خيار سليمان فرنجيّة لذيذ… خيار الفراغ أكثر لذّة

مدة القراءة 5 د

أهمّ من إعلان الأمين العامّ لـ”حزب الله” حسن نصرالله تبنّي ترشيح سليمان فرنجية ليكون رئيساً للجمهورية اللبنانيّة، إصرار الحزب على تحديد من الشخص الذي يُفترض أن يكون في هذا الموقع. لا يشغل الحزب موقعاً في الدولة اللبنانيّة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويتخلّى عنه لاحقاً. مارس منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 عملية قضم للدولة اللبنانيّة ومؤسّساتها. هذه العمليّة مستمرّة إلى اليوم.

 

الحزب والسيطرة الكاملة

على الحزب التقدّم باستمرار في مسيرة السيطرة الكاملة على ما بقي من مؤسّسات الدولة. لا مكان للتراجع، نظراً إلى أنّ أيّ خطوة إلى خلف تشير إلى ضعف ما لدى ميليشيا مذهبيّة ليست في واقع الحال سوى لواء، عناصره لبنانيّة، في “الحرس الثوري” الإيراني. ظهور مثل هذا الضعف غير مسموح به. مثل هذا الموقف المتصلّب في صلب العقيدة المهيمنة على تفكير كبار المسؤولين في “الجمهوريّة الإسلاميّة” الذين يمتلكون مشروعاً توسّعياً يرفض أيّ أخذ في الاعتبار لسيادة الدول الأخرى التي بينها لبنان والعراق وسوريا واليمن.

ليست رئاسة الجمهوريّة أكثر من جائزة ترضية في وقت ما زالت “الجمهوريّة الإسلاميّة” تسعى إلى صفقة مع “الشيطان الأكبر”

يسعى الاحتلال الإيراني، منذ خلافته الوصاية السوريّة، إلى تكريس واقع معيّن في لبنان يشمل بين ما يشمل أن يكون وزير المال شيعياً، على سبيل المثال وليس الحصر،… وأن تكون هذه السفارة أو تلك من حصّة الشيعة، علماً أن ليس في الدستور والعرف ما يفرض ذلك. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ الحزب يسيطر على كلّ الحصة الشيعية في مجلس النواب (27 نائباً). من هذا المنطلق، لا مجال لتشكيل حكومة لبنانية من دون ضوء أخضر من طهران.

لا يتعلّق الأمر بشخص سليمان فرنجيّة بمقدار ما يعني إصراراً لدى الحزب على حسم موضوع من يكون رئيساً للجمهورية. إذا قبلت القوى السياسيّة بخيار الحزب، يكون ذلك أمراً مرحّباً به. إذا لم تقبل بمرشّح الحزب، فإنّ ذلك أكثر من مرحّب به أيضاً. في النهاية، رهان إيران على لذيذين في لبنان. لذيذ انتخاب مرشّحها رئيساً للجمهورية… ولذيذ آخر يتمثّل في استمرار الفراغ في انتظار اليوم الذي يصبح فيه سليمان فرنجيّة رئيساً للجمهورية.

 

خيار اللذيذين

توجد تجربة سابقة تبرّر رهان “الجمهوريّة الإسلاميّة” على خيار اللذيذين. إنّها تجربة ميشال عون الذي وقع عليه خيار الحزب ليكون رئيساً للجمهوريّة بعد اختبارات أُخضع لها استمرّت عشر سنوات كاملة. أثبت ميشال عون، مع صهره جبران باسيل، في السنوات العشر التي فصلت بين توقيع وثيقة مار مخايل في السادس من شباط 2006 وجلسة انتخابه رئيساً للجمهوريّة في 31 تشرين الأوّل 2016 أنّه شخص يمكن الاعتماد عليه كلّيّاً. يمكن الاعتماد عليه في كلّ ما له علاقة بتغطية ارتكابات “حزب الله” وسلاحه الموجّه إلى صدور اللبنانيين. ذهب ميشال عون، بين ما ذهب إليه، إلى تبرير قتل الحزب للضابط الطيّار سامر حنّا الذي حطّ في منطقة جنوبية (سجد) يعتبرها الحزب تابعة له. تساءل القائد السابق للجيش اللبناني ما الذي يفعله ضابط طيار لبناني في سجد، علماً أنّ كلّ ما فعله أنّه هبط بطائرته (هليكوبتر) في أرض لبنانية!!

