في ساحة مدينة زنجان الرئيسية يقف نَصْب لا علاقة له بالسياسة ولا بالحروب وأبطالها. هذا النَصْب هو لرجل عجوز يجلس على كرسي وأمامه مكعّب زجاجي فيه درّاجة هوائية.
تقول الحكاية الشعبية في تلك المدينة الواقعة شمال غرب إيران إنّ رجلاً وضع درّاجة نارية عند رجل عجوز في سوق زنجان. وكان العجوز يُخرج هذه الدرّاجة كلّ يوم إلى باب دكّانه منتظراً أن يأتي صاحبها لأخذها. وبقي على هذه الحالة أربعين عاماً من دون جدوى حتى توفّي، فعمد تجّار السوق وسكّان المدينة إلى صنع تمثال له وهو جالس على كرسي الدكان، ووضعوا الدرّاجة في مكعّب زجاجي لتكون دليلاً على الوفاء والأمانة التي يمتاز بها أبناء مدينة زنجان.
حكاية يفتخر بها
علي رضا عنايتي الدبلوماسي الإيراني الذي سمّته الخارجية الإيرانية سفيراً لدى المملكة العربية السعودية، وُلد في تلك المدينة ذات الأكثرية الأذريّة التركيّة، وعايش قصّة ذاك الرجل العجوز، ويَنقلُ عنه أصدقاؤه العرب والأجانب في الدول التي عمل فيها دبلوماسيّاً، أنّه كان يتفاخر بسرد قصّة الرجل العجوز والدرّاجة في مدينته على كلّ من يلتقيه.
في ساحة مدينة زنجان الرئيسية يقف نَصْب لا علاقة له بالسياسة ولا بالحروب وأبطالها. هذا النَصْب هو لرجل عجوز يجلس على كرسي وأمامه مكعّب زجاجي فيه درّاجة هوائية
لا يشبه علي رضا عنايتي الكثير من الدبلوماسيين الإيرانيين، وبخاصّة الرعيل الذي جاء بعد ثورة الخميني. ينتمي إلى الدبلوماسية الإيرانية التقليدية، وبدأ حياته المهنية في وزارة الخارجية الإيرانية عام 1974، أي قبل 5 سنوات من قدوم الخميني على متن طائرة فرنسية ليعلن سقوط نظام الشاه.
بنى علي رضا عنايتي شبكة كبيرة من الصداقات التي لم يسبق لدبلوماسي إيراني أن بناها، وبخاصّة في الكويت حيث كان سفيراً، وفي باكستان والعراق وليبيا وإندونيسيا.
تميّز بمواقف لم يجرؤ على اتّخاذها أيّ دبلوماسي آخر، فكتب عام 2015 في موقع “الشاهد” تحت عنوان “إطفاء النار“: “تسلّمت قبل أيام شاكراً رسالة من الأخ نزار محمد العدساني الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية تتضمّن دعوة كريمة إلى المشاركة في حفل إطفاء البئر الأخيرة من الآبار المحروقة في الكويت في عام 1991، والتي ساهمت في إطفائها دول محدَّدة، منها الولايات المتحدة وفرنسا والصين والجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذه المبادرة الطيّبة تقوم بها الكويت لاستذكار واستحضار الماضي”.
حيث لا يجرؤ الآخرون
أضاف أنّ “الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلافاً لما يروّجه البعض الذين يسوّقون المتاع القديم عند الناس وينفثون في عقدة اليأس ويعزفون علي أوتار الانغلاق، تفتح اليوم ذراعيها لجيرانها وتعارض بشدّة إشعال نيران الحروب والفتن والأوهام وزرع الكراهية المذهبية والقومية، وكما قامت بإخماد نيران آبار النفط قبل خمس وعشرين سنة تحاول اليوم جاهدة لإخماد نيران الفرقة والتشرذم والطائفية.
إنّ فتح الحدود وإطفاء النيران ومساعدة الأشقّاء ونسيان الجفاف ولمّ الشمل والتركيز علي الهدوء في الساحات المتأثّرة بالتجاذبات الإقليمية والدولية تشكّل جوهر وصميم القرار في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وطبيعة علاقاتها مع جيرانها وفي مقدَّمها الكويت، ولا تتحمّل هذه العلاقات الطيّبة المزايدة علي قضايا نحن في غني عن استذكارها”.
لم تتوقّف آراء عنايتي عند هذا الحدّ، بل كتب عام 2018 في مركز الصحراء للدراسات والاستشارات تحت عنوان “أصبح شيئاً من الماضي”: “كثر الحديث خلال الفترة الأخيرة عن موضوع غريب ومرير، ويراوح بين تصديق البعض وتكذيبه، وذلك بعدما انتهى مفعول شعار المدّ الصفويّ الذي تمّ تسويقه لسنوات، ألا وهو الحديث المكثّف عن هيمنة إيران على المنطقة واستيلائها على عواصم عدّة فيها وإحيائها إمبراطورية فارس.
بنى علي رضا عنايتي شبكة كبيرة من الصداقات التي لم يسبق لدبلوماسي إيراني أن بناها، وبخاصّة في الكويت حيث كان سفيراً، وفي باكستان والعراق وليبيا وإندونيسيا
إنّ محاولة إسناد وإثبات ما يقوله بعض المتابعين للشأن الإيراني عن هيمنة إيران على الإقليم وإحياء إمبراطورية فارس، قد لا تؤتي ثمارها نتيجة عدم الاكتراث لمصادر تلي الأقوال ودلالاتها.
ولو تيسّر الأمر لظهر أأنّ ما صدر من قول أو كلام أو تصريح عن إمبراطورية إيران أو استيلاء إيران على عواصم عدّة، جاء على لسان أشخاص ليست لهم أيّ صفة رسمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولا يُعتبر كلامهم موقفاً رسمياً في سياسة إيران الخارجية”.
عنايتي يشبه اتّفاق بكين
علي رضا عنايتي يشبه اتفاق بكين، كما أنّ هذا الاتفاق الذي جمع السعودية وإيران يشبه علي رضا عنايتي. وما اختياره لتلك المهمّة كسفير لإيران في السعودية إلّا دلالة على حرص إيران على اتفاق بكين.
إقرأ أيضاً: ثلاثة أشهر على الإتفاق السعودي – الإيراني
من هو علي رضا عنايتي؟
وُلد علي رضا عنايتي عام 1953. تتمثّل شهرته في كونه دبلوماسياً إيرانياً ذا خبرة واسعة ومؤهّلات عالية في العمل الدبلوماسي، ويُعتبر من الشخصيات البارزة في الدبلوماسية الإيرانية التي شغل فيها خلال عقود من الزمن مناصب مختلفة تشمل تمثيل إيران في المفاوضات ذات الصلة بتفاهم جنيف في 2012 ومنصب سفير إيران في الجمهورية الإسلامية الباكستانية من 2013 إلى 2018، وهو سفير الدولة الإيرانية في المملكة العربية السعودية.
لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@