إردوغان – السيسي: أسئلة حول اللقاء المؤجل

مدة القراءة 7 د

لم تحقّق القيادات التركية والمصرية ما كنّا نتطلّع إليه. ففي زيارته الأخيرة لتركيا، لم يحمل وزير الخارجية المصري سامح شكري، وهو في طريقه إلى مدينة أضنة، حقيبة يدوية صغيرة فيها أغراضه الشخصية على سبيل الاحتياط، استعداداً لاحتمال أن تصرّ عليه القيادة التركية تمضية ليلة في تركيا ولقاء الرئيس التركي. هذا على خلاف ما فعله وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي جاء قبل أسبوعين وأعلن تضامن بلاده مع أنقرة، فكان له لقاء مطوّل بالرئيس التركي لأكثر من ساعة في أنقرة.

فلماذا لم يتكرّر هذا مع الوزير شكري؟

اتّصل وزير الخارجية المصري بنظيره التركي عقب الزلزال بساعات، معرباً عن تضامن بلاده مع الشعب التركي في محنته. وبعد يوم واحد أجرى الرئيس المصري اتصالاً بنظيره التركي وعزّاه عن ضحايا الزلزال

زيارة إنسانيّة

تحت عنوان الدعم والتضامن تحرّك وزير الخارجية المصري باتجاه المناطق التي ضربها الزلزال في جنوب تركيا. كان نظيره التركي مولود شاووش أوغلو في انتظاره لإطلاعه ميدانياً على حجم الخسائر والأضرار. الجانب الإنساني هو الذي طغى على أجواء زيارة شكري التي شملت سوريا أيضاً. لكنّ التصريحات والمواقف التي أعلنها وزيرا خارجية البلدين في المؤتمر الصحافي المشترك في ميناء مدينة مرسين، حيث كان الجميع في استقبال سفينة المساعدات المصرية الثانية، حملت جملة من التساؤلات:

– لماذا لم تُعقد جولة الحوار الثالثة المتّفق عليها بين أنقرة والقاهرة، على الرغم من مرور أكثر من عام ونصف على اللقاء الاستكشافي الثاني في العاصمة التركية؟

– ألم يكن من الممكن تحويل هذه الزيارة إلى فرصة لإذابة الجليد المتراكم الذي يصعّب خطّ التواصل بين أنقرة والقاهرة؟

– لماذا لم تُترجَم “مصافحة الدوحة” ولقاء القمّة بين الرئيسين التركي والمصري على هامش المونديال إلى آليّة تفعّل الحوار الحقيقي حتى الآن؟

كلام المتحدّث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد أجاب على الكثير من هذه التساؤلات، وربّما قطع الطريق باكراً على التحليلات والتقديرات التي تتكهّن بخطوات سريعة لتحسين العلاقات التركية – المصرية.

قال أبو زيد إنّ زيارة شكري كانت للتضامن الإنساني بعد الزلزال الذي ضرب تركيا، وتزامنت مع وصول الشحنة السادسة من المساعدات المصرية والباخرة الثانية التي ترسو في ميناء مرسين. وما تمّ الاتفاق عليه بين وزيرَي خارجية البلدين هو تحديد إطار لموضوعات النقاش وتقديم رؤية واضحة لمواقف كلّ دولة. والإطار هذا هو الذي يحدّد سرعة استعادة العلاقات وحيويّتها بين البلدين.

وكانت تركيا ومصر قد أنهتا “المحادثات الاستكشافية” بعد جولتين في 2021، من دون التوصّل إلى نتيجة، وبدأتا “المسار التشاوري” بتوجيهات من الرئيسين التركي والمصري في أعقاب لقاء الدوحة كما فهمنا.

التحرّك المصري ينتظر تغييراً حقيقياً في تعامل تركيا مع ملفّات تعني القاهرة في سوريا وليبيا والعراق وإفريقيا. وهذه كلّها مسائل عالقة تحول دون الانتقال إلى مرحلة جديدة من التقارب

لا أحد يتحدّث عن شروط مسبقة بل عن حوار حقيقي يحترم أسس العلاقات ومسارها وخصوصيّاتها في إطار المعايير الدبلوماسية والقانونية. والحوار الدبلوماسي المصري – التركي خيار استراتيجي فرضته المعطيات الثنائية والإقليمية والدولية. لكنّ المصالحة والتطبيع لم يكتملا على الرغم من الجهود المبذولة منذ عامين. التصريحات إيجابية وضرورة الانتقال إلى مرحلة الانفتاح السياسي قائمة. لكنّ النتائج العمليّة مجمّدة والتقارب يتقدّم ببطء.

دبلوماسيّة الجمود

لنعيد شريط الأحداث من البداية:

مرّة أخرى تبرز الحماسة والاندفاعة ونسمع رسائل تقول إنّ التريّث والتأنّي لا بدّ منهما.

