لم يكن إنقاذاً لمصر… كان إنقاذاً للمنطقة

مدة القراءة 5 د

مرّت قبل أيام الذكرى العاشرة لثورة 30 حزيران المصريّة، التي كانت ثورة شعبيّة بدعم من الجيش المصري استهدفت التخلّص من حكم الإخوان المسلمين. لم يكن ممكناً التخلّص من حكم الإخوان الذي كان سيأخذ مصر إلى هاوية، لا مخرج منها يوماً، لولا الإرادة الشعبيّة المصريّة ولولا وجود دولة عميقة. عبّر عن هذه الإرادة الشعبيّة، وعن وجود الدولة العميقة، ملايين المصريين الذين نزلوا إلى شوارع القاهرة وغيرها من المدن لتأكيد رفضهم لنظام متخلّف أراد تنظيم الإخوان فرضه على كبرى الدول العربيّة بالتنسيق مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.

فرض أمر واقع
يظلّ أخطر ما في الأمر أنّ مصر التي كانت تنشر الفكر التنويري في المنطقة كلّها، باتت، إلى أبعد حدود، تحت تأثير الفكر الإخواني بعدما استطاع التنظيم استغلال مرحلة ما بعد سقوط نظام حسني مبارك وإيصال محمد مرسي إلى موقع رئيس الجمهوريّة. بدا ذلك واضحاً من سعي “الجمهوريّة الإسلاميّة”، في تلك المرحلة، إلى استغلال عامل الوقت لمصلحتها بهدف فرض أمر واقع في مصر على غرار ما فعلته في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
لا يمكن في هذا المجال تجاهل التأثير الإيراني في مصر وتأثير “حماس” التي تحكم قطاع غزّة على ما يجري في الداخل المصري. من المفيد العودة في هذا المجال إلى مرحلة السنوات الأخيرة من حكم  حسني مبارك التي شهدت تهريب أسلحة، مصدرها إيراني، إلى مصر ومنها إلى غزّة، عن طريق السودان. كذلك، شهدت تلك المرحلة تنسيقاً واضحاً بين الإخوان في مصر و”حماس” في غزّة.
كانت إيران حاضرة أكثر من أيّ وقت في مصر. لم يأتِ الرئيس الإيراني، وقتذاك، محمود أحمدي نجاد إلى القاهرة صدفة في تلك المرحلة. جاء الرئيس الإيراني بعد انتخاب محمّد مرسي رئيساً للجمهوريّة. جاء أحمدي نجاد في شباط  2013 وجال في القاهرة وقام بنشاط لافت، بما في ذلك زيارة للأزهر،  في وقت كانت هناك قنوات مفتوحة بين قياديين مصريين من جماعة الإخوان ومسؤولين إيرانيين.
الأكيد أنّه لا يجوز الاعتراض على أيّ حوار، من أيّ نوع بما في ذلك الحوار الشيعي – السنّيّ، بين أيّ جهتين في المنطقة. لكنّ الاعتراض كان على سعي إيراني إلى جعل مصر، عن طريق الإخوان، جرماً يدور في فلك “الجمهوريّة الإسلاميّة” لا أكثر.

مرت قبل أيام الذكرى العاشرة لثورة 30 يونيو المصريّة، التي كانت ثورة شعبيّة بدعم من الجيش المصري استهدفت التخلّص من حكم الإخوان المسلمين

لم تنقذ الثورة الشعبية مصر ولم تحُل دون سقوطها فحسب، بل ساهمت أيضاً في المحافظة على ما بقي من توازن في المنطقة في ضوء وقوع العراق تحت الهيمنة الإيرانيّة. ما حصل يوم 30 حزيران 2013، كان إنقاذاً لمصر من كارثة. لا يقتصر الأمر على مصر بمقدار ما يتعلّق بالمنطقة كلّها، خصوصاً تأثير ذلك على الخليج ودوله.

