مستوطنة مقابل كلّ قتيل إسرائيليّ.. وانتفاضة ثالثة

مدة القراءة 6 د

جاء قويّاً البيان الذي صدر عن الدول الغربية الخمس الكبرى: ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، وأميركا، ردّاً على قرار الكابينت الإسرائيلي إطلاق دفعة هائلة من المستوطنات تبلغ نحو عشرة آلاف وحدة سكنية في تسع بؤر استيطانية. واعتبر البيان أنّ من شأن خطط إسرائيل توسيع الاستيطان “تصعيد التوتّر وتقويض جهود حلّ الدولتين”.

لم يأتِ اعتباطاً رقم تسعة، وهو رقم البؤر الاستيطانية، بل هو يساوي عدد القتلى الإسرائيليين الذين سقطوا في القدس أخيراً. فقد أعلن إيتمار بن غفير أنّ مقابل كلّ قتيل إسرائيلي ستُقام مستوطنة في الضفّة والقدس. سيوافق الفلسطينيون على ذلك بشرط أن تقوم إسرائيل بهدم 48 مستوطنة إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، ورقم 48 هو عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل منذ بداية العام الحالي!

أكّد معهد السياسات والاستراتيجية الإسرائيلي (IPS)، في تقديره الاستراتيجي الذي أعدّه طاقم المعهد برئاسة جنرال الاحتياط عاموس جلعاد، أنّ سياسات الحكومة المختلفة، وخاصة تجاه الفلسطينيين، من شأنها أن تؤثّر على العلاقات مع الإدارة الأميركية

صعّدت شرطة الاحتلال، بأوامر مباشرة من بن غفير، من اعتداءاتها على الفلسطينيين في القدس، التي شملت تعزيز عمليات الهدم وأوامر الإخلاء بحجّة “البناء غير المرخّص”. وشنّت حملة اعتقالات ومداهمات واسعة استهدفت خلالها منازل أسرى ومحرّرين، وصادرت أموالاً وممتلكات. وطالب قادةُ الأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية رئيسَ الحكومة بنيامين نتانياهو بالضغط على بن غفير لوقف الحملة الأمنيّة التي أطلقها في مدينة القدس المحتلّة، منعاً لتصعيد أمنيّ واسع في الضفّة والقدس خلال شهر رمضان.

العمليات الفلسطينية ستزيد

من جهتها، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أنّ نتانياهو عقد جلسة خاصة لتقويم الأوضاع الأمنيّة، بمشاركة وزير الأمن يوآف غالانت ووزير الأمن القومي بن غفير، وبحضور رئيس أركان الجيش ورئيس الشاباك ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. وبحسب القناة، شهدت الجلسة مشادّات حادّة بين بن غفير وقادة أجهزة الأمن الذين طالبوا بالتعامل مع العمليات الفلسطينية الأخيرة في القدس بـ”بحذر واعتدال” منعاً لتصعيد أكبر قبل شهر رمضان. فيما اتّهم بن غفير قادة الأجهزة الأمنيّة بأنّهم “أسرى للتصوّر” (أو الرؤية الأمنيّة السائدة). وحذّر قادةُ الأجهزة الأمنيّة من سياسة بن غفير، وقالوا إنّه “وفقاً لتقديراتنا، سيزداد التصعيد في العمليات”، وأبلغوه أنّهم يرصدون ديناميّات سيّئة على الأرض، إذ تشير الموادّ الاستخباراتية إلى تعاظم الدافع إلى تنفيذ عمليّات.

انضمّ رئيس وكالة المخابرات الأميركية “سي.آي.إي” وليام بيرنز إلى سلسلة طويلة من الخبراء الذين يحذّرون من انتفاضة ثالثة بسبب التصعيد المتزايد في الضفّة الغربية والقدس، وقال بيرنز، في خطاب في جامعة جورج تاون، إنّ الوضع المتوتّر في الميدان يذكّره بعشيّة الانتفاضة الثانية. ويبدو أنّ بيرنز أراد نقل رسالة حادّة للحكومة في إسرائيل بشأن الاقتراب من حافة الهوّة.

