يُكرّر البطريرك بشارة الراعي أمام زوّاره خشيته من “التنفيذ التدريجي لمُخطّط إفراغ المواقع المارونية والمسيحية”، متحدّثاً عن “شغور مقصود في المؤسّسات المالية والعسكرية”.
مواقف الراعي التحذيرية التي تأخذ مكانها في بعض عظاته استدعت للمرّة الأولى ردّاً من الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في كانون الثاني الماضي نفى فيه “وجود أيّ مشروع خفيّ لإفراغ المواقع المارونية”.
الفراغ 6 و6 مكرّر
يقول مصدر مسيحي بارز لـ “أساس”: “لا يُمكن حصر بقعة الشغور الذي زَحَف إلى أعلى الهرم، أي رئاسة الجمهورية، بالملعب الماروني. بالأرقام هناك نحو 34 منصباً مسيحياً شاغراً في الإدارات والمؤسّسات العامّة من أصل 89 في مقابل نحو 40 منصباً شاغراً من أصل 90 مخصّصة للمسلمين. أمّا على مستوى المؤسّسات الدستورية والمواقع الماليّة والعسكرية فمقابل رئاسة الجمهورية الشاغرة هناك “فراغ” سياسي هائل في سدّة الزعامة السنّية وإدارة الطائفة لا تغطّيه التواقيع الثلاثة لرئيس حكومة تصريف الأعمال على المراسيم الصادرة عن الحكومة ولا حماية نجيب ميقاتي لـ “نادي الغولف”.
الحاكم المارونيّ
يضيف المصدر عينه: “إذا كان من حاكم فعليّ اليوم للبلد فهو “الماروني” حاكم مصرف لبنان رياض سلامة القابض على الرئة الماليّة للنظام، بعد كلّ “حفلة الخراب”، فيما لا أحد من دون استثناء قادر على جرّه إلى التنحّي جانباً أو أخذ قرار “وضعه بتصرّف الحكومة” إلى حين بتّ ملفّ ملاحقته بجرائم مالية واختلاس مال عام وتبييض أموال. على صعيد الرئاسة، إذا كان من معضلة فعليّة اليوم تعترض انتخاب رئيس للجمهورية فهي “العقدة المسيحية” وارتفاع المتاريس بين القوى المسيحية العاجزة عن التوافق على مرشّح واحد يُحرِج داعمي سليمان فرنجية”.
تتقاطع معلومات “أساس” عند ترويج ميقاتي المُنظّم لحقّ حكومته في تعيين بديل عن سلامة “إذا اقتربنا من الخطّ الأحمر”
في المحصّلة، يرى هذا الفريق أنّ الشغور لا يعرف “طائفة”، فهو يطال رئاسة الجمهورية و”البلديّات” بحكم التمديد لها، وحكومة تصريف أعمال عاجزة عن “الحُكم” الفعليّ، فيما رئيسها يقع في دائرة الشبهات، وهيئة محكمة تمييز معطّلة، وتشكيلات قضائية مجمّدة، إضافة إلى عشرات المديرين العامّين في الإدارات العامّة مع “خلطتهم” الطائفية المتنوّعة، ورئاسة الأركان الشاغرة في الجيش والمطوّبة للدروز، والشلل في مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي، والمجلس العسكري المعطّل في الجيش…
تحذير أميركيّ
ينطلق كُثُر من هذا الواقع مشيرين إلى مأزق يتجاوز مسألة الهاجس من إفراغ المواقع المارونية غير المبرّر إلى أزمة الآليّة التي ستحكم ملء الشغور في أكثر من موقع مسيحي حسّاس ربطاً باسم رئيس الجمهورية المقبل أو في حال عدم انتخابه.
يشير القريبون من بكركي إلى أنّ الهاجس الفعليّ للبطريرك الراعي يُترجَم بالخوف من تمدّد الفراغ الرئاسي ليشمل حاكمية مصرف لبنان (تنتهي ولاية رياض سلامة في تموز)، ثمّ قيادة الجيش (يُحال قائد الجيش جوزف عون إلى التقاعد بداية كانون الثاني المقبل).
وفق معلومات “أساس” رُصِدت في الآونة الأخيرة زيارات تحذيرية لمسؤولين أميركيين كرّروا أمام مرجعيات لبنانية عبارة: “ماذا ستفعلون في تموز؟”.
ثمّة واقعية طاغية لدى الأميركيين تدفعهم إلى وضع بند التمديد لرياض سلامة جانباً، فيما ملفّه القضائي مفتوح في أوروبا مع توجّه محتمل للادّعاء عليه فرنسيّاً منتصف الشهر الحالي.
لكن ماذا عن قدرة حكومة نجيب ميقاتي على تعيين بديل عن الحاكم المُلاحَق قضائياً؟ ماذا لو صَدر القرار بالادّعاء عليه؟ هل يكون التعيين solo أو ضمن سلّة من ضمنها المدير العام للماليّة ومفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان ونواب الحاكم مثلاً؟ وإذا افترضنا أنّه تمّ انتخاب رئيس للجمهورية خلال أسابيع فهل المدّة كافية لإتمام التعيينات الأساسية ومن ضمنها الحاكمية؟
شهران حاسمان
ثمّة شهران فقط يفصلان عن موعد نهاية ولاية سلامة الممدّدة منذ عام 2017. وحدها تسوية على شكل “معجزة” تقود إلى تعيين حاكم أصيل قبل “تقاعد” رياض.
