حرب أوكرانيا… وكلام تشرشل

مدة القراءة 6 د

لم يعد من مجال للشكّ في ضوء الكلمات التي أُلقيت في مؤتمر ميونيخ للأمن في أنّ قراراً اتُّخذ على الصعيدين الأوروبي والأميركي بضرورة إلحاق هزيمة بفلاديمير بوتين في أوكرانيا. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ الدول الغربيّة بدأت الربط بين استمرار الحرب الروسيّة على أوكرانيا والمسيّرات الإيرانية التي ترسلها “الجمهوريّة الإسلاميّة” إلى فلاديمير بوتين.

كان رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك واضحاً في ذلك عندما قال في ميونيخ: “علينا مساعدة أوكرانيا لحماية نفسها من مسيّرات إيران”. ذهب إلى أبعد من ذلك عندما اعتبر في ميونيخ أنّ “ما على المحكّ في أوكرانيا يتجاوز سيادة الأمّة الأوكرانية وأمنها”. كانت تلك إشارة واضحة إلى أنّ مستقبل أوروبا بات مرتبطاً بنتيجة الحرب الأوكرانيّة وما إذا كان الرئيس الروسي سينجح في وضع يده على هذا البلد الأوروبي، أي على أوروبا كلّها.

يُعتبر مؤتمر ميونيخ للأمن، في سنة 2023، نقطة تحوّل على صعيد الحرب الأوكرانيّة. كشف المؤتمر أنّ أوروبا لم تتأخّر في اعتبار ما يدور في أوكرانيا حرباً روسيّة – أوروبية وأن لا خيار أمامها غير الانتصار في هذه الحرب

إلى ذلك، دعت رئيسة المفوضيّة الأوروبية أورسولا فون دير لاين في كلمتها أمام المؤتمر إلى “مضاعفة الجهود” لتسريع الدعم العسكري لأوكرانيا لمساعدتها على صدّ الغزو الروسي. وقالت: “يجب أن نواصل الدعم الهائل اللازم لهزيمة مخطّطات بوتين الإمبريالية”، مؤكّدة أنّه “حان الوقت للإسراع (في توفير الدعم العسكري) لأنّ أوكرانيا بحاجة إلى معدّات تؤمّن لها البقاء”. دعت فون دير لاين إلى تسريع إنتاج الأسلحة العاديّة مثل الذخيرة التي “تحتاج إليها (أوكرانيا) بشكل ملحّ”.

في ميونيخ أيضاً حيث ينعقد المؤتمر الذي تشارك فيه نائبة الرئيس الأميركي كاميلا هاريس ووزير الخارجيّة أنتوني بلينكن، أكّد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ في كلمته أنّه يجب على الحلفاء تزويد أوكرانيا ما تحتاج إليه لهزيمة روسيا، إذ قال: “يجب أن نعطي أوكرانيا ما تحتاج إليه لتنتصر وتكون دولة مستقلّة ذات سيادة في أوروبا (…) علينا مواصلة دعم كييف وتفعيل هذا الدعم”، مضيفاً: “لا يخطّط بوتين للسلام. إنّه يخطّط لاستمرار الحرب”.

أكّد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “وجوب تعلّم الدرس بعدما كشف الغزو الروسي لأوكرانيا المخاطر التي تتهدّد أوروبا من جرّاء اعتمادها المفرط على أنظمة استبدادية”.

تطرّق إلى موضوع بالغ الحساسيّة يتعلّق بالصين وما تثيره من مخاوف عندما قال: “علينا ألّا نكرّر مع الصين الخطأ نفسه الذي ارتُكب مع أنظمة استبدادية أخرى”، أي مع النظام الذي أقامه فلاديمير بوتين في روسيا ومع النظام الإيراني. في الواقع، أثارت الحرب في أوكرانيا مخاوف لدى قوى غربية من إقدام الصين على خطوة مماثلة في تايوان، الدولة المستقلّة، التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزّأ من أراضيها.

كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في غاية الوضوح عندما قال في كلمته أمام مؤتمر ميونيخ إنّه لا مجال لحوار مع فلاديمير بوتين. باتت لدى الرئيس الفرنسي، الذي بادر قبل عام إلى الذهاب إلى موسكو، قناعة بأنّ الرئيس الروسي فَقَد كلّ منطق. كلّ ما في الأمر أنّ فلاديمير بوتين وضع نفسه أمام خيار واحد هو خيار التصعيد مع ما يعنيه من استمرار لحرب لا يمكن أن ينتصر فيها حتّى لو حظي بكلّ الدعم الإيراني… وحتّى لو سمحت له مجموعة “فاغنر” بتحقيق تقدّم هنا أو هناك على الجبهة الأوكرانيّة.

