فرنجيّة: لماذا قرّرت 8 آذار المواجهة؟

مدة القراءة 5 د

هل أراد “الثنائي الشيعي” إحراق اسم سليمان فرنجية بترشيحه؟ أم أنّ هناك “أوراقاً مخفيّة”؟

في هذه السلسلة، محاولة لفكّ شيفرة هذا الترشيح. في الجزء الأوّل استعراض لمعنى هذا الترشيح، واختلاف الظروف بين ترشيح ميشال عون 2016 وترشيح فرنجية 2023.

 

إذا أردتَ أن تحرق مرشّحاً إلى رئاسة الجمهورية في لبنان، فإنّ الطريقة الأسهل، بما لا يُقاس، وبلا أيّ كلفة إعلامية أو ترويجية، هي بأن يرشّحه حزب الله. ذلك أنّ الرئيس الماروني للبنان، في لحظة اختلاف الحزب مع “القوات اللبنانية” والتيار الوطني الحرّ (يمثّلان ثلثي مسيحيّي لبنان، انتخاباً ونواباً)، لا يمكن أن يأتي على صهوة جواد هذا الخلاف. فكيف إذا كان الحزب مصنّفاً أنّه “حامي المنظومة” التي يطلب منها “العالم” إصلاحاتٍ وأسماء “غير فاسدة”؟ وكيف إذا كان هذا الحزب مصنّفاً “إرهابياً” في دول الغرب والعرب، من أميركا إلى السعودية، وما بينهما فرنسا التي سوّقت فيلماً وثائقياً يُقنع الشعب الفرنسي بأنّه حزب “شغلته وعملته” تجارة المخدّرات وتبييض الأموال وتفجير الأبرياء… وصولاً إلى مرفأ بيروت؟

هكذا، لا يمكن وضع ترشيح فرنجية على لسان الأمين العام لحزب الله، وقبله رئيس مجلس النواب وحركة أمل نبيه بري، وقبلهما إعلام 8 آذار، إلا في سياق الحرق.

إذا أردتَ أن تحرق مرشّحاً إلى رئاسة الجمهورية في لبنان، فإنّ الطريقة الأسهل، بما لا يُقاس، وبلا أيّ كلفة إعلامية أو ترويجية، هي بأن يرشّحه حزب الله

خطأ التشبّه بترشيح عون

أمّا الذين يذكّرون بترشيح الحزب ميشال عون في 2014 وتعطيل البلاد 30 شهراً لانتخابه، فيفوتهم الكثير. إذ إنّ التشبيه خاطىءٌ “من ساسه لراسه”:

1- في تلك الأيام الغابرة كان حزب الله يطهّر حلب وحمص ويراكم الانتصارات العسكرية في سوريا، هو ومحوره، منذ 2015.

2- كانت إيران في ذروة انفلاشها العسكري والسياسي والمالي بعد توقيع الاتفاق النووي مع الرئيس الأسبق لأميركا، باراك أوباما، والحلف المعلن بين واشنطن وطهران بوجه العرب.

3- كان الحزب يملك الكثير من الضمانات من سعد الحريري.

4- وفي جيبه الأيسر كان يحمل “لامبالاة” سعودية – أميركية بانتخاب عون، بانتظار “سلوكه”.

5- اقتصاد لبنان كان لا يزال “توربو”، قبل أن تبدأ بشائر الانهيار في “هندسات” مصرف لبنان المالية منذ 2017.

6- قدّم ميشال عون وعوداً برّاقة للعرب، بدأها بأوّل رحلة إلى السعودية، بعد انتخابه، قبل أن يبدأ “قصف” السعودية، سياسياً من بيروت، وكبتاغونياً من مرفئه، وعسكرياً من اليمن… وآرامكو لا تزال جرحاً غائراً، حين قُصفت ورفض وزير الخارجية يومها، جبران باسيل، إصدار بيان إدانة.

يومها وضع الحزب مرشّحه على الطاولة، وأقفل خطوطه. أمّا اليوم فالآيات كلّها مقلوبة:

– إيران في أسوأ أحوالها:

– لا اتفاق نووياً مع الغرب.

– عقوبات عليها لا تبدأ ولا تنتهي.

