يلتئم مجلس الأمن المركزي اليوم للمرّة الأولى في السراي الحكومي. وجّهت الدعوة إلى القادة الأمنيين والمعنيين من أمانة سرّ المجلس المركزي في وزارة الداخلية على أن يّعقد الاجتماع برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي تفادى الدعوة إلى انعقاد المجلس الأعلى، بصفته نائباً للرئيس، منعاً للحساسيات الطائفية بغياب رئيس الجمهورية.
تأخّرت الدعوة إلى الاجتماع كثيراً إذ أتت بعد نحو أسبوع من بدء إضراب المصارف و”صورخة” الدولار باتجاه تجاوز عتبة المئة ألف ليرة وعلى وقع تجدّد قطع الطرقات واقتحام واجهات عدّة مصارف وإحراقها وتكسيرها.
يُسلّم معنيون بأنّ تمدّد رقعة الفوضى و”الزلزال” المصرفي والمالي باتا أكبر من أي محاولات ترقيعية من جانب الحكومة المتخاذلة أصلاً عن الإحاطة بجوانب الأزمة والدليل الاجتماع المتأخّر أيضاً الذي عقد أمس في السراي برئاسة ميقاتي وحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزيريّ المال والاقتصاد ووفد من المصرف المركزي في ظل عجز كامل عن لجم سرعة الارتطام!
خارجياً، لم يشكّل لقاء باريس الخماسي، كما توقّع كثيرون، خرقاً في المشهد السياسي-المالي الخطير العاصي حتى الآن على أيّ حلّ خارجي أو داخلي. بدا الأمر مجرّد “صيانة” أو “إعادة تزييت” لقرارات غربية-عربية، وإن تفاوتت في توجّهاتها بعض الشيء، إلّا أنّها لم تَحِد عن لبّ الموضوع: رئاسة جمهورية من دون فرض أسماء، وسلّة إصلاحات مع تمايز واضح من جانب السعودية بربط أيّ تحرّك باتّجاه لبنان بملفّ حزب الله.
هذا الواقع، معطوفاً على عدم وجود مؤشّرات لتسوية إقليمية أو دولية على نطاق أوسع من “لقاء باريس الافتراضي”، يضيّق أكثر فأكثر من فُرص التوافق داخلياً. مع ذلك ثمّة استحقاقات داهمة قد تلعب دوراً في تسهيل عملية البحث عن رئيس الجمهورية تمهيداً لتأمين نصاب الثلثين لجلسة تنتج رئيساً لإدارة الأزمة أو البدء بمشروع حلّها.
يشير مصدر مطّلع إلى قرب نهاية الولاية الممدّدة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الأوّل من تموز 2023. هو استحقاق داهم أيضاً وحَسمه بالغ الأهمية ومعقّد في حال بقيت الأزمة قائمة حتى العام المقبل. يؤكد المصدر لأساس إلى أنّ هذا الاستحقاق تستشعر به كافة الفرقاء مما يشكل دافعاً كبيراً لانتخاب رئيس الجمهورية قبل هذا الموعد.
يرى مطّلعون أنّه لا يمكن اعتماد الحلول الترقيعية في قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان. إمّا تعيين من خلال حكومة أصيلة وليس حكومة تصريف أعمال، أو شغور لأنّ البديل في قيادة الجيش غير ممكن والبديل في الحاكمية غير وارد
بالمقابل ثمّة عشرة أشهر فقط فاصلة عن موعد إحالة قائد الجيش العماد جوزف عون إلى التقاعد في 10 كانون الثاني 2024. بميزان التعقيدات المتحكّمة بالأزمة يصعب توقّع حصول انفراجات تؤسّس لكسر الحلقة الجهنّمية التي بات فيها الوصول إلى دولار المئة ألف ليرة مسألة أيام لا أكثر.
في “حالة جوزف عون” يمكن التسليم بأنّ التمديد لقائد الجيش في حال بقاء الأزمة على حالها أمر غير متاح بالسياسة على مستويين، مع العلم أنّ عون كان مرّر رسائل واضحة بأنّه يرفض التمديد له في مجلس النواب من ضمن مشروع التمديد للقادة الأمنيّين:
الأول: التمديد بقرار من وزير الدفاع موريس سليم، كما مُدّد لقائد الجيش السابق جان قهوجي من قبل الوزيرين فايز غصن وسمير مقبل، أمر غير وارد.