في هذا الإطار أكّد معهد السياسات والاستراتيجية الإسرائيلي (IPS)، في تقديره الاستراتيجي الذي أعدّه طاقم المعهد برئاسة جنرال الاحتياط عاموس جلعاد، أنّ سياسات الحكومة المختلفة، وخاصة تجاه الفلسطينيين، من شأنها أن تؤثّر على العلاقات مع الإدارة الأميركية، ويزعزع صورتها كقوّة استراتيجية. ونوّه المعهد الإسرائيلي بأنّ إدارة بايدن طالبت إسرائيل بلجم سلوكها تجاه الفلسطينيين بهدف منع اشتعال الأوضاع وترك فتحة ضيّقة لمسيرة سياسية، محذّراً من تآكل منظومة العلاقات مع الإدارة الأميركية والدول العربية بشكل سيؤثّر سلباً على القدرة على بلورة جواب استراتيجي على التهديد الإيراني.

ما هو مفاجئ حقّاً هو الهدوء الذي يخيّم على قطاع غزّة، على الرغم من العربدة الإسرائيلية في الضفّة والقدس، ومن تصفية إسرائيل لخمسة نشطاء من “حماس” التي لم تردّ على حادثة مقتل خمسة عناصر لها

بن غفير ضدّ “خطّة القرن”

عندما يُقال إنّ حكومة الثالوث الجديد تريد حسم الصراع مع الفلسطينيين، فهذا يعني أنّ هذه الحكومة تريد ضمّ مناطق “ج” في الضفة الغربية إليها وترك الفلسطينيين يعيشون في معازل، وليس دولة، على ما نسبته 40% من مساحة الضفّة الغربية.

لذلك ليس عبثاً قول بتسلئيل سموتريتش عن خطّة القرن حينما طُرحت: “هذه الخطة ستقوم في نهايتها دولة فلسطينية، الأمر الذي لا يمكن أن يحدث في أيّ حال من الأحوال، أرض إسرائيل كلّها لنا، ولن نتنازل عن أيّ سنتيمتر منها”. وكان ردّ إيتمار بن غفير مشابهاً: “دُهشت أنّه وراء هذا الاسم الرنّان “خطة القرن” يختبئ الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني المخترَع وإعطاء أجزاء كبيرة من أرض إسرائيل وإقامة دولة فلسطين”.

صبر حماس “الاستراتيجي”

لكنّ ما هو مفاجئ حقّاً هو الهدوء الذي يخيّم على قطاع غزّة، على الرغم من العربدة الإسرائيلية في الضفّة والقدس، ومن تصفية إسرائيل لخمسة نشطاء من “حماس” التي لم تردّ على حادثة مقتل خمسة عناصر لها أثناء اقتحام الشاباك والجيش الإسرائيلي لمخيّم عقبة جبر في أريحا، المدينة الهادئة نسبيّاً التي نقلت إسرائيل حكمها إلى السلطة الفلسطينية في المرحلة الأولى  من اتفاق أوسلو، إلى جانب السيطرة على قطاع غزة. وقدّر جهاز الأمن الإسرائيلي أنّ “حماس” لن تطلق صواريخ من قطاع غزة على الرغم من عدد القتلى المرتفع في صفوفها، وظهر انضباط لافت للفصائل في القطاع تحت مسمّى “الصبر الاستراتيجي”.

إقرأ أيضاً: أطفال القدس يحيلون الزعماء إلى التقاعد

رأى المستويان العسكري والسياسي الإسرائيليان أنّ ضبط النفس الذي تمارسه “حماس” ينبع من قرار عميق مفاده السماح للمقاومة في الضفة الغربية بأن تتسارع من دون أن يجذب القطاع الانتباه لأنّه على المستوى الاستراتيجي يتطلّب تطوّر المعركة في الضفة بالاتجاه الصحيح ضبط النفس في غزّة. ذلك أنّه في اللحظة التي تدخل فيها غزة القتال سيؤدّي هذا إلى ردّ عسكري إسرائيلي ذي مستوى أعلى، وهو ما ينقل مستوى الاهتمام الشعبي والإعلامي من الضفّة والقدس إلى غزّة، وهذا هو أهم الدروس والخلاصات التي تعلّمتها “حماس” من عملية سيف القدس.

*كاتبة فلسطينية

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…