واشنطن: عن فجور اللبنانيّين… ورسائل العقوبات

مدة القراءة 5 د

في صقيع واشنطن يتسنّى لك أن تتسلّل إلى بعض الأروقة التي تتحدّث معك عن لبنانك. الأروقة متخصّصة بطبيعة الحال، لأنّ هذه البلاد الكبيرة لا تقوم إلا على متخصّصين في كلّ تفصيل. هنا عليك أن تدرك تماماً أنّ محدّثك متخصّص في شؤون بلادك إلى حدود تفاصيلها، لا لشيء إلّا لأنّه لا وجود هنا لـ”وان مان شو”. لا أحد يفهم كلّ شيء، كما هو حال الكثيرين من “الفهلويّين” في ربوع لبنان. بل كلٌّ مسؤول أو موظف يلتزم بحدود تخصّصه… فتراه ملمّاً به إلى الحدود القصوى.

أروقة السياسة هنا كلّ نقاشاتها “أوف ريكورد”. للسيناتورات هنا، سواء جمهوريّين كانوا أم ديمقراطيين، مساعدون، وكلّ واحد منهم يحمل ملفّاً محدّداً. قابلنا مجموعة من الصحافيين العرب المساعدين المسؤولين عن ملفّات لبنان وسوريا وفلسطين.

في وزارة الخارجية يمكن فهم حقيقة الموقف الأميركي. الرؤية هنا واضحة لا مواربة فيها، على عكس ما اعتدنا أن نسمعه في بلادنا من تسريبات غير دقيقة. وبوضوح شديد استطعنا أن نسجّل اختراقات في عدد من العناوين.

يدرك الدبلوماسيون أنّ ثمّة من يزور واشنطن من اللبنانيين محاولاً التصويب على مرشّح لا يتّفق معه، ومحاولاً تسويق مرشّح آخر

فجور لبنانيّ ومكابرة انتحاريّة

في بداية شهر شباط اجتمعت الدول الخمس من أجل لبنان: أميركا وفرنسا وقطر والسعودية ومصر. التبرّم في لبنان من أنّ الاجتماع غاب عنه “الصفّ الأوّل” من مسؤولي هذه الدول يثير السخرية في واشنطن: “هل يريد اللبنانيون أن يجتمع قادة الدول من أجلهم؟ ما هذا الفجور اللبناني؟ كيف يظنون للحظة أنّ العالم يدور حول قضاياهم ويزحف لمساعدتهم فيما هم أنفسهم يتآمرون على مصلحة شعبهم؟”.

هذا هو الانطباع السائد عن لبنان. يقولها أهل السياسة في العاصمة الأميركية بدهشة بالغة من قدرة مسؤولي هذا البلد الصغير على تدمير ما تبقّى منه لمصالحهم الشخصية وعلى حساب شعبهم وناسهم.

 

خريطة طريق واضحة لا مقايضة فيها

أمّا الاجتماع الخماسي الذي مثّلت باربرا ليف الولايات المتحدة فيه، فهو بعيد كلّ البعد عن كلّ ما يُحكى في لبنان عن مقايضات شهدها. في المعلومات التي تقصد الدبلوماسية الأميركية أن تقولها تكمن مجموعة ثوابت:

– أولى هذه الثوابت أن لا مقايضات ترعاها الولايات المتحدة.

– ثانيتها أنّ الولايات المتحدة لا تدخل في تحديد أسماء، لكنّ ثوابتها تشير إلى مواصفات مرشّحها. اللبنانيون أحرار في اختيار رئيسهم، لكن “كما تكونون يُولّى عليكم”. هذه هي الخلاصة التي تخرج بها من كلّ لقاءات الدبلوماسية في كواليس القرار. غير ذلك كلام يدخل في تقطيع الوقت ومحاولات لتشتيت الأنظار عن الأهمّ.

يدرك الدبلوماسيون أنّ ثمّة من يزور واشنطن من اللبنانيين محاولاً التصويب على مرشّح لا يتّفق معه، ومحاولاً تسويق مرشّح آخر. لا يخفى هذا المسعى عن كواليس الدبلوماسية، بل هو واضح وضوح الشمس. حصل هذا الأمر حين وصل نائب في الآونة الأخيرة إلى واشنطن وحاول التصويب على ترشيح قائد الجيش جوزف عون للرئاسة واستخدم علاقاته مع مسؤولين أميركيين لهذا الغرض. رغم أنّ النائب المعني نفى وقال إنّه طالب في اجتماعاته بمزيد من المساعدات للجيش اللبناني.

لكن كلّ ذلك لا ينفع في تغيير القناعة الأميركية التي لا تزال تنأى بنفسها عن تسمية مرشّحها، بل تكتفي بعناوين ومواصفات مهما حاول البعض تعليبها على قياسات حساباته الشخصية.

الاشتباك السياسي أصبح عقيماً في زمن انهيار وبؤس وانتحار الشعب اللبناني. ولا نجدة من دون اعتراف بالهزيمة أوّلاً

رسائل العقوبات

تماماً كما جرى في المرّات السابقة، تشير المعلومات المحيطة بكواليس الدبلوماسية الأميركية في واشنطن إلى أسماء قد توضع على لائحة العقوبات في المقبل من الأيام. لن تنجو أسماء مرتبطة بعرقلة انتخاب رئيس الجمهورية.

اليوم في لبنان كلام خارج السياق ومحاولات تسويق ورفع أسهم لمرشّحين يدرك المعنيون بأنّ حظوظهم صفر حتى الساعة. ولهذه المحاولات أثر في الدبلوماسية. فهل يوضع مقرّبون من مسؤولين يحاولون عرقلة الرئاسة على لائحة العقوبات؟ أم تصلهم رسائل كما وصلت إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟

لا شيء مستبعد حتى الآن.

حرب الملفّ الرئاسي وحملات التشويه التي تُخاض بين القوى المتصارعة لا وقع لها هنا. يعرفون التفاصيل. ليسوا بحاجة إلى مقالات صحافية ولا إلى مخبرين. بل إنّ ما يُقال في لبنان يُصرف فقط في لبنان، بين جماهير الأحزاب وحسابات القوى السياسية. وفي لبنان أيضاً تكوّنت قناعة بأنّ الاستحقاق لا يمكن إنضاجه في الداخل فقط. فلِمَ كلّ هذه المكابرة أوّلاً في السير في الإصلاح وثانياً في الذهاب إلى انتخاب رئيس يعكس مساراً إصلاحياً محدّداً يعيد المجتمع الدولي إلى لبنان؟

تخرج من الاجتماعات بصورة أوضح. ربّما لأنّ حالة الإنكار التي نعيشها في لبنان واعتقادنا أنّ بلادنا ا”لله حاميها” تسقط تلقائياً في بلاد الله الواسعة.

إقرأ أيضاً: في أميركا “اللامركزيّة” (2): النجدة… في 7 دقائق

الاشتباك السياسي أصبح عقيماً في زمن انهيار وبؤس وانتحار الشعب اللبناني. ولا نجدة من دون اعتراف بالهزيمة أوّلاً. وفي الطريق إلى إدراك الزعماء أنّ زعاماتهم تآكلت ولا سبيل إلى المحافظة على نفوذهم مهما حاولوا، يسقط اللبنانيون بمختلف انتماءاتهم ضحايا المكابرة و”الفجور”.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…