتذمّرون والهائجون أصلاً ضمانات المواطنة والقانون، وكرامة الإنسان.

إذ ما الذي يريده من يمزّق القرآن إلاّ أن يهين كرامة المسلمين، وهو ينجو بفعلته بحجّة حرّية التعبير! إذاً وبالتالي هناك هذه الدائرة المفرغة بين تطلُّب الشابّ المسلم للعدالة والقانون، وفي الوقت نفسه هو لا يؤمن بهما أو غير مقتنعٍ بحمايتهما له ولحقوقه! والجانب الآخر من جوانب المشكلة المتفاقمة أنّ بلداننا ما تزال طاردةً لأهلها، ولذلك ما يزال الشبّان يهاجرون، والذي لا تأكله أعماق البحر، ويصل إلى إحدى الدول الأوروبية، ينضمّ إلى ضواحي الفقر والبطالة، ويصبح مع الوقت قنبلة موقوتة، شأن أولئك الذين يتظاهرون هذه الأيام في فرنسا، فيدمّرون المدن وينهبون المحلّات التجارية، ويتسبّبون في خرابٍ مُريع، سيزداد بسببه الضغط عليهم من المجتمعات ومن السلطات.

تجتمع منظمة التعاون الإسلامي لاستنكار وإدانة تمزيق المصحف أمام مسجد في السويد. ويحدث هذا الأمر للمرّة الثالثة في السنوات الأخيرة، وفي السويد بالذات

ما العمل الآن؟

يتّجه عددٌ من الدول العربية والإسلامية إلى إدانة فوبيا تمزيق القرآن، لكن ماذا نفعل من بعد؟

بالطبع نستطيع الذهاب إلى أنّنا تغيّرنا وأنّ العالم، بما في ذلك أوروبا، معرّض للتغيير. فإذا كانت عندنا تيّارات تغييرية راديكالية فعندهم أيضاً تيّارات متطرّفة هي التي تتسبّب في استثارة الشبّان الذين يردّون بعنف. قتل البوليس الفرنسي شابّاً فرنسيّاً من أصول جزائرية في سيّارته، ومن غير المؤكّد كيف ولماذا، فخرج للاحتجاج على ذلك عشرات الألوف في باريس والإقليم، وراحوا يصرخون ويخرّبون المحلّات والبلديّات، فأخافوا أهاليهم قبل أن يُخيفوا السلطات.

كنّا نتحدّث عن ظواهر ومظاهر ازدراء القرآن والإسلام، فانتقلنا بسرعة إلى الحديث عن الهجرة وكيف تسهم في زيادة التوتّر وأحداث العنف.

لكن ما العلاقة بين الأمرين؟

لو كان الأمر جدالاً بين لاهوتيّين وجرى التحريض على مقدّسات الدين من جانب أولئك اللاهوتيين وقام أحد المستثارين بتمزيق القرآن لقلنا إنّه لا علاقة لأعمال تخريب الشبّان في باريس بتمزيق القرآن بالسويد. لكنّ الأمر الآن أنّه يجري في شوارع المدن الفرنسية منذ أيّام عنفٌ عظيمٌ، لأنّ فتىً جزائريّ الأصل قُتل على يد رجل بوليس فرنسي، وليست هذه المرّة هي الأولى. أمّا في السويد فإنّ مهاجراً من أصل عراقي أراد تمزيق القرآن أمام مسجدٍ تعبيراً عن كراهيته للدين الإسلامي ورموزه، فحماه البوليس وهو يقوم بفعلته الشنعاء لأنّ المحكمة طلبت أن لا تُقيّد حرّية الرجل في التعبير عن رأيه بهذه الطريقة! هو فعلُ كراهيةٍ يدعمه القضاء والبوليس. وهذا في السويد بلد الليبرالية وحقوق الإنسان والحرّيات الدينية، قبل انقلابات العقد الأخير، حيث تتغذّى الأحزاب الشعبوية الحاكمة على كراهية الإسلام.

طيّب، وماعلاقة فرنسا بذلك كلّه؟

منذ سنوات يحاول ماكرون ووزراء داخليّته “تنظيم” الإسلام بحجّة انعزال شبّانه وتطرّفهم، وينصرفون إلى منع الحجاب بالقوّة. وهكذا فإنّ سكّان الضواحي وشبابهم (وأكثرهم غير متديّنين) وهم يتعرّضون لضغوط البطالة وتخلّف التعليم وشراسة البوليس، يجري للأسف استثارة هويّتهم الدينية بحمق المسؤولين، وعلى رأسهم وزير الداخلية جيرالد دارمانيان الذي اشتهر بتصريحاته من فرنسا والولايات المتحدة ضدّ الإسلام السنّيّ باعتباره ديناً عنيفاً وإرهابياً. وقد سمعته أخيراً على التلفزيون وهو يصرّح بضرورة تطبيق العدالة، مع اعترافه بأنّ الشابّ الجزائري قُتل ظلماً وعدواناً.

إذا كان المهاجرون العرب في جيلهم الثالث يتبادلون العنف مع البوليس، فليس الأمر كذلك مع المسلمين الهنود، الذين لا يرتكبون حَدَث عنفٍ واحداً، لكنّ ملايينهم تتعرّض للعدوان المنقطع النظير من البوليس والمحاكم بالهند، والحزب الحاكم في المواسم الانتخابية يقيم مهرجانات يتهجّم فيها على الإسلام والمسلمين بحجّة أنّهم غرباء يأكلون خيرات الهند. وفي ميانمار إمّا التهجير أو القتل لأقليّة الروهينغا المسلمة. ومسلمو سينكيانغ بالصين يُحشرون في ما يشبه معسكرات الاعتقال لإعادة تربيتهم على الطاعة.

