في مقال سابق بتاريخ 5 آذار الماضي، كتبنا في “أساس” من واشنطن: “اليوم في لبنان كلام خارج السياق ومحاولات تسويق ورفع أسهم لمرشّحين يدرك المعنيون بأنّ حظوظهم صفر حتى الساعة. ولهذه المحاولات أثر في الدبلوماسية. فهل يوضع مقرّبون من مسؤولين يحاولون عرقلة الرئاسة على لائحة العقوبات؟ أم تصلهم رسائل كما وصلت إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟”.
يبدو أنّ هذا هو مسار الأمور خلال المرحلة المقبلة. إذ توحي الأجواء في العاصمة الأميركية باستمرار العقوبات على المتّهمين بالفساد وعرقلة العملية الديمقراطية، وسط احتمالات أن تطال هذه العقوبات مقرّبين من رئيس مجلس النواب نبيه برّي بعد حين.
في لحظة سياسية بالغة الدقّة وصل فيها جنون ملف رئاسة الجمهورية إلى حدوده القصوى بين القوى المتخاصمة، ذهبت الولايات المتحدة الأميركية بعيداً جدّاً، تماماً كما سبق أن فعلت في محطات سابقة فرضت فيها عقوبات على الأخوين رحمة.
توقيت العقوبات شديد الدقّة لأنّه تزامن مع جولة الموفد القطري على القيادات اللبنانية. فقطر معروفة بعلاقتها الاستثنائية مع أميركا، وبأنّها تنسّق في الملف الرئاسي، وتحديداً خلال هذه الزيارة، مع السعودية. وقطر أيضاً عضو “اللقاء الخماسي” في باريس. وها هي أميركا، الشريك الأساسي في “اللقاء الخماسي”، “توقّتُ” عقوباتها مع وجود مندوب “اجتماع باريس الخماسي” في بيروت.
تشير المعلومات إلى أنّ الأجواء الدبلوماسية ضاقت ذرعاً من الكسل اللبناني، ومن الكذب والتذاكي في التعامل مع الملفات الحساسة
لمن يعرف الأخوين ريمون وتيدي رحمة، يعرف أنّهما ارتبطا سياسياً بأكثر من قوة سياسيّة على مرّ السنوات. لكنّهما اليوم أقرب إلى المرشح الرئاسي الذي رشّحه ويدعم ترشيحه الثنائي الشيعي، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
رسالة إلى المسيحيّين؟
نائب وزير الخزانة الأميركية براين نلسون قال ردّاً على سؤال عن علاقة قرار فرض العقوبات على الأخوين رحمة له بتوجيه رسالة إلى فرنجية: “لا علاقة للعقوبات عليهما بعلاقتهما بسياسيين”، على الرغم من أنّ بيان الوزارة تحدّث عن أنّ الأخوين رحمة ساهما بثرواتهما في تقويض العملية الديمقراطية.
تساؤلات كثيرة طرحت على مر العهود حول ارتباط الأخوين رحمة بالقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والمردة. وهي الأحزاب المسيحية التي تجنبت زيارتهم مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربرا ليف، خلال جولتها الأخيرة في لبنان.
فهل من صلة بين الأمرين؟
ربّما. لكنّ الأكيد أنّ أكبر الخاسرين من وضع هذه العقوبات هو فرنجية، الذي جاهر بصداقته مع الأخوين قائلاً إنّه لا يستحي بذلك. أمّا جعجع فسبق أن أعلن أنّ علاقته مقطوعة بالرجلين بعدما كانا يموّلان مهرجانات الأرز الذي تنظّمه ستريدا جعجع. وقال جعجع في لقاء مع الزميل مرسيل غانم إنّ الأخوين قريبان له ومن بلدته بشرّي، لكنّه لم يتدخّل يوماً مع رئيس الحكومة سعد الحريري أو مع وزارة الطاقة التي تعاملا معها تجارياً. أمّا التيار الوطني الحر فكان أول من أثار ملف الفيول المغشوش في الإعلام والقضاء عبر القاضية غادة عون، وحصلت يومها مواجهة شرسة بين جبران باسيل وسليمان فرنجية، على الرغم من الكلام عن فوز الأخوين رحمة عام 2019 بمناقصة لاستيراد البنزين عبر وزارة الطاقة المحسوبة على التيار في عهد الوزيرة ندى البستاني، ثمّ بعد مسار قضائي أُقفل الملف بين الفريقين.