لم يعد من مجال للشكّ في ضوء الكلمات التي أُلقيت في مؤتمر ميونيخ للأمن في أنّ قراراً اتُّخذ على الصعيدين الأوروبي والأميركي بضرورة إلحاق هزيمة بفلاديمير بوتين في أوكرانيا

بعد عام على بدء الحرب الأوكرانيّة، كلّ ما يمكن قوله أنّ هذه الحرب غيّرت العالم. تشبه هذه الحرب في مكان ما الحرب العالميّة الثانية التي كانت مواجهة بين أوروبا، بمعظمها طبعاً، وألمانيا النازيّة. لا يقلّ فلاديمير بوتين نازيّة عن أدولف هتلر باستثناء أنّ روسيا لا تمتلك القدرات الاقتصادية التي كانت تمتلكها ألمانيا، ولا تمتلك صناعة عسكريّة في مستوى ألمانيا. حاول بوتين ابتزاز أوروبا وأميركا بسلاحه النووي، لكنّ هذه المحاولة فشلت وارتدّت عليه سريعاً. تحطّمت أحلامه الإمبريالية عند أبواب كييف التي لم يستطع الجيش الروسي دخولها. لم يستوعب الرئيس الروسي منذ البداية أنّه يخوض حرباً مع أوروبا المدعومة من أميركا. تنبّهت أميركا باكراً لمعنى احتمال عودة روسيا إلى أوروبا من البوّابة الأوكرانيّة، وهي عودة إلى ما قبل انهيار جدار برلين في تشرين الثاني من عام 1989 وبدء تحرّر دول أوروبا الشرقيّة من نير الاستعمار السوفيتي وكلّ ما يحمله من تخلّف وحرمان الإنسان من حرّيته.

يُعتبر مؤتمر ميونيخ للأمن، في سنة 2023، نقطة تحوّل على صعيد الحرب الأوكرانيّة. كشف المؤتمر أنّ أوروبا لم تتأخّر في اعتبار ما يدور في أوكرانيا حرباً روسيّة – أوروبية وأن لا خيار أمامها غير الانتصار في هذه الحرب عبر دعم أوكرانيا ممثّلة برئيسها فولوديمير زيلينسكي.

مثلما أنّ التصعيد يمثّل الخيار الوحيد أمام فلاديمير بوتين، لا خيار آخر لدى أوروبا، بما في ذلك ألمانيا، غير خوض الحرب الأوكرانية إلى النهاية، وإن بطريقة غير مباشرة. أكثر من أيّ وقت يصحّ الكلام الذي قاله ونستون تشرشل لرئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشمبرلين بعد عودته في عام 1938 من زيارة لميونيخ استرضى فيها هتلر الذي باشر وقتذاك توسيع حدود ألمانيا على حساب تشيكوسلوفاكيا بحجّة أنّ فيها جالية ألمانيّة. كان تشرشل في المعارضة وكان تشمبرلين في السلطة. قال تشرشل لرئيس الوزراء: “كان لديك الخيار بين الذلّ والحرب، اخترت الذلّ، ستحصل على الحرب”. كانت توقّعات ونستون تشرشل في محلّها. صار رئيساً للوزراء مكان تشمبرلين بعد بدء الحرب العالمية الثانية.

إقرأ أيضاً: حقيقة صراع بايدن وبوتين (2)

لا تدفع أوروبا حالياً ثمن استرضاء بوتين واعتمادها على الغاز الروسي فحسب، بل تدفع أيضاً ثمن رضوخها للابتزاز الإيراني، وهو ابتزاز يمارسه بالطريقة ذاتها النظام الجزائري معتمداً على ما لديه من غاز تحتاج إليه أوروبا.

كان كلام تشرشل في عام 1938 كلاماً في محلّه. تتذكّره أوروبا اليوم من ميونيخ أكثر من أيّ وقت قبل أيام من دخول الحرب الأوكرانية سنتها الثانية!

مواضيع ذات صلة

سورية القويّة وسورية الضعيفة

سورية القويّة، بحسب ألبرت حوراني، تستطيع التأثير في محيطها القريب وفي المجال الدولي. أمّا سورية الضعيفة فتصبح عبئاً على نفسها وجيرانها والعالم. في عهد حافظ…

الرّياض في دمشق بعد الفراغ الإيرانيّ وقبل التفرّد التركيّ؟

سيبقى الحدث السوري نقطة الجذب الرئيسة، لبنانياً وإقليمياً ودوليّاً، مهما كانت التطوّرات المهمّة المتلاحقة في ميادين الإقليم. ولا يمكن فصل التوقّعات بشأن ما يجري في…

الرّافعي لـ”أساس”: حلّ ملفّ الموقوفين.. فالقهر يولّد الثّورة

لم يتردّد الشيخ سالم الرافعي رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان في الانتقال إلى دمشق التي لم يزُرها يوماً خوفاً من الاعتقال. ظهر فجأة في…

أكراد سوريا في بحث جديد… عن دور ومكان

لم يعرف الأكراد منذ أن وُجِدوا الاستقرار في كيان مستقلّ. لم يُنصفهم التاريخ، ولعنتهم الجغرافيا، وخانتهم التسويات الكبرى، وخذلتهم حركتهم القومية مرّات ومرّات، بقدر ما…