في مشهد يتماهى بالكامل مع العبثية التي تتحكّم بمسار إدارة الدولة منذ بدء تدحرج كرة الانهيار الكبير، احتفل مئات الضبّاط يوم الخميس الماضي بترقياتهم الصادرة… من عين التينة.
لم تكن تلك المحاولة الأولى لقائد الجيش العماد جوزف عون لدفع الرئيس نبيه بري إلى فكّ أسر توقيع وزير المال على ترقيات الضبّاط من رتبة عقيد إلى عميد العالقة منذ عام 2019، وبالتالي إنهاء المُشكل المُزمِن بين برّي ورئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي بدأ قبل أربع سنوات مع استحقاق ترقية ضبّاط دورة 94، المعروفة بدورة عون والتي مُنح ضبّاطها سنتين أقدميّة، ثمّ تراكم ترقيات ضبّاط دورتَيْ 1995 و1996، ويُضاف إليهم الضبّاط المستحقّة ترقياتهم من كلّ الرتب في 1/1/2023 و1/7/2023.
جرت آخر المحاولات من قبل قائد الجيش نهاية العام الماضي، فيما رُبِط هذا الملفّ على مدى سنوات بسلّة مطالب دخل على خطّها أكثر من وسيط وارتبطت بتعيينات وتوظيفات وصولاً إلى عمّال الأحراش، إلى أن قرّر برّي تمرير “باس” لقائد الجيش وسط نزاع كبير بين فريق مسيحي يتصدّره النائب جبران باسيل والثنائي الشيعي يرتبط بالترشيحات لرئاسة الجمهورية .
كان لافتاً في هذا السياق تفرُّد محطة OTV التابعة للتيار الوطني الحر بالإشارة إلى “رصد بعض المتابعين إشارة رئاسية من عين التينة، على خلفيّة ترقيات الضبّاط، التي شملت دورة 1994 العالقة بالنكد منذ عقود، على الرغم من أحقّية القضية”، فيما ربطتها محطة NBN التابعة لحركة أمل بـ “مسار حقوق الناس ومصالحهم، ولا سيّما العسكرية، حيث خلص الاجتماع الذي عقده الرئيس برّي مع قائد الجيش إلى التوافق على توقيع مرسوم ترقية ضبّاط من رتبة عقيد إلى عميد”.
وفق معلومات “أساس” سينعقد مجلس الوزراء قبل مغادرة الوفد الوزاري إلى بروكسل للمشاركة في مؤتمر النازحين منتصف حزيران
لماذا أفرَج برّي عن الترقيات أخيراً؟
وفق معلومات “أساس” أفرَجَ برّي عن الترقيات العالقة منذ أربع سنوات على خلفيّة معطيات مستجدّة، وذلك بعدما تمنّع وزراء المال المتعاقبون من علي حسن خليل إلى غازي وزني ثمّ يوسف خليل، عن توقيع ترقيات ضبّاط الجيش حصراً من جميع الدورات، الأمر الذي أعاق ترقية كلّ الضبّاط الآخرين الذين رفض الرئيس عون توقيع ترقياتهم من دون ضبّاط الجيش:
-أوّلاً، “لم تَقطَع” ترقية المدير العامّ للأمن العام بالوكالة الياس البيسري إلى رتبة لواء في مجلس الوزراء لدى الضبّاط العالقة ترقياتهم. شكّل الأمر استفزازاً كبيراً لهؤلاء، ثمّ تحوّل الأمر إلى “ضغط”، وتحديداً من قبل الضبّاط الشيعة، على برّي الذي فاتح لاحقاً بعض زوّاره قائلاً: “ما قادر احمِلها”.
في المعلومات أنّ البيسري حَمَل رأياً قانونياً من هيئة التشريع والاستشارات يفيد بحقّه بالحصول على كلّ امتيازات المدير العامّ بالأصالة، بما في ذلك رتبة لواء.
تمّ التنفيذ على طريقة الشغل الاعتيادية من جانب آل المر (المرجعية السياسية للبيسري) والرئيس برّي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في مقابل سكوت معبّر من جانب جبران باسيل. بالمحصّلة بات للمسيحيين ضابط برتبة لواء والسكوت واجب. مع العلم أنّه لم يسبق أن شهد مجلس وزراء ترقية ضابط يقوم بمهامّه بالوكالة لا الأصالة وأوشك أن يُحال إلى التقاعد، ثمّ مُدّد له بحجّة عدم بتّ وضع الاعتلال لديه الذي عمره 18 عاماً وهو ما حصل مع العماد ميشال عون قبل انتخابه رئيساً والعميد شامل روكز أيضاً. والأهمّ أن لا مشكلة أصلاً بالتراتبية العسكرية لأنّ البيسري هو الضابط الأعلى رتبة، وبالتالي لا داعي للترقية.