يبدو أنّ الرسالة في خلاصتها مسيحية أولاً قبل أن تنتقل إلى الساحات الأخرى. إنّها رسالة قطعت الطريق على فرنجية رئيساً، وقطعت الطريق على سمير جعجع وجبران باسيل الطامحين إلى أن يكونا صاحبي القرار الرئاسي، لأنّ أيّ رئيس للجمهورية مقبل على لبنان سيكون من خارج هذه المنظومة المكبّلة بالعقوبات وشبهات الفساد.
خلاصة القول أنّ كلّاً من القوى المسيحية الثلاث كانت لها علاقة في وقت ما مع الأخوين رحمة.
تتحدّث مصادر دبلوماسية عن أنّ المسؤولين اللبنانيين يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر وكأنّها حفلة تذاكي وهروب إلى الأمام
فماذا في التفاصيل؟
فرضت الخزانة الأميركية عقوباتٍ اقتصادية على كلّ من الأخوين ريمون وتيدي رحمة، مالكَي شركة ZR energy الشهيرة ومتفرّعاتها في الإمارات العربية المتحدة وسويسرا. مضمون قرار الخزانة الأميركية مبنيّ على مناقصة فاز بها الأخوان رحمة لاستيراد الفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان نيابة عن وزارة الطاقة والمياه. وهو ما عُرف لاحقاً بقضية الفيول المغشوش. الخزانة الأميركية لم تكتفِ بوضع الرجلين على لائحة العقوبات، بل وضعت أيضاً شركة ZR energy DMCC المسجّلة في الإمارات العربية المتحدة وسويسرا وشركة ZR group holding المسجّلة في بيروت وشركة ZR logistics المسجّلة في بيروت. اعتبر القرار أنّ الأخوين رحمة “استخدما ثروتَهما ونفوذَهما وقوّتَهما للمشاركة في أعمال فساد والمساهمة في إضعاف حكم القانون في لبنان، وبالتالي إضعاف العملية الديمقراطية على حساب الشعب اللبناني”.
في أحد المؤتمرات الصحافية القليلة الذي عقده رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في 11 أيار 2020 قال سليمان فرنجية: “ريمون وتيدي أصدقائي من 40 سنة، وريمون رحمة صديقي وأخي، نسافر معاً ولا أخجل من ذلك، وضميري مرتاح. حاول جبران باسيل أن يستميلهم وما حبّوه”. ليس الأمر تفصيلاً في هذا التوقيت. فعلى الرغم من أنّ القرار الأميركي يتحدّث عن تهم فساد، إلا أنّه يتحدث أيضاً عن تقويض العمل الديمقراطي وسير عمل المؤسسات. لا بدّ من التوقّف خلال قراءة هذا القرار عند علاقة الأخوين رحمة بالمرشح فرنجية، والكلام عن أنّهما يدعمانه إلى جانب رجال اعمال آخرين ليفوز بالسباق الرئاسي.
إقرأ أيضاً: الحزب يبتعد عن أزعور… و”يغازل” قائد الجيش
العالم “ضاق ذرعاً” بلبنان
تشير المعلومات إلى أنّ الأجواء الدبلوماسية ضاقت ذرعاً بالكسل اللبناني، والكذب والتذاكي في التعامل مع الملفات الحساسة. تتحدّث مصادر دبلوماسية عن أنّ المسؤولين اللبنانيين “يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر وكأنّها حفلة تذاكٍ وهروب إلى الأمام”.
لا هروب إلى الأمام بعد اليوم لأنّ مسار العقوبات مستمر إلى حين انتظام ليس فقط الرئاسة الأولى بل كلّ المؤسسات الدستورية.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@