من حيث لم تتوقّع السلطة السياسية يسلك الملف- الفضيحة لترقيات الضبّاط من رتبة عقيد إلى عميد العالقة منذ نحو أربع سنوات مساراً قضائياً سيضع، على الأرجح، حدّاً لمناكفات وكيديّات وتصفية حسابات ذهب “فَرق عِملتها” ضبّاط حُرموا من حقوقهم البديهية في الترقية والتقدّم الوظيفي في السلك.
بعد مراجعات طعن تقدّم بها عدد من ضبّاط قوى الأمن الداخلي أمام مجلس شورى الدولة بسبب حرمانهم التعسّفي من الترقية، صَدر التقرير الأوّلي عن القاضي المُقرّر في مجلس شورى الدولة كارل عيراني ونُشِر في الجريدة الرسمية.
هذا وعَلِم “أساس” أنّ خُلاصة تقرير القاضي عيراني تقضي بإعلان الترقية لضبّاط دورة 94 العالقة منذ 2019، وذلك لانتفاء السبب القانوني الذي يمنع الترقية.
يُفنّد التقرير الأوّلي الذي أيّده مفوّض الحكومة في مجلس شورى الدولة الأسباب الموجبة للترقية. أهمّ هذه الأسباب عدم وجود مانع قانوني للترقية، ولأنّ الاستنسابية في الترقية في الإدارة العامة يجب أن لا تتحوّل إلى سلطة اعتباطية وكيدية وتعسّفية.
عَلِم “أساس” أنّ خُلاصة تقرير القاضي عيراني تقضي بإعلان الترقية لضبّاط دورة 94 العالقة منذ 2019، وذلك لانتفاء السبب القانوني الذي يمنع الترقية
ما أهمية التقرير؟
تكمن أهمية التقرير في النقاط الآتية:
– تقرير القاضي عيراني يُشكّل المرحلة الأساسية قبل صدور القرار النهائي عن مجلس شورى الدولة. وفي حال صدور الحكم النهائي عن ” مجلس الشورى” مؤيِّداً للتقرير سيَصعب جداً أمام هذا الواقع إقحام السلطة السياسية أنفها مجدّداً في القضية، خصوصاً في ظلّ نكبة تجتاح العسكر ربطاً بالأزمة المالية والاقتصادية الخطيرة التي أثّرت بشكل مباشر على معنويات العسكر والضبّاط.
– صدور القرار النهائي عن مجلس شورى الدولة أعلى سلطة قضائية سيمنح العقداء في قوى الأمن الداخلي، ممّن تقدّموا بدعوى طعن، حقوقهم في الترقية مع مفعول رجعي من تاريخ وضعهم على جداول الترقية عام 2020 من دون أيّ موانع سياسية مضادّة كالحاجة إلى صدور قانون في مجلس النواب أو توقيع وزير المال على المرسوم أو انتظار تسوية سياسية، أو حتّى تدخّلات سياسية على خلفيّة الحسابات الشخصية. يحصل ذلك بمجرّد استحصال هؤلاء الضبّاط على نسخة من القرار طالبين من وزارة الداخلية التنفيذ. باختصار، ثمّة حكم صادر عن “الشورى” يتمتّع بقوّة القضية المقضيّة وعلى الإدارة المَعنيّة التنفيذ.
– تَكمن أهميّة الحُكم النهائي الصادر عن “الشورى” في أنّه ينسحب على الضبّاط العقداء المَعنيّين بالقضية في الجيش وأمن الدولة والأمن العام، بحيث تصبح الإدارة العسكرية والأمنية مُلزَمة معنوياً بترقية هؤلاء، إذ لا يجوز منح رتبة عميد لضبّاط في سلك دون آخر لأنّ الترقيات العالقة هي بمنزلة ملف واحد لا يمكن تجزئته. وبالتالي، الإدارة العامّة، أي وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، ملزمة بالتنفيذ بموجب قرار إداري يتجاوز كلّ الآليّات المعتمدة في الترقية.