نستطيع أن نمضي طويلاً في تعداد الوقائع المعادية للإسلام ورموزه وللمسلمين في أنحاء كثيرةٍ من العالم. والعلّة الأساسية في ذلك منذ عقود هي ضخامة الأعداد وهول الجمهور. فالمسلمون في العالم تبلغ أعدادهم ملياراً ونصف المليار. وما يزال بين العرب مَن هو شديد الإقبال على الهجرة إلى أوروبا بالذات. وقد غرق الآلاف منهم في البحار قبل الوصول، وقبل أسبوعين مات ما يزيد على خمسمئة غرقاً أمام شواطئ اليونان.

لا أحد من عقلائنا يريد أن تخرب فرنسا على أيدي المراهقين، فهي تمثّل نصف حضارة العالم. نعم، هناك مشكلة، وليست فرنسا وحدها المذنبة

العنف العربي – الإسلامي

لا تأتي الهجرة فقط من العالم العربي، بل ومن سائر أنحاء إفريقيا. لكنّ شبّان العرب المستقرّين من الجيلين الثاني والثالث هم الأكثر عنفاً واستعصاءً على السلطات في أوروبا بالذات. والإعلامي البارز عبد الرحمن الراشد يُرجع تصاعد العنف والفوضى في فرنسا بالذات إلى ضعف السلطة المركزية. فالبلاد الفرنسية تغصّ بأناسٍ وجماعاتٍ من أصول مختلفة، والسلطات ما عادت قادرةً على الضبط والربط بدليل الثوران الدائم في الشارع من سائر الفئات. لكنْ، والحقّ يُقال، الثوران في أوساط المغاربة والجزائريين هو الأعنف: فهل دفعت إلى ذلك الضغوط السلطوية على الإثنية والدين، أم يحصل العكس، بمعنى أنّ الأوضاع الاجتماعية لهذه الفئة أو الفئات هي التي تدفع على الدوام إلى التمرّد؟!

لا أحد من عقلائنا يريد أن تخرب فرنسا على أيدي المراهقين، فهي تمثّل نصف حضارة العالم. نعم، هناك مشكلة، وليست فرنسا وحدها المذنبة. أمّا السويد إمبراطورية الليبرالية، وفيها ستمئة ألف مسلم، فالمسوؤلية تقع على حمق زعمائها الجدد الذين يتنكّرون لروح بلدهم ولعقله الإنساني.

منذ عام 2013 تاريخ اعتلائه السدّة البابوية، ينبّه البابا فرانسيس إلى ضرورة عدم تحويل الإسلام إلى مشكلةٍ عالميّة. وقد زار مصر مرّتين والمغرب وتركيا وبنغلادش تضامناً مع الروهينغا اللاجئين إليها من ميانمار. وقام بعملٍ غير مسبوق عندما وقّع وثيقة الأخوّة الإنسانية مع شيخ الأزهر بأبو ظبي ووثيقة مماثلة مع ملك المغرب. وهو في كلّ المناسبات يدعو إلى أخلاق الرحمة والجوار والضيافة والتسامح.

أمّا الواقع فهو أنّ الإسلام صار مشكلةً عالمية بالفعل، وليس منذ عام 2001، بل ومنذ تسعينيات القرن الماضي. حينذاك بدأت بذور العنف ضدّ العالم المعاصر، من أوساطٍ عربية سُمّيت “القاعدة”. والمجريات الأخرى المتلاحقة حتى اليوم معروفة. وهذا سببٌ أوّل.

أمّا السبب الثاني فهو اضطراب النظام العالمي ومتغيّراته، واضطراب نظام العيش فيه، والضغوط الاقتصادية والأمنيّة على الناس في البلدان المتقدّمة، فظهرت الشعبويّات في كلّ مكان، حتى في الولايات المتحدة والهند، وقبل ذلك في القارّة العجوز. وشعبويّات الخصوصية والتوجّس والإحساس بعدم الأمان تتّخذ من الهجرة العربية والإسلامية عدوّاً من جهة، وتفيد من وجود المهاجرين في التحريض على “الذنوب” التقليدية للمحافظين والليبراليين الذين تنكّروا لصفاء الهويّة من جهة أخرى. والنماذج لذلك كثيرة في السويد والنمسا وفرنسا والدنمارك أكثر دول أوروبا ليبرالية قبل عقدين، وقد صارت غاصّةً بأحزاب اليمين المعادية للمهاجرين.. واستطراداً المعادية للإسلام.

إقرأ أيضاً: فرنسا ماكرون على صفيح ساخن

كيف الخروج من النفق؟

كتبتُ كثيراً عن ثلاثة مطالب:

– استعادة السكينة في الدين.

– تجديد تجربة الدولة الوطنية.

– وتصحيح العلاقة بالعالم.

فمتى يحصل ذلك؟

ما يزال الخلاص بعيداً، والأمر كما قال أبو العلاء عن حبيبته:

فيا دارها بالخيف إنّ مزارها          قريبٌ ولكنْ دون ذلك أهوالُ.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…