“مسطرة بن سلمان” في القمّة العربيّة؟

مدة القراءة 5 د

القمّة العربية المقبلة في جدّة تكاد تكون أصعب القمم لعدّة أسباب:
1- طبيعة التحدّيات والصراعات والأزمات الحالية.
2- المتغيّرات الإقليمية والدولية الحادّة التي تفرض على الجميع سياسات ومواقف مناسبة لهذه التغيّرات.
3- رغبة الدولة المضيفة السعودية ومهندس هذه القمّة وليّ العهد السعودي في أن تكون قمّة أفعال لا أقوال.
يدخل وليّ العهد السعودي صاحب الدعوة هذه القمّة ولديه سبعة إنجازات مهمّة لا بدّ من التوقّف أمامها:
1- إنجاز الاتفاق الصعب مع إيران برعاية صينية.
2- الإصرار مع دولة الإمارات على تحديد كميّات الإنتاج وأسعار بيع النفط داخل “أوبك بلاس” بناء على مصلحة السوق والعناصر التقنية المحضة وبعيداً تماماً عن التأثيرات السياسية لواشنطن ورغبات إدارة بايدن.
3- إنجاز صفقة تاريخية مع الأميركيين بـ 37 مليار دولار لإنشاء أسطول شركة طيران الرياض.
4- دعم ليندسي غراهام أكبر منتقدي حكم الملك سلمان ووليّ عهده عقب صفقة الطائرات المدنية بسبب تأثير هذه الصفقة على خلق فرص عمل لمواطني دائرته الانتخابية.
5- النجاح في إنجاز عدّة اتفاقات هدنة في اليمن.
6- إنجاز أولى عمليات تبادل الأسرى في اليمن.
7- أداء الاقتصاد السعودي يُظهر مؤشّرات إيجابية في دلالة على تقدّم المخطّط المتوقّع.

الرسالة الواضحة: الدور السعودي الإقليمي لا يهدف إلى قيادة المنطقة، لكنّ عين وليّ العهد على دور أساسي بالدرجة الأولى في مجموعة العشرين

ومخطئ من يعتقد أنّ الرياض ما زالت تعالج الأزمات بدفتر الشيكات وتشتري الولاءات بالترضية المالية، سواء في السودان أو لبنان أو إيران أو أيّ أزمات أخرى، إلا إذا كانت تنطبق على مسطرة شروط وليّ العهد السعودي مهما تأخّر الوقت ومهما كانت كلفة التأخير.

المصالح السعوديّة أوّلاً
يؤكّدون في الرياض أنّه إن لم يكن الحلّ والإجراءات المواكبة مطابقة لمصالحنا فلا توجد قوّة ضغط في الكون سوف ترغمنا على القبول بها.
تنعقد قمّة الرياض وسط وقائع سبع:
1- لا توجد بقعة واحدة من العالم العربي خالية من التأثّر أو التأثير في الصراعات القائمة.
2- السودان على حافة حرب أهلية مدمّرة تؤثّر على الجيران العرب (مصر وليبيا) وعلى أمن البحر الأحمر (السعودية).
3- هناك دولة بلا رئيس وبلا حكومة وبلا انتخابات بلدية وعلى حافة الإفلاس، وهي دولة لبنان.
4- هناك رغبة في البحث عن أيّ إمكانية للتسويق السياسي لقبول سوريا في الجامعة العربية بعد تجميد عضويّتها وإعادة “تدوير” نظام الأسد داخل المنظومة العربية.
5- هناك وجود تركي في شمال سوريا وجنوب العراق، وهناك قوات مرتزقة من 8 دول في ليبيا.
6- هناك ستّ دول عربية تحت ضغط الآثار الاقتصاديه للحرب الروسية الأوكرانية التي كلّفت دول المنطقة ما لا يقلّ عن 85 مليار دولار تستحقّ في 18 شهراً المقبلة.
7- هناك حرب ومعارك بيزنطية وهرطقات بين 8 دول عربية على السوشيل ميديا تفرّق أكثر ممّا تجمع، وتجرح أكثر ممّا ترمّم.