– قصف إسرائيلي دوري على ميليشياتها في سوريا.

– انهيار مالي في لبنان وسوريا.

– خسائر وتراجعات وجوع في صفوف حلفائها اليمنيين.

– اغتيال قاسم سليماني، قائد فتوحاتها العربية ومنسّق انتصاراتها الراحلة.

– ثورة في الداخل عنوانها “لا للعمامات” وانتصاراً لخلع الحجاب. أي ثورة على “نواة” النظام الخميني الذي دخل عامه الـ45.

– ومحور “الانتصارات” بات “محور الجوع” منذ سنوات.

لا يمكن وضع ترشيح فرنجية على لسان الأمين العام لحزب الله، وقبله رئيس مجلس النواب وحركة أمل نبيه بري، وقبلهما إعلام 8 آذار، إلا في سياق الحرق

2- حزب الله ضعيف:

– في سوريا يتعرّض للقصف الإسرائيلي، ولا يستطيع الردّ.

– في لبنان الشيعية السياسية تواجه صعوبات جمّة لا سابق لها: لبنان منهار اقتصادياً ومصارفه “أشباح” تسرح في خيالات المودعين. وتجربة “الحكم الإيراني” أوصلت اللبنانيين إلى انهيار لا سابق له منذ مجاعة الحرب العالمية الأولى.

من هذه الزاوية يمكن الانطلاق في قراءة ترشيح سليمان فرنجية:

– ابن “المنظومة” ومتّهم بأنّه أحد أركانها في زمن طلبات الإصلاح من الدول المانحة.

– الحليف الأوّل لبشار الأسد.

– الابن المدلّل لحزب الله.

– مرشّح برّي الدائم.

– “عدوّ” القوات منذ مجزرة إهدن وقتل عائلته كلّها “في ليلة ما فيها ضوّ قمر”.

– الخصم الأبدي لجبران باسيل، وغريمه على “قلب السيّد”، باعتبار “هذا عين وهذا عين”، على ما قال الأمين العام.

– وبالتالي فهو على خلاف مع أكثر من 70% من المسيحيين (النواب والناخبين)، وهو مرشّح “الثنائي الشيعي”، الباحث عن ناخبين من النواب السُّنّة والدروز ولملمة بعض المسيحيين من خارج القوات والتيار والكتائب والتغييريين والثوّار…

 

أمام كلّ هذه الوقائع، لماذا قرّر برّي ونصر الله ترشيح فرنجية؟

من السهل على العرب أن يجيبوا: “هذا مرشّح المنظومة الفاسدة في الداخل، والحزب الإرهابي في الخارج”. وبالتأكيد فإنّ مواصفات “الإصلاح” لا تنطبق عليه. فيبقى شرط “ترميم علاقات لبنان مع العرب”. وبات واضحاً أنّ السفير السعودي نقل عنه أكثر من صحافي، في مقالات انتشرت خلال الأسبوع الفائت هنا وهناك، أنّ السعودية لا تريد فرنجية.

إقرأ أيضاً: تعرّفوا إلى نسخة “الحزب” بلا العونيّين

فهل قرّرت 8 آذار رفع مستوى التحدّي والمواجهة، بدلاً من الذهاب إلى “التوافق”؟ ولماذا؟ واستناداً إلى أيّ موازين قوى في الداخل والخارج؟ وهل يمكن الذهاب إلى “7 أيّار رئاسي”، يخطّط له أركان 8 آذار، بانقلاب سياسي “على غفلة”، يأتي بفرنجية، وفق “بوانتاج” الـ65 صوتاً؟ وإذا كانت الأصوات الـ65 “مقدورٌ عليها”، فهل الخطّة العميقة هي في تأمين نصاب الثلثين؟ وهل هذا ممكن؟

يسأل أحد المعنيين: “نبيه برّي كان يُنتخَب بـ117 صوتاً، وانتُخِب بـ65 صوتاً… فلماذا لا يُنتخب رئيس الجمهورية بـ65 صوتاً إذا ما توفّر النصاب؟!”.

 

في الجزء الثاني غداً: 

 

عين التينة: الحلول الإقليمية… آتية

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…