كلّما ألمّت بالسلطة الفلسطينية مصيبة إسرائيلية، وما أكثرها، تدير أسطوانة عليها جملة ثابتة تقول: على الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل للتوقّف عمّا تفعل.
بالمقابل تدير الولايات المتحدة أسطوانتها التي تقول الجملة التالية: على الطرفين التوقّف عن إجراءات أحاديّة الجانب، مضافاً إليها جملة تقول إنّها ما تزال تحبّذ حلّ الدولتين، وإذا ما أرادت تقديم مكرمة إضافية فتقول إنّ الاستيطان يعيق حلّ الدولتين.
ولكي لا تأخذ إسرائيل أقوال أميركا كمؤشّر إلى موقف سلبيّ منها، ومن أجل الطمأنة، تُضاف جملة ثابتة أيضاً تقول إنّ من حقّ إسرائيل الدفاع عن أمنها وإنّ الولايات المتحدة ملتزمة بهذا الحقّ!
السلطة والخذلان الأميركي
تنتقد السلطة الفلسطينية بأشرس العبارات الخذلان الأميركي لها والانحياز الصارخ لإسرائيل، إلا أنّها في ذات الوقت تواصل نداءاتها للإدارة، مشفوعة بنداءات للمجتمع الدولي، الذي لا يملك أيّ قدرة على الفعل.
كلّما ألمّت بالسلطة الفلسطينية مصيبة إسرائيلية، وما أكثرها، تدير أسطوانة عليها جملة ثابتة تقول: على الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل للتوقّف عمّا تفعل
تنظر الإدارة الأميركية إلى السلطة الفلسطينية كاستثمار متعثّر، وتهتمّ بالمحافظة على المتعثّر، باعتبار أنّه أفضل من الانهيار النهائي، والأمر ليس مكلفاً، فكلّ ما يترتّب عليها تغطية أقلّ فاتورة من فواتير المدفوعات الأميركية.
السلطة الفلسطينية المتعطّشة إلى أيّ مستوى من العلاقة الأميركية معها تحتفي باتصال هاتفي يقوم به وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ويجري تقويم الاتصال على أنّه تجديد لعلاقة مهمّة مع الدولة العظمى، بعدما قطعتها إدارة ترامب وفعلت ما فعلت من إجراءات عقابية صارمة أجهزت على كلّ ما كان لدى الفلسطينيين من مزايا كمكتبهم المتواضع في واشنطن والقنصلية في القدس، التي تهتمّ بشؤون الفلسطينيين.
تعمل الإدارة الأميركية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي تحت سقف ما تقبل به إسرائيل وما لا تقبل به. مثلاً تحتاج إعادة فتح المكتب في واشنطن إلى موافقة الكونغرس الذي يرى في إسرائيل قدس الأقداس، وأنّه ممنوعٌ على أيّ إدارة إزعاجها، حتى لو من خلال قرار يخصّ السيادة الأميركية وحدها. أمّا فتح القنصلية في القدس، فلن يتمّ التقدّم في أمرها ولو بوصة واحدة من دون موافقة الحكومة الإسرائيلية. وحتى في صفقة مجلس الأمن الأخيرة، لم تتعهّد أميركا بفتحها بل بتقديم طلب خطّي للحكومة الإسرائيلية بذلك.
الخيط بيد إسرائيل
بين ما يجري في واشنطن وما يحدث في القدس الخيط المباشر وغير المباشر بيد إسرائيل فعلاً. أمّا السلطة الفلسطينية المحتاجة إلى كلّ دولار أو يورو أو شيكل، فتوسّط الإدارة الأميركية للتخفيف من قبضة إسرائيل الجشعة على المال الفلسطيني المحتجَز لديها أو المصادَر، وهذا ما لا تستطيع الإدارة فعله، حتى إنّها لا يمكنها إقراض الفلسطينيين بقدر ما تحتجز أو تصادر إسرائيل من أموال، فإذا اقتربت من هذا الأمر فالكونجرس لها بالمرصاد. وعلى الرغم من معرفة السلطة بذلك وفق التجربة، إلا أنّها لا تكفّ عن المناشدة والرجاء لعلّ الإلحاح يُنتج بعض الفائدة.
العلاقة بين المستثمر الأميركي والسلطة يحكمها مستوى العلاقة بين أميركا وإسرائيل، وهنا يبدو طلب التوازن ولو بحدوده الدنيا في العلاقة بين الحليف الاستراتيجي والاستثمار المتعثّر أمراً غير منطقي، وكذلك تذكير أميركا بأنّها في علاقاتها ومواقفها تكيل بمكيالين، الذي يبدو غير منطقي أيضاً. فإسرائيل أكثر من ولاية أميركية مميّزة، إذ إنّها في صلب المؤسّسات الأميركية بصفتها أميركية لا كياناً مختلفاً أو مستقلّاً، فما بالك بمساواتها مع السلطة في التعامل معهما.
إقرأ أيضاً: مستوطنة مقابل كلّ قتيل إسرائيليّ.. وانتفاضة ثالثة
ما تقدّم هو مجرّد عناوين أو خلاصات مختصرة في توصيف العلاقة الأميركية مع السلطة الفلسطينية، والأمر لا يحتاج إلى أدلّة وشواهد لإثبات جوهرها وما ينتج عنها.
أخيراً، الفلسطينيون ساعدوا الأميركيين في تفادي الفيتو المحرج في مجلس الأمن قبل أيام، والأميركيون لن يساعدوهم وهم يعودون ثانية إليه طلباً للحماية الدولية.