تغيّر قواعد اللعبة
هناك متغيّرات في قواعد اللعبة يجب مراقبتها عن قرب وفهمها بعمق بهدف القدرة على التعامل السليم معها، وهي:
1- الاتفاق السعودي الإيراني الذي أُبرم الشهر الماضي في بكين برعاية صينية.
2- الانقسام والجدل العميق داخل المجتمع الإسرائيلي حول شكل النظام السياسي وأسلوب الحكم الدستوري، وآثار ذلك على هويّة الدولة ومستقبل السلام.
3- الانتخابات التركيّة وشكل الائتلاف الحاكم ومستقبل إردوغان وحزبه.
4- تطوّر التورّط الغربي في الحرب الأوكرانية الروسية بتوفير 1,500 حافلة عسكرية و250 دبّابة ونظم صواريخ حديثة وطائرات مقاتلة قاذفة بي 29.
5- صعود الدور الصيني على الساحة الدولية بعد التجديد الساحق الإجمالي للرئيس شي جينبينغ.
6- التنسيق الاستراتيجي الحديدي بين الرئيس شي جينبينغ والرئيس فلاديمير بوتين.
7- احتمالات أن تستقرّ المنافسة في السباق الرئاسي الأميركي على جو بايدن ودونالد ترامب إن لم تتدهور صحّة الأول أو تحجب الإجراءات القانونية الجنائية حقّ الأخير في الترشّح.

رؤية وليّ العهد السعوديّ للمنطقة
هناك مشروع مكمّل لرؤية وليّ العهد السعودي الاقتصادية 2030 له علاقة بطبيعة الوضع الإقليمي والمكانة الدولية.
يقولون في الرياض إنّ الأمير محمد بن سلمان الذي يسعى إلى تصفير المشاكل الإقليمية يهدف إلى خلق مناخ مؤاتٍ يكون فيه التقدّم الاقتصادي القائم على المشاركة الفعّالة والإيجابية لدول المنطقة هو القاطرة التي سوف يصنع بها مكانة متقدّمة لبلاده في مجموعة العشرين التي تلعب فيها المملكة دوراً أساسياً. وحتى يحقّق وليّ العهد السعودي هذه الرؤية بحذافيرها سيكون من الجوهري والضروري تحقيق استقرار أمنيّ إقليمي لا يهدّد هدنة في اليمن أو السودان ومداخل وممرّات التجارة ومسارات إمداد النفط والغاز من المنطقة إلى العالم.
رؤية الرجل واضحة: صفر مشاكل، تهدئة صراعات، مشروعات مشتركة قائمة على الفائدة المشتركة تُحدث انتعاشاً إقليمياً يشكّل مجموعه تأثيراً عالمياً على مستوى قواعد العالم الجديد.

إقرأ أيضاً: المعاني العميقة في تعيين محمّد بن سلمان رئيساً للحكومة السعوديّة؟

آخر ما تريده الرياض قمّة ذات بيان منسّق ومكتوب بعناية ومشدِّد على تضامن عربي غير موجود أو مصالحات مؤجّلة أو استقرار مفقود أو أمن جماعي وهميّ.
تقوم الرؤية البراغماتية للرياض في ظلّ قواعد اللعبة السعودية الجديدة على المصارحة والمكاشفة والمصالح المتكافئة. من هنا يتمّ بذل جهود غير تقليدية حتى تخرج القمّة بنتائج عابرة ومتجاوزة لما سبق من قمم، وهنا يكمن التحدّي.
الرسالة الواضحة: الدور السعودي الإقليمي لا يهدف إلى قيادة المنطقة، لكنّ عين وليّ العهد على دور أساسي بالدرجة الأولى في مجموعة العشرين.
“سماء العالم لا سماء المنطقة هي السقف!”.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@

مواضيع ذات صلة

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…

أكراد الإقليم أمام مصيدة “المحبّة” الإسرائيليّة! (2/2)

عادي أن تكون الأذهان مشوّشة خارج تركيا أيضاً بسبب ما يقوم به دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف رجب طيب إردوغان السياسي، وهو يدعو…

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…