حتّى الآن لا يزال ضيوف وزير الدفاع وفريق عمله ممنوعين من دخول الباحة الرئيسية لوزارة الدفاع لركن سياراتهم، وكلّ المركبات الموضوعة بتصرّف وزير الدفاع لا تزال ممنوعة من الصيانة “على حساب الجيش”. لا سلام ولا كلام بين “الجنرالين” وزاد الطين بلّة دَعم وزير الدفاع السابق الياس بو صعب للوزير سليم في موقفه من أزمة تعيين المفتش العام والمدير العام للإدارة، وتوجيه محيط قائد الجيش اتّهامات صريحة لنائب المتن بالوشاية ضدّ قائد الجيش في الاجتماعات الأخيرة التي عقدها الوفد النيابي في واشنطن. في المقابل، وصل الأمر إلى حدّ تأكيد النائب باسيل في سياق اتّهامه قائد الجيش بالتصرّف بأموال خاصة عائدة للمؤسسة العسكرية بـ “تقديم” سيارات موديل العام، تصل كهبات عينيّة إلى الجيش، إلى قريبين منه وتسجيلها باسمهم الخاص.
الثاني: على مقلب مجلس النواب أوحى قائد الجيش رفضه للتمديد بشكل عام، وهذا ما طبّقه على كبار الضبّاط في المجلس العسكري. ومع طرح احتمال عدم انتخاب رئيس للجمهورية حتى نهاية العام وعدم تشكيل حكومة جديدة واقتراب تاريخ إحالة عون إلى التقاعد يمكن التسليم منذ الآن باستحالة تغطية النائب باسيل لأيّ جلسة تشريعية يكون من ضمن بنودها التمديد لقائد الجيش.
بخلاف ما يتمّ الترويج له عن احتمال التمديد لرياض سلامة فإنّ مصادر مطّلعة تؤكّد لـ “أساس” أنّ “التمديد غير وارد
في السياق نفسه، تفيد معلومات “أساس” أنّ التمديد لمدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم سيسلك مساراً مختلفاً تماماً، حيث تؤكّد المعطيات تسارع الاتصالات، عقب تأجيل جلسة هيئة مكتب مجلس النواب، التي أفضت إلى حلّ لا تزال دائرة عارفيه ضيّقة جداً وهو غير مرتبط بمجلس النواب أو بوزير الداخلية سيحسم بقاء ابراهيم في موقعه حتى تشكيل حكومة جديدة.
صحيح أنّ هناك فترة زمنية فاصلة عن احتمال تمدّد الشغور إلى رأس المؤسسة العسكرية في ظلّ وجود رئيس أركان يمارس مهامّه بالوكالة بسبب تعذّر تعيين الأصيل، وهو ما يعني أنّ القيادة العسكرية تواجه جدّيّاً سيناريو الفراغ الشامل، إلا أنّ المؤشّرات تدلّ على أنّ الوضع الداخلي، خصوصاً الماليّ والمصرفي، سيجرّ إلى انفجار اجتماعي حُكي الكثير عنه، وكثر يؤكّدون أنّه بدأ فعلاً ربطاً بالوضع القضائي المالي المرتبط بحاكم مصرف لبنان وإضراب المصارف وهستيريا الدولار و”فوران” الشارع. وفوق كل ذلك تهديدات صريحة من جانب أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرلله للاميركيين وفق معادلة: “الفوضى في لبنان سيُقابلها فوضى في المنطقة تحديداً إسرائيل”.
يمكن في هذا السياق تسجيل المعطيات الآتية:
– يرى مطّلعون أنّه لا يمكن اعتماد الحلول الترقيعية في قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان. إمّا تعيين من خلال حكومة أصيلة وليس حكومة تصريف أعمال، أو شغور لأنّ البديل في قيادة الجيش غير ممكن والبديل في الحاكمية غير وارد بسبب الرفض المطلق للثنائي الشيعي تولّي نائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري صلاحيات الحاكم بالاستناد إلى المحاذير الطائفية لهذا الأمر.
– أمّا ما يتمّ الترويج له عن احتمال التمديد لرياض سلامة فإنّ مصادر مطّلعة تؤكّد لـ “أساس” أنّ “التمديد غير وارد. الفرنسيون والأميركيون ضدّه، وفي الداخل لا أحد يجرؤ على المطالبة ببقاء سلامة تحت أيّ ظرف. السؤال المطروح فعليّاً: هل يُقال سلامة من موقعه قبل نهاية ولايته؟ وهل يذهب إلى منزله أو يهاجر؟”.
إقرأ أيضاً: “طارت” جلسة التمديد لابراهيم.. بانتظار أرنب برّي
– مع ذلك، ثمّة فريق يؤكّد رغبة الرئيسين نبيه برّي ونجيب ميقاتي و”لوبي” مالي – مصرفي في التمديد لسلامة بقانون في مجلس النواب من خلال تعديل قانون النقد والتسليف وليس بمرسوم عن مجلس الوزراء بتمديد الولاية. لكنّ تنفيذ هذه الرغبة دونه عوائق عدّة تحيل التمديد مستحيلاً، وأبرزها التسليم بصعوبة تأمين نصاب الأكثرية (65 صوتاً) ومقاطعة الجلسة من قبل حزب الله والتيار الوطني الحر والقوات ونواب قوى التغيير والمستقلّين.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@