كشفت وثائق أرشيفيّة أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي قام في عام 1972 بتسميم قرية عقربا جنوب نابلس لدفع الفلسطينيين إلى الرحيل عن القرية من أجل إقامة مستوطنة “غيتيت”. وأشارت الوثائق الأرشيفية التي نشرتها صحيفة “هآرتس” العبرية، والتي هي جزء من أرشيف الجيش الإسرائيلي وكشف عنها مشروع مركز “تاوب” الإسرائيلي الذي يعطي منحاً دراسية في جامعة نيويورك لطلاب الدكتوراه، إلى أنّ جيش الاحتلال استخدم طائرة رشّ مبيدات من أجل نثر مادّة كيمياوية سامّة تبيد المزروعات وتشكّل خطراً على حياة سكّان قرية عقربا من أجل دفع سكّان القرية إلى الرحيل.
هذا ويرصد مشروع مركز “تاوب” ويصنّف كلّ الموادّ التاريخية المتعلّقة بالمشروع الاستيطاني، وباتت وثائقه متاحة الآن، وتشمل آلاف الملفّات في الأرشيف الإسرائيلي وغيره التي كانت سرّية، وقال رئيس “مركز تاوب” البروفيسور رون تسفايغ إنّه أثناء تجميع الوثائق المتعلّقة بالمشروع الاستيطاني، أدرك الدور المركزي للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وليس اليمينية فقط، وإنّما جميعها.
ما يحدث الآن في الضفّة الغربية المحتلّة من إرهاب المستوطنين للفلسطينيين، وإقامة مستوطنات جديدة، وإنشاء بؤر استيطانية، هو تفرّع طبيعي لسياسات الحكومات الإسرائيلية الاستيطانية المتعاقبة، إضافة إلى حكومة الثالوث الجديد نتانياهو وسموتريتش وبن غفير التي تسعى إلى محو “الخطّ الأخضر” وتهويد كلّ الفضاء، من البحر حتى النهر، وتسمين الاستيطان وتكثيفه، بشكل علني هذه المرّة، وبغير مراعاة للحساسيّات الدولية.
قرّرت حكومة الاحتلال نقل مسؤولية تخطيط المستوطنات بالضفّة الغربية إلى ما يسمّى الوزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش، وهو ما يعني عمليّاً أنّ إجراءات التخطيط لن تتطلّب بعد الآن موافقة من المستوى السياسي
كان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير قد دعا من البؤرة الاستيطانية “أفيتار” إلى إقامة بؤر استيطانية عشوائية جديدة حين قال للمستوطنين: “سارعوا إلى التلال واستوطنوا فيها”.
في ما يشبه تبادلاً للأدوار، قالت أجهزة الأمن الإسرائيلية، في بيان مشترك لها، إنّ اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين بالضفّة الغربية المحتلّة إرهاب قوميّ يلحِق الضرر بالدولة العبرية. لكنّ السلوك على الأرض يشير إلى أنّ هذه الأجهزة متورّطة في دعم وحماية إرهاب المستوطنين.
من جهته، نبّه الخبير بالشأن الإسرائيلي الكاتب الفلسطيني طلال عوكل إلى أنّ “الجيش الإسرائيلي والأجهزة الشرطية تتبادل الأدوار مع ميليشيات المستوطنين، التي تلقّت توجيهات متكرّرة بضرورة امتلاك السلاح الناري، من ضمن سياسة تكاملية تديرها حكومة عنصرية فاشية تستعجل فرض السيادة على الضفّة والقدس”، وأضاف عوكل: “بعد عمليّتَيْ “جنين” و”مستوطنة عيلي” أعطت حكومة نتانياهو الضوء الأخضر لإقامة ألف وحدة سكنيّة في مستوطنة “عيلي”، وهو سلوك يؤكّد الشراكة الكاملة بين الدولة ومَن تصفهم بـ”الإرهاب القومي”.
تكثيف الاستيطان
في خطوة غير مسبوقة، على طريق تكثيف مشروع الاستيطان اليهودي في الضفّة الغربية، الذي يضمّ اليوم أكثر من نصف مليون مستوطن، وانفلاته من عقاله، قرّرت حكومة الاحتلال نقل مسؤولية تخطيط المستوطنات بالضفّة الغربية إلى ما يسمّى الوزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش، وهو ما يعني عمليّاً أنّ إجراءات التخطيط لن تتطلّب بعد الآن موافقة من المستوى السياسي ووزير الجيش الإسرائيلي.
إقرأ أيضاً: هستيريا إسرائيلية: واشنطن وطهران تتفاهمان
يفسح هذا القرار الطريق أمام إطلاق عملية استيطان واسعة في الضفّة الغربية، ولا سيما بعد إعلان سموتريتش نيّته نقل نصف مليون مستوطن إضافيين إلى الضفّة الغربية. ويقضي القرار بدفع مخطّطات بناء في المستوطنات من دون مصادقة المستوى السياسي الإسرائيلي، خلافاً للوضع القائم منذ 25 عاماً، بحيث لن تكون من حاجة إلى مصادقة المستوى السياسي من أجل طرح مخطّطات بناء استيطاني في الضفة الغربية المحتلّة في مجلس التخطيط الأعلى، التابع لوحدة “الإدارة المدنية” في جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال مرحلتَيْ إيداع المخطّط والمصادقة عليه نهائياً.
كانت الإجراءات المتّبعة سابقاً تقضي بأن يصادق رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الجيش على كلّ مرحلة في مخطّطات البناء على حدة، من خلال أربع مصادقات مختلفة أو أكثر تستمرّ لعدّة سنوات.
إلى ذلك أشارت قناة “كان” العبرية إلى أنّ الهدف من هذا التغيير هو “تطبيع” المصادقة على مخطّطات البناء في المستوطنات وجعلها شبيهة بالوضع في إسرائيل، أي داخل “الخط الأخضر”، حيث لا يصادق رئيس الحكومة ووزير الدفاع على أيّ مرحلة من خطط البناء.