ذهب أيضاً إلى التمهيد لاغتيال اللواء وسام الحسن بعدما اتّهمه بالاقتراب من خطوط “التوتّر العالي” وحذّره من ذلك!!

يمكن إيراد عشرات الأمثلة على الاختبارات التي مرّر الحزب ميشال عون وصهره فيها قبل ترشيح الأوّل لرئاسة الجمهوريّة وإغلاق أبواب مجلس النواب سنتين وخمسة أشهر لمنع وصول أيّ مرشّح آخر إلى قصر بعبدا. كانت تلك سابقة لا يستطيع “حزب الله” سوى تثبيتها بدل التنازل عنها. الهدف هو التأكيد لكلّ من يعنيه الأمر أنّ البلد صار في عهدته… من رئيس الجمهوريّة ونزولاً. ليس لبنان سوى ورقة لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة”. تحتاج إلى هذه الورقة في أيّامنا هذه أكثر من أيّ وقت مضى. أيّ تنازل في لبنان سيجرّ إلى تنازلات أخرى تؤذي الاحتلال الإيراني وتسيء إلى هيبته.

أصبح “حزب الله” من القوّة، في الداخل اللبناني، بما يسمح له بالرهان على اللذيذين، خصوصاً بعدما أثبت للإدارة الأميركيّة ولإسرائيل أنّه صاحب القرار في لبنان. لولاه لما حصل ترسيم للحدود البحرية مع إسرائيل ولما كانت إسرائيل لتباشر في تصدير النفط والغاز من حقل كاريش.

الرئاسة جائزة ترضية

هل كثير على الحزب، ومن خلفه إيران، الحصول على جائزة ترضية، أي على رئيس الجمهورية في لبنان؟

ليست رئاسة الجمهوريّة أكثر من جائزة ترضية في وقت ما زالت “الجمهوريّة الإسلاميّة” تسعى إلى صفقة مع “الشيطان الأكبر”. يؤكّد ذلك وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي صرّح أخيراً بأنّ بلده “لم يترك طاولة المفاوضات” في شأن البرنامج النووي.

إضافة إلى الرهان على اللذيذين، أي على خيار سليمان فرنجيّة وخيار الفراغ في الوقت نفسه، يبدو طبيعياً التساؤل: هل عامل الوقت في خدمة “حزب الله”؟

إقرأ أيضاً: تعرّفوا إلى نسخة “الحزب” بلا العونيّين

لا يبدو ذلك أكيداً في ضوء عاملين. العامل الأوّل هو الوضع الداخلي الإيراني حيث ثورة شعبيّة على نار هادئة تكشف مدى رفض الشعوب الإيرانية للنظام القائم. أمّا العامل الثاني فيتمثّل في التورّط الإيراني المباشر في الحرب الروسيّة على أوكرانيا وشعبها. جعل هذا التورّط أوروبا، خصوصاً ألمانيا، تعي خطورة النظام الإيراني على القارّة العجوز.

في المقابل، ما يبدو أكيداً أنّ عامل الوقت لا يخدم لبنان الذي بات مصيره مطروحاً في غياب القدرة على انتخاب رئيس من نوع مختلف ينتمي إلى فصيل مختلف كلّيّاً عن فصيل الرؤساء الذين يسعى “حزب الله” إلى أن يكونوا في قصر بعبدا.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: khairallahkhai5@

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…