يُجمِع عارفو النائب الياس بو صعب، من ضفّتي الحلفاء والخصوم، أنّ “بَرمة العروس” التي يقوم بها بين المقرّات السياسية والحزبية من الضاحية إلى معراب تصبّ في صحن “الشغل اليومي” على صورته في سياق استعراضي، والتمايز عن الإطار المعلّب لقيادة التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل. “شغلٌ” بدأه أصلاً مذ كان يحمل صفة نائب المتن لتتوسّع “مشاريعه” لاحقاً بعد انتخابه نائباً لرئيس مجلس النواب وبوصفه “رجل ثقة وتنسيق” لدى الرئيس نبيه برّي.
أقرّ بو صعب بـ “الطابع الاستكشافي” لجولاته على بكركي ومسؤولي حزب الله والقوات والتيار العوني والكتائب والاشتراكي والمردة، مع العلم أنّه منذ تبنّي حزب الله الصريح لترشيح سليمان فرنجية لم تغيِّر القوى السياسية حرفاً في مواقفها سلباً أو إيجاباً من ترشيح رئيس تيار المردة وسط تصلّب سعودي حادّ وتفرّج من واشنطن و”مغامرة” فرنسية لم تقُد إلى أيّ مكان حتى الآن.
ما حدن بدّو يحكي مع حدا
تموضعات سياسية شديدة الوضوح لا تحتاج إلى “الاستكشاف”، وبالتأكيد ليست زيارات القهوة والشاي وصُوَر المصافحات هي الكفيلة بإقناع حزب الله بالتخلّي عن ورقة فرنجية أو دفع سمير جعجع إلى الجلوس مع جبران باسيل للاتّفاق على مرشّح موحّد للرئاسة لفرض أمر واقع مسيحي على الجميع!
تفيد المعلومات في هذا السياق أنّ البطريرك بشارة الراعي الذي نَشِط على خطّ توحيد مواقف القوى المسيحية على مرشّح لرئاسة الجمهورية
مبادرة بو صعب الفَرديّة التي أخذت مباركة برّي وتَلت تحرّك النائب غسان سكاف كرّست معادلة: “ما حدن بدّو يحكي مع حدا”، مع تسجيل موقف مفاجئ لسكاف بدا بمنزلة تطويق لنتائج جولات بوصعب عبر حديثه عن “احتمال نجاح المعارضة في الاتفاق على مرشّح نهاية الأسبوع الجاري” مع ما يعني ذلك من طيّ صفحة المرشّح ميشال معوّض والذهاب نحو خيار سيكون التيار الوطني الحر حتماً خارجه.
مع ذلك، يُشكّك كثيرون في مسعى سكاف غير الناضج الذي تمحور حول الدفع باتجاه توافق المعارضة على اسم مرشّح، ثمّ ألزم الجميع بمهلة قصوى هي نهاية الأسبوع لإعلان الاسم من دون توافر معطيات صلبة تزكّي مشروع التوافق بين أطياف المعارضة.
في المقلب الآخر يقول مطّلعون: “من شبه المؤكّد أنّ مسعى بو صعب لن يقود إلى نتيجة أو خرق ما، لكنّه يدخل في سياق تحضير الأرضية لمخرج قد يكون قيد الطبخ”.
يرى مؤيّدو تحرّك بو صعب أن “ليس من السهل أن يتمكّن نائب اليوم من الجلوس مع محمد رعد وسمير جعجع وجبران باسيل في الوقت نفسه ضمن مسعى حواري. حتى بالشكل يبدو الأمر مفيداً في سياق كسر الحواجز، فيما كانت لافتةً زيارة السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي سبقت جولته على القيادات السياسية”.
مناخات مستجدّة تخلط الأوراق
يبدو هذا المشهد تفصيلاً داخلياً صغيراً أمام معطيات بارزة دفعت شخصية سياسية إلى الإقرار بوجود مناخات مُستجدّة تسمح بعملية خلط أوراق والقول: “إضافة إلى التغييرات الانقلابية في المنطقة رُصِد الدخول الأميركي الواضح على الخط من خلال رسالة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي إلى الرئيس الأميركي جو بايدن التي ذكرت بالاسم الرئيس نبيه بري كمعرقل للحلّ الرئاسي، وبيان وزارة الخارجية الأميركية الذي طالب برئيس “إصلاحي غير فاسد”، وحراك السفيرة الأميركية في مقابل تعثّر فرنسي دفع البعض إلى الحديث عن إعادة نظر في طرح باريس لترشيح فرنجية، فيما اكتسب موقف السفير السعودي وليد البخاري للمرّة الأولى طابع التلميح إلى عدم سكوت الرياض عن أزمة استمرار الفراغ الرئاسي”.
يقول مطّلعون: “من شبه المؤكّد أنّ مسعى بو صعب لن يقود إلى نتيجة أو خرق ما، لكنّه يدخل في سياق تحضير الأرضية لمخرج قد يكون قيد الطبخ”
الأهمّ في هذا السياق ما نقلته شخصية نيابية لبنانية زارت أخيراً واشنطن عن مسؤولين أميركيين من كلام يشبه التحذير عن أنّ “لبنان ليس مرئياً حتى الساعة على أجندة العواصم الكبرى، ومن ضمنها واشنطن التي لها أولويّاتها في المنطقة والعالم، وهناك مهلة قصوى حتى حزيران المقبل قبل نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان لوضع القطار الإصلاحي على السكّة وانتخاب رئيس للجمهورية يلقى قبولاً من الخارج وإلّا الطوفان. عندها قد يذهب اللبنانيون نحو أسوأ كارثة وقد لا يلتفت إليهم أحد”، وأشار هؤلاء إلى عدم وجود “قيادة واضحة في لبنان يمكن التعامل معها”.
ضمن المسار نفسه يجزم مصدر مطّلع على الملف الرئاسي داخلياً وخارجياً: “لم يعد بالإمكان تجاهل واقع أنّ المطلوب هو البحث عن المواصفات أو بروفيل المرشّح الرئاسي ومدى مطابقته للمعايير المطلوبة داخلياً ودولياً بعكس ما يُصنَع اليوم في كواليس القوى السياسية الغارقة في الاسم وليس المواصفات، وهي حالة تنطبق على جبران باسيل وسمير جعجع المهجوسين برفض أسماء معيّنة. فالخبرة المالية في الملفّات، والخبرة السياسية، والقدرة على التواصل، والخروج من منطق المَحاوِر هي مواصفات تضيّق كثيراً هامش الخيار بين سلّة المرشّحين وتحصرهم ضمن أصابع اليد الواحدة”.
إقرأ أيضاً: باسيل يتموضع حزبيّاً داعياً لحوار رئاسيّ
تفيد المعلومات في هذا السياق أنّ البطريرك بشارة الراعي الذي نَشِط على خطّ توحيد مواقف القوى المسيحية على مرشّح لرئاسة الجمهورية ذكر بالاسم النائب إبراهيم كنعان خلال لقائه النائب الياس بو صعب في بكركي، وتكرّر الاسم عينه على لسان البطريرك خلال استقباله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أخيراً.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@