صاغت المملكة العربيّة السّعوديّة كلّ اتّفاقاتها في المنطقة وفق سياسة “الخطوة مُقابل خطوة”. لكنّ الأساس بالنسبة إلى المسؤولين السعوديّين هو “الأمن” قبل “السياسة”. ولهذا سبقت الخطوات الأمنيّة السورية، وستظلّ تسبق، “التقريش السياسي” في العلاقة مع الرياض.
أمّا على الجانب السوري فيقول العائدون من زياراتٍ للشام إنّ آل الأسد يريدون من هذه العلاقة هدفين لا ثالث لهما:
1- تفويض عربي يعيد لدمشق الملفّ اللبناني وإدارته ولو بعد حين.
2- وساطة الخليج لتطبيع الغرب مع آل الأسد.
لكلّ هذا اشترطت السعودية أوّلاً وقف تهريب الكبتاغون. وهذا كانَ محلّ نقاشٍ بين القيادتين السّياسيّتَيْن في الرّياض ودِمشق، ثمّ بين المسؤولين الأمنيّيْن في البلدين: رئيس الاستخبارات السّعوديّة الفريق خالد الحميدان ومدير الاستخبارات العامّة السّوريّة اللواء حسام لوقا، وذلك في اللقاءات التي عُقِدَت بينهما قبل وبعدَ عودة العلاقات بين السّعوديّة وسوريا.
صاغت المملكة العربيّة السّعوديّة كلّ اتّفاقاتها في المنطقة وفق سياسة “الخطوة مُقابل خطوة”. لكنّ الأساس بالنسبة إلى المسؤولين السعوديّين هو “الأمن” قبل “السياسة”
استبقَ الرئيس بشّار الأسد لقاءه مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتقديم معلوماتٍ لجهازَيْ الاستخبارات السّعوديّ والأردنيّ عن شحنات مُخدّرات وتُجّارٍ وُمهرّبين، ظهَرت ثمارها في تنفيذ سلاح الجوّ الأردنيّ هجمات جوّيّة قتلت تاجر المُخدّرات الأبرز في جنوب سوريا مرعي الرّمثان. ومرّر السوريون معلوماتٍ أمنيّة “قيّمة” للجانب السعودي، ساهمت في توقيف شحنات مُخدّرات بـ”الجُملة”.
طمأنينة أمنيّة متبادلة
في لبنان، ساهمت “الإيجابية” السورية في دفع الفرقة الرابعة التي يقودها اللواء ماهر الأسد، شقيق بشّار، إلى محاصرة خاطفي المواطن السعودي مشاري المطيري الذي اختُطِفَ من لبنان ووصلَ إلى بلدة “حاويك” السّوريّة قرب الحدود مع لبنان، حيثُ يُحكِم الحزبُ قبضته الأمنيّة والعسكريّة. بعدها أمهلت الفرقة الرابعة أبرز المطلوبين المختبئين على جانبها من الحدود 48 ساعة للخروج إلى لبنان. بعضهم ذهب باتجاه جرود لبنان، وبعضهم الآخر فضّل الهرب إلى العراق.
هكذا دقّت ساعة ضبطِ الأمن المُنفلِتِ من حدود لبنان مع سوريا وصولاً إلى جنوبها حيث الأردن. لم يعُد هذا مُجرّد كلام، بل وصلَ إلى أفعالٍ ووقائع تترجمها دِمَشق من ريف القصير على الحدود مع لبنان، وصولاً إلى معبر جابر – نصيب على الحدود مع المملكة الأردنية الهاشمية.
بحسب مصدرٍ مُقرّب من دِمشق، جاء هذا التطوّر الأمني في إطارَيْن:
الأوّل: طمأنة السّعوديّة أمنيّاً إلى أنّ سوريا مُلتزمة بتعهّداتها اتجاه المملكة.
الثّاني: التّنسيق الكامل مع الحزب الذي تابَع تحرُّك الفرقة الرّابعة منذ وصول المخطوف السّعوديّ إلى الأراضي السّوريّة.
هكذا يبدو واضحاً أنّ عودة العلاقات بين الرّياض ودِمَشق لم تكُن من دون مُقابلٍ واضح وفق معادلة “الأمن ثمّ السّياسة”.