اتّصل وزير الخارجية المصري بنظيره التركي عقب الزلزال بساعات، معرباً عن تضامن بلاده مع الشعب التركي في محنته. وبعد يوم واحد أجرى الرئيس المصري اتصالاً بنظيره التركي وعزّاه عن ضحايا الزلزال وأعرب عن استعداد مصر لتقديم المساعدات المطلوبة. لكنّ أكثر من متابع يسأل:

– لماذا لم يُسجَّل اختراق سياسي تركي – مصري ينهي حال الجمود، على الرغم من المبادرات السياسية والدبلوماسية والمحادثات الاستكشافية والتصريحات المتفائلة من الجانبين؟

– لماذا لم تُحلّ أبسط المسائل، ولم يسفر الحوار عن تسريع رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي وإعادة السفراء، إذ ما يزال التمثيل على مستوى القائم بالأعمال منذ عقد تقريباً؟

حتّى لو تحدّث الوزير شكري عن أهمية إعادة العلاقات بين مصر وتركيا إلى مستواها السابق والمضيّ بها بما يتوافق مع مصلحة البلدين المشتركة، فالاحتمال الأقرب هو أنّ جليد العلاقات لن يذوب بين ليلة وضحاها، والقاهرة تتريّث في اتّخاذ خطوات التطبيع في انتظار المزيد من التحوّل في مواقف تركيا الإقليمية، ومعرفة نتائج الانتخابات التركية المقبلة.

المشكلة الإيرانيّة – السوريّة

في ملفّات النقاش التركية – المصرية هناك أكثر من قضية إقليمية قبل أن تكون ثنائية، وأسئلة تحتاج إلى إجابات:

– هل يشجّع التقارب التركي – الخليجي والانفتاح بين الطرفين القيادة المصرية على تسريع حوارها مع أنقرة ويدفعها إلى التخلّي عن نصوص بيانات جامعة الدول العربية ومواقف القاهرة التي كانت قبل أعوام تتحدّث عن “رفض التدخّلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتمسّك بمبدأ الحلول العربية للمشاكل العربية”، وعمّا قاله الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، في منتصف حزيران عام 2020، من أنّ تركيا أصبحت “تقلّد إيران” في أساليبها تجاه العالم العربي؟

– هل تريد مصر، بدعم عربي، منافسة الوساطات الروسية والإيرانية بين أنقرة ودمشق؟ وقد سبق للقاهرة أن فعلت ذلك بدخولها على خطّ التهدئة بين تركيا وسوريا للحؤول دون مواجهة عسكرية واسعة بين البلدين، وقادت إلى اتفاقية أضنة عام 1998.

كان الرئيس التركي يردّد قبل انتخابات جولة الإياب في بلديّة إسطنبول عام 2019: “هذا الأحد نحدّد من الذي نختاره: السيسي أم بن علي يلدرم؟”. مرشّح المعارضة هو الذي فاز يومها

– هل تكون إيران وسياساتها الإقليمية في قلب الحوار التركي – المصري الجديد بدعم عربي فيشمل أكثر من عملية مقايضة في ملفّات سوريا والعراق ولبنان وليبيا وشرق المتوسط؟

– هل دمشق جاهزة للدخول في مغامرة من هذا النوع وإغضاب طهران؟

– هل الانفتاح التركي – اليوناني الأخير بعد كارثة الزلزال يسهّل مهمّة التواصل التركي المصري في مسائل شرق المتوسط؟

– هل نرى مقايضة وتبادل خدمات في مسائل مثل مشاركة مصر في إعمار المدن التركية المهدّمة بعد الزلزال، مقابل تفاهمات ذات طابع استراتيجي في موضوع الغاز المصري وتسهيل نقله إلى أوروبا عبر المياه التركية في شرق المتوسط، ويكون ذلك حلقة في تفاهمات تركية – مصرية أوسع منفتحة على بقية الدول المتشاطئة؟
مشكلات بالجملة

كان الرئيس التركي يردّد قبل انتخابات جولة الإياب في بلديّة إسطنبول عام 2019: “هذا الأحد نحدّد من الذي نختاره: السيسي أم بن علي يلدرم؟”. مرشّح المعارضة هو الذي فاز يومها. وملخّص المشهد القائم اليوم ما يزال يقول إنّ القاهرة تنتظر تحوّلات سياسية في مواقف تركيا وقراراتها الإقليمية:

– حتى لو عاد إردوغان وقال إنّ “مصر ليست دولة عاديّة بالنسبة إلينا، وأنقرة تأمل تعزيز تعاونها مع القاهرة على أساس نهجٍ يحقّق الفائدة للجميع”.

– حتى لو كان هناك جولتان من الحوار الاستكشافي في حزيران وأيلول من عام 2021 بهدف تحريك مسار الحلحلة والانفراج.

إقرأ أيضاً: هزة تستبق زلزال العلاقات التركية – الأميركية؟

– حتى لو ساهمت المصافحة بين الرئيسين التركي والمصري بمبادرة من أمير قطر، في تحريك الجمود الحاصل في مسار العلاقات منذ أكثر من 8 سنوات.

– حتى لو أعلن المتحدّث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي عن توافق على أن يكون اللقاء بين الرئيسين السيسي وإردوغان “بدايةً لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين”.

يبقى أنّ التحرّك المصري ينتظر تغييراً حقيقياً في تعامل تركيا مع ملفّات تعني القاهرة في سوريا وليبيا والعراق وإفريقيا. وهذه كلّها مسائل عالقة تحول دون الانتقال إلى مرحلة جديدة من التقارب. وهذا ما قاله سامح شكري: “إذا لم تكن الأحاديث والتصريحات متوافقة مع الممارسات على الأرض فستكون بلا قيمة”.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…