ثورة 30 حزيران ليست انقلاباً
ثمّة من يقول إنّ ثورة 30  حزيران 2013 كانت مجرّد انقلاب نفّذته المؤسّسة العسكرية. تظهر الوقائع أنّ مثل هذا الكلام ليس صحيحاً تماماً أقلّه لسبب واحد. يتمثّل هذا السبب في أنّ الناس نزلوا إلى الشارع ودعموا القوات المسلّحة في تصدّيها للنظام الذي سعى الإخوان إلى فرضه. كان لافتاً ما كتبته الزميلة أمينة خيري التي كانت على الأرض في القاهرة عن أحداث ذلك اليوم. قالت أمينة في مقال لها في “المصري اليوم”:
“في مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات، كتب المصريون والمصريّات تاريخاً من نوع مختلف. ولن أنسى طوال حياتي تلك المشاهد التي رأيتها بنفسي لسيّدات سبعينيّات (في السبعينات من العمر)، وهنّ جالسات على أرائك ومقاعد فى مداخل عماراتهنّ. كنّ يلوّحن بالأعلام ويهتفن: “يسقط يسقط حكم المرشد”، وإن لاحظن أنّ أحدهم يرمقهنّ بنظرة تنمّ عن رفض للهتافات المضادّة للإخوان يبادرن إلى الهتاف بعلو الصوت: “أيوه أنا بهتف ضدّ المرشد”. ولن أنسى كيف أنّ أمّهات كن يخشين على أبنائهنّ من النزول للمطالبة برحيل الجماعة المجرمة، فيتسلّلن خارج البيت للمشاركة في هدوء. وفي محيط الاتحادية تجد الأمّهات والآباء والأبناء أنفسهم في مربّع واحد. 30 حزيران “كاشفة”، وهذه هي صفتها الأكبر والأهمّ.

يعطي هذا المقطع نقلاً عن شاهد عيان فكرة واقعيّة للمشهد المصري في ذلك اليوم الذي لقي دعماً عربيّاً واضحاً كانت دولة الإمارات العربيّة المتحدة مع المملكة العربيّة السعوديّة والكويت في طليعته. باشرت الدول الثلاث التبرّع بمبلغ 12  مليار دولار لدعم مصر ومنع الانهيار.
تمرّ مصر، بعد عشر سنوات على تخلّصها من حكم الإخوان، بمرحلة مختلفة في ظلّ تحدّيات كثيرة تواجهها. لعلّ في مقدّم هذه التحدّيات تطوير النظام القائم كي يتماشى مع ما يمرّ فيه العالم والمنطقة. يكون ذلك عبر تمكين القطاع الخاص لعب دور أكبر في جلب الاستثمارات إلى مصر. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ مصر تجد نفسها، اقتصادياً، في وضع دقيق يحتاج إلى معالجة من نوع مختلف بعيداً عن عِقد الماضي القريب والبعيد… أي عن عقدة دور الجيش في تسيير أمور مصر. بكلام أوضح، ثمّة حاجة إلى مقاربة جديدة للوضع الداخلي المصري بما يتلاءم مع المعطيات الدوليّة والقوانين السائدة في العالم. في مقدّم هذه القوانين ضمان الاستثمارات وحرّية تحكّم من يستثمر في مصر بأمواله…

إقرأ أيضاً:عمرو موسى وتوم هانكس.. الحوار الوطنيّ في مصر

تحتاج مصر، في ضوء حجم التحدّيات الخارجية، خصوصاً تلك الناجمة عن الوضعين الليبي والسوداني وحتّى الوضع القائم في غزّة، إلى تمتين للجبهة الداخليّة. سيكون ذلك التحدّي الأكبر في أيّامنا هذه التي تبدو فيها الحاجة أكثر من أيّ وقت إلى قرارات شجاعة تسمّي الأشياء بأسمائها من نوع الاعتراف بأنّ الحلول التي استُخدمت في السنوات العشر الأخيرة لم تكن في مستوى التحدّيات لا داخلياً ولا خارجياً. لم تكن تلك الحلول فاشلة بمقدار ما أنّها تثبت أنّ إنقاذ مصر يحتاج إلى مزيد من الجرأة على كلّ صعيد… في بلد لا تنقصه الكفاءات في أيّ مجال من المجالات. 

 

لمتابعة الكاتب على تويتر:  khairallahkhai5@

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…