فرنجية الجدّ والحفيد: طريق الرياض.. طهران؟

مدة القراءة 6 د

من تابع اللقاء التلفزيوني الأخير الذي اجراه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، لا بد أن يكون قد لفته كثرة حديثه عن المملكة العربية السعودية، ومدى حرصه على متانة العلاقة بها. وذلك على المستوى نفسه من الحديث عن أنَ فرنجية يعتبر نفسه أحد أفراد أسرة الأسد ومن صلب قوى الثامن من آذار.

قدم الزعيم الزغرتاوي نفسه على أنّه قادر أن يجمع في قلبه طرفيّن على غرار ما فعلت بكين أخيراً، بجمعها الرياض وطهران.

سلام وفرنجية قبل نصف قرن

قبل نحو نصف قرن، فتح سليمان فرنجية، جدّ مرشح “الثنائي الشيعي” الحالي، قلبه للعروبة التي تمتد من المحيط إلى الخليج عندما كان في القاهرة رائد القومية العربية الرئيس جمال عبد الناصر. وكان في الرياض الملك فيصل بن عبد العزيز الذي جعل الغرب يعود إلى عصر ركوب الدراجات الهوائية بعدما أقفل صنابير النفط تضامنا مع أشقائه في حرب عام 1973.

من تابع اللقاء التلفزيوني الأخير الذي اجراه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، لا بد أن يكون قد لفته كثرة حديثه عن المملكة العربية السعودية، ومدى حرصه على متانة العلاقة بها

كيف يمكن لسليمان الحفيد الوصول الى الرياض؟

ليس معروفا ما إذا كان زعيم “المردة” قد سمع من جده رواية وصوله إلى القاهرة. لكن هناك من يملك تفاصيل هذه الرواية: الرئيس صائب سلام.

ربما شاءت الصدف، أو تدبير ما، أن يصدر في 14 شباط الماضي كتاب صائب سلام “شخصيات لبنانية وعربية وعالمية عرفتها” عن “الدار العربية للعلوم ناشرون”. يغطي الكتاب معظم القرن العشرين. وفيه الكثير ما رواه زعيم بيروت الراحل عن أحوال مشابهة لاستحقاق الانتخابات الرئاسية في لبنان منذ العام 1943، عندما وصل بشارة الخوري إلى سدة الرئاسة الأولى ليكون أوّل رئيسا للبنان المستقل، وانتهاء بعهد الرئيس أمين الجميل الذي انتهت ولايته عام 1988.

في هذه المسيرة الطويلة والحافلة كانت هناك محطة تتعلق بوصول سليمان فرنجية الجد الى قصر بعبدا عام 1970، بعد محاولات شاقة تبيّن من خلالها ان صائب سلام كان له الدور الكبير.

عبد الحميد غالب وشهاب

للوقوف على الجهود التي بذلها سلام، تجدر قراءة ما ورد في الكتاب، في القسم الذي حمل عنوان “عبد الحميد غالب”. والأخير هو اللواء بالجيش المصري وعين سفيراً في بيروت عام 1955. وأصبح، كما كان شائعا في زمن رئاسة جمال عبد الناصر،  “صانع الملوك” في لبنان حتى 1967.

كتب صائب سلام في مذكراته يقول: “علاقة عبد الحميد غالب بـ(الرئيس) فؤاد شهاب كانت علاقة مخابراتية، وغير مبنية على أي أسباب جوهرية، سوى ان غالب كان ينظر إلى علاقة  عبد الناصر بشهاب على أنها تحالف دائم وثقة عمياء بالاخر. أضف إلى ذلك، أنَ غالب كان يشعر شعور الموظف أمام رئيس الجمهورية فؤاد شهاب”.

يضيف سلام: “في اعتقادي ان تقارير عبد الحميد غالب – وهو المخابراتي الأصيل – كان لها تأثير كبير في توثيق العلاقة بين عبد الناصر وشهاب. وبالطبع، فإن غالب، سيرا مع طبيعة الموظف، كان يريد أن يطلع عبد الناصر على ما يعرفه عن فؤاد شهاب، تيسيراً للتفاهم بينهما، لاسيما قبل اللقاء الشهير في الخيمة التي نصبت على الحدود بين لبنان والجمهورية المتحدة آنذاك (سنة 1958) في وادي الحرير وجمعت الرئيسيّن. إضافة إلى الرباط المهني العسكري كان يجمع بينهما. مع الفارق الكبير بين عبقرية عبد الناصر وسطحية فؤاد شهاب”.

ويشير الرئيس سلام إلى ان ما جمع بين عبد الناصر وفؤاد شهاب هو “المصالح التي تربط كليهما – كل بطريقة مختلفة -بالاميركيين”.

ويذكر أنّ “مقاومة عبد الحميد غالب لي، لترشيحي سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، كانت إرضاء لشهاب وتدخّلا سافرا، ليس فقط بين عبد الناصر وبيني، أو بين فرنجية وبيني، بل بين مصر ولبنان. ولم نكن لنسمح لعبد الحميد غالب بأن يسيء إلى العلاقة الصادقة بيننا وبين جمال عبد الناصر. وهي العلاقة القديمة المبنيّة على أسس من الرؤية المشتركة لمستقبل الأمّة العربيّة”.