– ثانياً، بدت خطوة برّي سياسية بامتياز حين قرّر تجيير “تحرير” الترقيات لقائد الجيش في عزّ الكباش الرئاسي بين معسكرَيْ سليمان فرنجية وجهاد أزعور الذي قد يتوجّه التيار الوطني الحر خلال ساعات إلى إعلان تبنّي ترشيحه.
يقول مصدر معنيّ لـ “أساس: “هو خرقٌ من جانب برّي في الصفوف الخلفيّة للمشهد الرئاسي من خلال التمريرة الواضحة لقائد الجيش عقب زيارته لعين التينة، وكأنّه يقول لباسيل تحديداً: “قائد الجيش خيار رئاسي محتمل إن استمررت بمناورة جهاد أزعور”، وهو العالم بأنّ باسيل إن حُشِر بالزاوية يمشي بفرنجية (من دون أن يصوّت له) وليس قائد الجيش”.
– ثالثاً، مفاتحة قائد الجيش لبرّي بأنّ عدداً من ضباط الجيش تقدّموا بدعاوى أمام مجلس شورى الدولة لإقرار ترقياتهم، وذلك بعدما أصدر مجلس شورى الدولة بالإجماع بداية نيسان الماضي حكماً نهائياً في المراجعات المقدّمة من ضبّاط في قوى الأمن الداخلي قضى بترقيتهم من رتبة عقيد إلى عميد، متبنّياً من دون أيّ تعديل التقرير الأوّليّ للقاضي المُقرّر في “شورى الدولة” كارل عيراني. كما ألزم القرار الجهة المُستدعى ضدّها، أي الدولة، وهي في هذه الحال وزارة الداخلية وقيادة قوى الأمن الداخلي، بتنفيذ القرار فوراً. الأهمّ أنّ قرار “الشورى” لم يُنصِف فقط الضبّاط الذين تقدّموا بمراجعات، بل جميع الضبّاط في الأسلاك العسكرية والأمنيّة، وألزم الإدارة المعنيّة بالتنفيذ ومنح هؤلاء حقوقهم البديهية بعد وضعهم على جداول القيد.
يقول مصدر معنيّ لـ “أساس: “هو خرقٌ من جانب برّي في الصفوف الخلفيّة للمشهد الرئاسي من خلال التمريرة الواضحة لقائد الجيش عقب زيارته لعين التينة
كيف تُبتّ الترقيات رسميّاً؟
لكن ما هي الآليّة العمليّة لتنفيذ قرار عين التينة ببتّ الترقيات؟
صباح أمس وصل ضابط من الجيش إلى السراي الحكومي حاملاً مراسيم ترقيات ضبّاط الجيش موقّعة من وزير الدفاع موريس سليم بصيغة الـ 24 وزيراً. وهو ما دأب عليه سليم باعتباره من الفريق المقاطع لجلسات مجلس الوزراء ويوقّع “عن بعد” المراسيم المرتبطة بالجيش وزيادات الرواتب والتقديمات بصيغة الـ 24 وزيراً. ثمّ ما لبث وزير المال يوسف خليل أن وقّع بدوره المراسيم، مع العلم أنّ مراسيم ترقية ضباط قوى الأمن الداخلي والأمن العام وقّعها وزير الداخلية وستحال نهار الاثنين إلى وزير المالية.
إقرأ أيضاً: ماكينة باسيل تهاجِم “مجموعة الـ 5”: ترشيح كنعان يُفاقِم الخلاف!
مجلس وزراء قبل مؤتمر بروكسل
تُعتبر مراسيم الترقيات عاديّة ولا تحتاج إلى مجلس الوزراء، لكن بغياب رئيس الجمهورية يلتئم مجلس الوزراء لإصدارها بمراسيم وكالةً عن رئيس الجمهورية، فيما يوقّع ميقاتي ثلاثة تواقيع: كسلطة وصاية، وكرئيس حكومة، وبصفته ممثّلاً لمجلس الوزراء الذي اتّخذ القرار بالإصدار نيابة عن رئيس الجمهورية. وأقرّت الترقيات بمفعول رجعي ما يعني حفظ الحقوق المادية للضبّاط ودفع تعويضات نهاية الخدمة على أساس رتبة عميد منذ تاريخ استحقاقها وفق جداول القيد.
وفق معلومات “أساس” سينعقد مجلس الوزراء قبل مغادرة الوفد الوزاري إلى بروكسل للمشاركة في مؤتمر النازحين منتصف حزيران، وبالتالي لن يكون بنداً وحيداً على جدول أعمال جلسة الحكومة المقبلة.
يُذكر أنّ إقرار الترقيات بعد تأخير لأعوام شكّل ظلماً كبيراً لعدد من الضبّاط كانوا يستحقون الترقية إلى رتبة عميد لكنهم أحيلوا إلى التقاعد عن عمر 58 عاماً وكانوا لا يزالون برتبة عقيد.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@