بالواقع، لا يمكن تخيّل ضمن هذه المدّة القصيرة انتخاب رئيس للجمهورية، إجراء استشارات رئاسية لتكليف رئيس حكومة، ثمّ استشارات نيابية لتشكيل حكومة، ثمّ الاتّفاق على بيان وزاري، فعقد جلسة أولى للحكومة.
فعليّاً، من الآن حتى تموز، too late على مسار يُنتِج رئيساً ثمّ تعيينات يكون حاكم مصرف لبنان جزءاً أساسياً من سلّتها الأوسع، إلا إذا جرى اتفاق ضمنيّ بالتمديد تقنيّاً لسلامة (خلال أيام أو أسابيع) أو تطبيق المادّة 25 الواضحة من قانون النقد والتسليف التي تنصّ على “تسلّم نائب الحاكم الأول صلاحيات الحاكم بحال الشغور ريثما يُعيّن حاكم جديد”.
يفتح سيناريو “ضيق الوقت” المُسلَّم به تقريباً النقاشَ في احتمال بقاء الشغور الرئاسي وتداعياته على مصرف لبنان وقيادة الجيش.
وفق معلومات “أساس” رُصِدت في الآونة الأخيرة زيارات تحذيرية لمسؤولين أميركيين كرّروا أمام مرجعيات لبنانية عبارة: ماذا ستفعلون في تموز؟
تتقاطع معلومات “أساس” عند ترويج ميقاتي المُنظّم لحقّ حكومته في تعيين بديل عن سلامة “إذا اقتربنا من الخطّ الأحمر”. هو خيار يروّج له الأميركيون، ويدفع الرئيس نبيه بري باتّجاهه، ويُفضّله حزب الله مقارنة بباقي الخيارات، ومن أجله قد يشارك رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في جلسة حَسمه.
حتى الآن ما يزال اسم كميل أبو سليمان الأكثر تقدّماً في بورصة المرشّحين مع تسجيل امتعاض قوّاتي منه بعدما كان عُيّن وزيراً للعمل من ضمن حصّة معراب في حكومة سعد الحريري الأخيرة.
في هذا السياق يفيد قريبون من مراكز القرار أنّ برّي “يرفع السقف عالياً جدّاً في رفضه الصريح لتولّي نائب الحاكم الشيعي صلاحيات الحاكم الماروني في سياق الضغط لعدم تلقّف كرة نار قد تحمّل الفريق الشيعي، مع تسلّم وسيم منصوري، وزر سياسات رياض سلامة منذ بدء الأزمة وربّما قبلها، إضافة إلى خيارات ماليّة موجعة وخطيرة قد تُفرَض بعد تسلّم الأخير منصبه، وحتى لا يتمّ تقليب المعسكر المسيحي ضدّ الثنائي الشيعي”.
لكن مع ذلك، يفيد هؤلاء أنّه “إذا اضطرّ الأمر وسقطت جميع الخيارات فسيتسلّم نائب الحاكم وسيم منصوري مسؤوليات الحاكم ولن يقدّم استقالته ولن يتهرّب من تطبيق المادة 25 من قانون النقد والتسليف”.
غير أنّ الاتّجاه الأغلب، وفق المعلومات، هو تعيين حكومة تصريف الأعمال حاكماً جديداً ستكون الكلمة الفاصلة فيه للأميركيين أوّلاً، وسينتظر موافقة “لاحقة” عليه من رئيس الجمهورية المقبل ثمّ يكون قسم اليمين أمامه، مع تأكيد أوساط حكومية لـ “أساس” أنّ “من غير الممكن قَسم الحاكم اليمين أمام مجلس الوزراء مجتمعاً”.
ماذا عن قيادة الجيش؟
منذ فترة بدأت كواليس اليرزة وخارجها تتحدّث عن خليفة العماد جوزف عون في قيادة الجيش. ثمّة وقت مريح نسبياً يَفصل عن موعد إحالة الأخير إلى التقاعد، لكن من المؤكّد، وفق مطّلعين، أنّ اسم قائد الجيش المقبل سيدخل حتماً ضمن الصفقة الرئاسية.
في المعطيات أنّه على الرغم من استئثار سليمان فرنجية بالبورصة الرئاسية طلوعاً ونزولاً، ما يزال اسم قائد الجيش حاضراً في الكواليس كورقة لن تنتهي صلاحياتها إلا حين يُعرف اسم الرئيس.
إقرأ أيضاً: تحذير أميركيّ للبنان: الحلّ قبل حزيران أو الطوفان!
تغلي اليرزة منذ فترة بأسماء الضبّاط المُحتملين لترفيعهم إلى رتبة عماد، وأبرزهم مدير المخابرات الحالي العميد طوني قهوجي الذي في حال تعيينه سيشكّل سابقة لناحية تسلّم ضابط مخابرات قيادة الجيش، لكنّها “سابقة طبيعية” في سياق المقارنة مع تعيين العميد البحري إميل لحود قائداً للجيش.
سينشر موقع “أساس” لاحقاً ملفّاً عن الضبّاط المحتملين لقيادة الجيش. وهي أسماء تتمايز حظوظها في حال انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية أو عدم انتخابه.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@