كبس زرّ العودة إلى الوراء يُظهِر الخِفّة واللامسؤولية في التعاطي مع ملفّ حَكَمَته سياسة الانتقام. فقد طال طويلاً انتظار الضبّاط المستحقّة ترقياتهم من رتبة عقيد إلى عميد. انتظروها منذ أربع سنوات من الحكومة أو من وزير المال أو من “طربوش” تسوية، لكنّ التطنيش كان أقوى.
الخلاف بين ميشال عون ونبيه برّي حول الأقدميّات التي منحها رئيس الجمهورية السابق ميشال عون لضبّاط “دورة عون” عام 2019، شكّل جزءاً صغيراً من جبل الخلافات بين الرجلين
التحرّر من “التوقيع الشيعي”
فعليّاً، لم يَعد الأمر يحتاج إلى “تحرير” التوقيع الشيعي على مراسيم الترقيات، ولا أخذ وزير المال “التَعليمة” من الرئيس نبيه برّي ليوقّع، ولا إتمام “صفقة” تعيينات على قاعدة “مرّقلي لمرّقلك”، ولا إدراج حكومة تصريف الأعمال بند الترقيات على جدول الأعمال، ولا صدور قانون من مجلس النواب يكرّس الحقّ بالترقية… أخيراً “بيّضها” القضاء.
ترقيات الضبّاط العالقة منذ 2019 (ربطاً بالأقدميّات التي مُنحت آنذاك لضبّاط “دورة عون”) دخلت أكثر من مرّة بازار التفاوض على رزمة تعيينات أخرى بقيت عالقة بدورها بفعل الخلافات السياسية والطائفية. آخر المحاولات جرت نهاية العام المنصرم حيث بقي الضبّاط على أعصابهم حتى أتى الخبر اليقين بأن لا ترقيات ولا من يحزنون.
الخلاف بين ميشال عون ونبيه برّي حول الأقدميّات التي منحها رئيس الجمهورية السابق ميشال عون لضبّاط “دورة عون” عام 2019، شكّل جزءاً صغيراً من جبل الخلافات بين الرجلين. والنتيجة “طلعت برأس الضبّاط” مع ظلم مُتراكم “تُوّج” بتحويل رواتبهم إلى “بقشيش” يُدفَع على موائد الميسورين.
حين آن أوان ترقية هؤلاء في بداية عام 2020 بدأت الأزمة الحقيقية، وهو ما أدّى إلى تجميد كلّ الترقيات من رتبة عقيد إلى عميد مع تراكم تدريجي للرتب والعِقد في كلّ الأسلاك، وتداخل الدورات، وتكريس الخلل في التراتبية العسكرية، بحيث تحمّل الضبّاط مسؤولية “مشكل سياسي” لا علاقة لهم به كان من نتائجه أيضاً إحالة ضبّاط إلى التقاعد قبل حلّ هذه “الأزمة الكونية”.
من علي حسن خليل إلى غازي وزني إلى يوسف خليل حَجَبَ وزراء المال، بإيعاز من الرئيس برّي، توقيعهم عن هذه الترقيات. اللافت أنّ مراسيم الترقيات من رتبة عقيد إلى عميد كانت تصل إلى رئاسة الحكومة موقّعة من وزراء المال باستثناء ضبّاط الجيش فقط. ومع وصول المراسيم إلى قصر بعبدا كان يرفض الرئيس عون توقيعها بشكل مجتزأ، وهو ما أدّى إلى تجميدها في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة.
إقرأ أيضاً: هل تدّعي Aude Buresi على رياض سلامة؟
يُذكَر أنّ مرسوم “ضبّاط 94” المغضوب عليه من الثنائي الشيعي، كان ينصّ على ترقية 126 ضابطاً، موزّعين بين 28 ضابطاً مسلماً و98 ضابطاً مسيحياً، من رتبة عقيد إلى رتبة عميد. لكن حتى بعد عودة التوازن الطائفي الذي حقّقته دورات 95 و96 حين استحقّ ضبّاط هاتين الدورتين ترقيتهم إلى رتبة عميد، لم تحلّ الأزمة حيث بقي شدّ الحبال قائماً بقوة المناكفات السياسية.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@