لم يؤدِّ مسعى سلام في ذلك الزمن إلى وصول فرنجية إلى الرئاسة الأولى، بسبب النفوذ الشهابي والعلاقة المتينة بين عبد الناصر وشهاب. فكان ان وصل إلى الرئاسة الأولى عام 1964 شارل حلو، لكونه امتدادًا للعهد الشهابي

ناصر وهيكل وسلام

يروي سلام المزيد من القصص عن عبد الحميد غالب:

في عام 1965 “ذهبت الى مصر في زيارة خاصة ولم اعلن عن وصولي كالعادة، إذ كنت مستاء من تصرف عبد الحميد غالب باسم مصر في ما يتعلق بترشيح سليمان فرنجية. وبعد يوم أو يوميّن، تلقيت اتصالا هاتفيا من محمد حسنيّن هيكل، يسألني وقد فوجئ قائلا: أنت هنا؟ فقلت له: نعم. قال: ألم تقابل الرئيس (عبد الناصر)؟ قلت: لم اجد ضرورة لذلك، فمشاغله كثيرة، وليس عندي ما أقوله له، وأنا هنا في زيارة خاصة. فقال: هل تتكرم بتناول فنجان قهوة في (الاهرام) غدا؟ وكان من عادة الزعماء العرب الذهاب الى مبنى الصحيفة حتى قبل وجود هيكل فيها. وفي اليوم التالي ذهبت الى الجريدة وبرفقتي علي المملوك. ولم اكد آخذ مقعدي في مكتب هيكل حتى ذهب الى الباب وأقفله وقال: أيه ده؟ ده عبد الحميد غالب متجنن! لقد أطلعت اليوم على برقية منه للرئيس ينصحه فيها بعدم استقبال صائب سلام. وقد اتصلت بالرئيس ولم يكن قد اطلع على البرقية، وهو يريد ان يراك”.

وافق سلام على الذهاب لمقابلة عبد الناصر في منزله في الموعد الذي حدده له هيكل. وقال: “كان يجلس على الكرسي بلباسه العسكري، واخذ الحديث وقال: هل تقبل أن تأتي الى مصر بدون أن أراك؟ فأوضحت له كثيرا من الأسباب، ثم قلت له: لقد شبعت من تصرفات عبد الحميد غالب وأنت ساكت عنها”. وشرح سلام لعبد الناصر موقف غالب الأخير: “يوم رشّحت سليمان فرنجية  لرئاسة الجمهورية، وبعثت نسيم مجدلاني وحبيب كيروز وهما عضوان في كتلتي النيابية، وطلبت إليهما أن يأتيا بالعضو الثالث سليمان فرنجية كي نعقد اجتماعا مخصصا للترشح لرئاسة الجمهورية. وعندما اجتمعنا نحن الأربعة فاتحت سليمان فرنجية بالامر فدبّ فيه التخوّف، ثم قال: أنا أقبل بذلك شرط أن أذهب الى عبد الحميد غالب وأطلب اليه أن يستشير عبد الناصر. فإذا قبل ناصر اقبل. وإذا لم يوافق ألغى الترشيح، وأبقى في بيتي، لإن لعبد الناصر نظرة عربية شاملة ليست عندنا، وهو يعلم الفائدة من هذا الترشيح او عدمه. لكن عبد الحميد غالب لم يجب على سؤال سليمان فرنجية إطلاقا”.

وروى سلام: “طلب عبد الناصر مدير مكتبه سامي شرف وقال له: أبرق الان الى عبد الحميد غالب، كي يوجه الدعوة بإسمي لسليمان فرنجية لزيارة مصر ويأتي هو معه”.

العروبة وطهران

لم يؤدِّ مسعى سلام في ذلك الزمن إلى وصول فرنجية إلى الرئاسة الأولى، بسبب النفوذ الشهابي والعلاقة المتينة بين عبد الناصر وشهاب. فكان ان وصل إلى الرئاسة الأولى عام 1964 شارل حلو، لكونه امتدادًا للعهد الشهابي. لكن سلام في العام 1970 كان في قلب المساعي التي نجحت في إيصال الزعيم الزغرتاوي إلى القصر الرئاسي.

إقرأ أيضاً: سليمان فرنجيّة رئيساً.. “عضّة كوساية”

بعدما قرأنا رواية الرئيس صائب سلام، نتساءل:

الأمر لا يتعلق بسليمان فرنجية. فهو تفصيل في موضوع كبير يهم لبنان كما كان منذ قامت المملكة ونشأ لبنان. أما فرنجية الحفيد، فعليه ان يجيب على السؤال التالي: كيف يستطيع ان يثبت عروبته التي توصله الى الرياض، كما أثبت انتمائه الى محور طهران؟

مواضيع ذات صلة

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…