القطاع العام(2): أوهام الدولار الجمركي.. وصمت صندوق النقد

مدة القراءة 4 د

تراهن وزارة المالية على تسعيرة الدولار الجمركي الجديدة (45 ألفاً) من أجل تأمين المزيد من الإيرادات لسدّ العجز في دفع رواتب القطاع العام، التي تقارب 40 تريليون ليرة سنوياً، بمعدّل 3.3 تريليون شهرياً، في حين أنّ إيرادات الدولة لا تزيد عن 15.5 تريليون وفق أرقام موازنة 2021.

تأمل الحكومة أن تزيد إيراداتها من مداخيل الجمارك 3 أضعاف نتيجة رفع الدولار الجمركي 3 أضعاف أيضاً، من 15 إلى 45 ألفاً.

بحسب “الدولية للمعلومات” فإنّ حصة الجمارك من إيرادات الـ15.5 تريليون، هي فقط 3% فقط، أي قرابة 465 مليار ليرة. وهذا يعني أنّ ما كانت تطمح إليه الحكومة من خلال رفع الدولار الجمركي من 1,500 ليرة إلى 15 ألفاً، هو رفع إيرادات الجمارك من 465 مليار ليرة إلى 4.6 تريليونات، لكن حتى هذا الرقم لم يكن كافياً.

في كلّ دول العالم، تُجبى الرسوم وتُفرض الضرائب لصالح الدولة من أجل أن تغطّي نفقاتها كاملة، لكنّ في لبنان إيرادات الدولة تكفي لتغطية ثلث رواتب موظّفيها سنوياً

يبدو أنّ وزارة المالية اضطرّت إلى رفع الدولار الجمركي مجدّداً وصولاً إلى 45 ألفاً لتزيد تلك الإيرادات إلى قرابة 14 تريليون (4.6 مضروبة بـ3 أضعاف)، لكن حتى هذا الرقم هو تقديرات وحسب.

أمّا رفع “صيرفة” إلى 70 ألفاً فالعائدات الناتجة عنه لن تفي بالغرض أيضاً، لأنّ سعر الصرف في السوق الموازي هو غالباً أعلى منها بكثير، وربّما يتخطّى 100 ألف ليرة بعد “همروجة” التعميم الأخير لمصرف لبنان، وهو ما يعني أنّ رفعها قد لا يأتي بأيّ نتائج بعد نحو شهر أو شهرين من اليوم.

يقول الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ”أساس” إنّ “مبلغ 14 تريليوناً الذي تطمح المالية إلى تحصيله من الجمارك، هو رقم افتراضي بعيد المنال لن تستطيع وزارة المالية تحقيقه لأنّ الاستهلاك سينخفض كثيراً نتيجة ارتفاع الضرائب، إضافة إلى عمليات التهريب التي سترتفع من أجل الهروب من دفع تلك المبالغ”.

ويضيف شمس الدين أنّ “قيمة الرواتب السنوية للقطاع العام باتت اليوم نحو 26 تريليون ليرة سنوياً”، وليس 40 تريليوناً كما أعلنت “الدولية للمعلومات” من قبل، بعدما انخفض عدد موظّفي القطاع العام من نحو 320 ألف موظّف إلى نحو 280 ألفاً نتيجة الاستقالات والتقاعد.

الجدير ذكره أنّه لا يمكن البناء إلّا على أرقام موازنة 2021 التي هي آخر موازنة مقطوعة الحساب، إلى حين قطع حساب الموازنات اللاحقة، خصوصاً أنّ موازنة العام الفائت 2022 أُقرّت متأخّرة أكثر من 9 أشهر ولم يبدأ تطبيق الدولار الجمركي بموجبها إلّا في مطلع كانون الأول الماضي.

تراهن وزارة المالية على تسعيرة الدولار الجمركي الجديدة (45 ألفاً) من أجل تأمين المزيد من الإيرادات لسدّ العجز في دفع رواتب القطاع العام

صمت صندوق النقد!

بعيداً عن كلّ هذه الأرقام، ثمّة أمر لا بدّ من الخوض فيه: في كلّ دول العالم، تُجبى الرسوم وتُفرض الضرائب لصالح الدولة من أجل أن تغطّي نفقاتها كاملة، لكنّ في لبنان إيرادات الدولة تكفي لتغطية ثلث رواتب موظّفيها سنوياً (1/3)، وفي أضعف الإيمان قد تقترب من النصف فقط.

كلّ هذا وتصرّ السلطة على التعمية، وعلى غضّ الطرف عن أهمّ أسباب وصولنا إلى الأزمة. ترفض الخوض في مسألة ترشيق القطاع العام، وهم قرابة 280 ألفَ موظف وأجير، يرهقون خزينتها منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب مع بداية عهد ميشال عون، ثمّ زاد إرهاقها إرهاقاً في سِنِي الأزمة الثلاث، نتيجة ارتفاع سعر الصرف والحاجة إلى تلبية مطالب هؤلاء الموظّفين.

إقرأ أيضاً: القطاع العامّ (1): رواتبه تَرفَع الدولار.. وندفعها مرّتين

من المفارقات أنّ “خطّة التعافي” التي أقرّتها الحكومة، ثمّ وافق عليها “صندوق النقد الدولي”، لم تأتِ على ذكر هذه المعضلة على الإطلاق، إذ اكتفى الاتفاق الأوّليّ بين الطرفين بالنقاط الست التي وضعتها الحكومة، والتي تتعلّق 5 منها بأزمة القطاع المصرفي فقط!

هذا ملفّ إضافي يستأهل البحث… فليُفتح النقاش.

لمتابعة الكاتب على تويتر: emadchidiac@

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…