العشائر العربيّة تحمي الوطن تحت خيمتها

مدة القراءة 4 د

كما فعل أبناؤهم عندما دافعوا عن منازلهم وأعراضهم، دافع مشايخ العشائر العربية عن استقرار الوطن مانعين وقوع الفتنة. ففيما كانت المحكمة العسكرية تنظر بعين واحدة إلى أحداث خلدة مُصدرةً أحكامها المشدّدة بحقّ شباب العشائر، ضاربةً منطق العدالة وروحيّة فكرة الدولة الراعية لأبنائها، عبر تجاهلها أنّ ما حصل كان بين طرفين متنازعين يتحمّلان معاً مسؤولية ما حصل، وإن اختلفت موازين هذه المسؤولية، كانت العشائر العربية تثبت مرّة جديدة تمسّكها بمنطق الدولة والقانون جامعةً تحت خيمتها في خلدة الوطن بكلّ تلوّناته ومناطقه، قاطعةً الطريق على الفتنة الملعونة هي ومن يعمل على إيقاظها.

تمثّلت حكمة العشائر في التسامي فوق الجرح، ودفع المتهوّرين قبل العاقلين في القضاء والأمن والسياسة إلى إعادة حساباتهم، ووضْع حلحلة الملفّ تحت سقف القانون والدولة عبر بوّابة تمييز الأحكام الصادرة من أجل صنع اتفاق جديد، بعدما تمّ الطعن بالاتفاق السابق، مع ضمانات بأن لا يتمّ الطعن به مجدّداً، يقوم على:

1- تسريع جلسات التمييز.

2- العمل على مواءمة أحكام التمييز مع حقيقة ما حصل على الأرض لجهة المسؤوليات وحجم مشاركة الموقوفين بالأحداث بحيث يتمّ الإفراج عن عدد من الموقوفين غير المتورّطين بإطلاق النار المباشر على القتلى في الحادث عبر الاكتفاء بمدّة توقيفهم.

فيما كانت المحكمة العسكرية تنظر بعين واحدة إلى أحداث خلدة مُصدرةً أحكامها المشدّدة بحقّ شباب العشائر، كانت العشائر العربية تثبت مرّة جديدة تمسّكها بمنطق الدولة والقانون

3- تسليم من صدر بحقّهم أحكام مؤبّدة أنفسهم إلى القضاء، وهو أمر من شأنه أن يُسقط عنهم هذه الأحكام بشكل قانوني، وتتمّ محاكمتهم من جديد.

4- العمل على حلّ الإشكال بين العشائر العربية من جهة، وحزب الله من جهة أخرى، لترسيخ الاستقرار والأمن في منطقة خلدة.

حكمة العقلاء

لم يكن من الصعب تلمّس الغضب الكبير في أوساط العشائر العربية المنتشرة على خارطة الوطن انطلاقاً من مدينة صور الجنوبية، مروراً بالخطّ الساحلي بأكمله في الجيّة والسعديّات والناعمة وخلدة وبيروت، وانتهاء بقرى عكّار من دون إغفال البقاع، بسبب النكس بالوعود التي تلقّتها على صعيد ملفّ أحداث خلدة. وكاد هذا الغضب أن يتحوّل إلى فوضى تتسبّب بقطع الطريق الساحلي الجنوبي، وهو ما يشكّل حساسيّة ذات عواقب كثيرة. لكنّ مشايخ العشائر كانوا حاضرين عند الاستحقاق من خلال ضبط غضب الشبّان، وبخاصّة مَن تمّ الإفراج عنهم وذاقوا مصاعب التوقيف والتحقيق طوال ما يزيد على عام كامل. ثمّ كان الالتفاف الوطني حولهم من قبل نوّاب وشخصيات سياسية بالتضامن أو عبر المشاركة في الوقفة التضامنية تحت ظلال خيمتهم في خلدة. وفوق ذلك كلّه كانت متابعة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لكلّ التفاصيل والتطوّرات لحظة بلحظة، وهو ما شكّل احتضاناً وطنياً لهم، فبات ملفّ الأحكام الجائرة لا يعني العشائر العربية وحدها بل أصبح ملفّاً وطنياً يعني استقرار وأمن البلد.

لقد تمكّن المفتي دريان مع مشايخ العشائر العربية والنواب والشخصيّات الوطنية من وأد فتنة خلدة، قاطعين نصف الطريق، ويبقى النصف الآخر بعهدة قيادة الجيش والمحكمة العسكرية، إذ يكون استكمال وأد الفتنة بالاحتكام إلى العدالة نصّاً وروحاً وبتقديم الإجابات عن الأسئلة المبهمة.

إقرأ أيضاً: المحكمة العسكريّة: التخصّص بمعاقبة السُّنّة

نظر أحد مشايخ العشائر خلال وقفة خلدة التضامنية إلى القوى الأمنيّة التي حضرت لمنع حصول أيّ إشكال، فقال: “لو أُحضر هذا العدد من العناصر الأمنيّة إلى خلدة يوم الحادث ما كان ليحصل ما قد حصل”.

لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…