تُؤكّد معلومات “أساس” أنّ الفرقة الرّابعة فكّكت عشرات مصانع الكبتاغون في مناطق القصير بين لبنان وسوريا وفي منطقتَيْ درعا والسّويداء المُحاذيتَيْن للحدود الأردنيّة
الأمن.. في حضرة بن سلمان
كانَ الأمن حاضراً في اللقاء الذي جَمَع بن سلمان مع الأسد على هامش القمّة العربيّة التي عُقِدَت في الرّياض قبل أسابيع. وبحسب مصادر مُقرّبة من الرّئيس السّوريّ، كانَ الأخير مُرتاحاً جدّاً للقائه مع وليّ العهد السّعوديّ. وهو يعتبرُ أنّ إعادة وصلِ ما انقطَع مع الرّياض ينبغي أن “يُرمَّمَ” بالأمن أوّلاً.
في هذا السّياق أيضاً، تُؤكّد معلومات “أساس” أنّ الفرقة الرّابعة فكّكت عشرات مصانع الكبتاغون في مناطق القصير بين لبنان وسوريا وفي منطقتَيْ درعا والسّويداء المُحاذيتَيْن للحدود الأردنيّة.
ما تريده سوريا من السعودية في السياسة تستعجله بتقديماتها الأمنيّة. إذ تُريدُ دمشق أن يُثمرَ جهدها الأمني في السّياسة تفويضاً عربيّاً لها في الملفّ اللبنانيّ على أساس مُعادلة جديدة لا تُطلِق عليها دمشق اسمَ “سين – سين” بل “سين – سين – حاء”، أي السّعوديّة وسوريا والحزب، بحيث تكون دِمَشق “ضابط” العلاقة بين الحزب والدّول العربيّة.
لئن يبدو هذا الطّرح بعيدَ المنال حاليّاً ويقع في الحقل المعجميّ للخيال السياسي، إلّا أنّه محطّ تفكيرٍ جدّيّ في عاصمة الأمويّين، التي تطمَعُ بمقابلٍ سياسيّ لقاء ضبطها لمصادر القلق الأمنيّ خليجيّاً، وذلك على إيقاع استعادة الحرارة إلى العلاقة السعودية – الإيرانية، وجديدها اليوم افتتاح سفارة إيران في المملكة.
الأسد يريد “الغرب”
يُعوّل الرّئيس السّوريّ أيضاً على دورٍ خليجيّ أوسع في الوساطة بينه وبين الولايات المُتّحدة الأميركيّة. وهذا أيضاً ما طلبه الجانب السّوريّ من السّعوديّين خلال اللقاءات بين الجانبَيْن.
تُراهنُ دمشق على أنّ المملكة تستطيع أن تلعبَ دوراً في الوساطة بينها وبين واشنطن أكبر من ذلك الذي تلعبه سلطنة عُمان. وتُريدُ أن تعطي في الأمن لتحصل في السياسة تطبيعاً مع الغرب يرعاه العرَب.
إقرأ أيضاً: الثنائي الشيعي: ترشيح أزعور هدفه انتخاب قائد الجيش
يعرفُ القائمون على النّظام في دمشق لعبة “تقريش الأمن في السّياسة”. فهذه حرفةٌ امتهنها النّظام السّوريّ منذ دخوله حرب الخليج الثّانية تحتَ المظلّة الأميركيّة للدّفاع عن أمن الخليج مُقابل سيطرته على لبنان، ولم يَحِد عنها طوال سنوات امتهانه حرفة “محاربة المتطرّفين”، التي بها أخمد الثورة السورية وعزلها غربياً. وها هو اليوم يُريدُ أن يقايض وفق السياسة نفسها، لكن باسمٍ وعلامةٍ تجاريةٍ جديدين، عنوانهما “الكبتاغون” الذي يُقلق مجتمعات الخليج و”قوانين” أميركا.
يتستّر قلق الولايات المتحدة من شحنات المُخدّرات السّوريّة على قلق آخر مرتبط بمصير الصحافي المفقودِ في سوريا أوستن تايس، وهُنا يكمن السّرّ الذي يُراهنُ الأسد على أن يُمرّرَه عبر الخليج إلى الولايات المُتحدة الأميركيّة. لذا كانت التشريعات الهادفة لتقويض تجارة الكبتاغون في واشنطن تخرج واحداً تلوَ آخر لتحقّق هدفَين معاً، فيما الرئيس السوري صار حاضراً لتلبيتهما معاً مقابل رفع العقوبات وهو أمر لن يحدث في المدى المنظور على الأقل.
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@