الضحيّة الوحيدة لِما جرى في الساعات الأخيرة هو المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي سبق أن نال وعداً من حزب الله بالعمل على تمديد ولايته… على سبيل التعويض.
كان اللواء ينوي الترشّح للانتخابات النيابية لولا نصيحة الثنائي بالتريّث، فيما الحكومة لم تُعدَّل بما يضمن له منصباً وزارياً كان متّفقاً عليه. وفي كلّ مرّة كان يفاتح الرئيس نبيه برّي بالموضوع يكون الجواب: “إن شاء الله خير”.
الضحيّة الوحيدة لِما جرى في الساعات الأخيرة هو المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي سبق أن نال وعداً من حزب الله بالعمل على تمديد ولايته… على سبيل التعويض
باقٍ من عمر ولاية اللواء شهرٌ تقريباً. إنّه موقف محرج لكلّ من سعى وما يزال في سبيله. لم تُقفل الأبواب بعد. سبق أن مرّ المجلس بقطوع مماثل وسبق أن تراجعت الكتل. أمّا برّي فلم يستنفد أدواته بعد، ولن يسلّم في معركة تسجيل الأهداف وتبادل اللكمات. وربّما يُخرج أرنباً في اللحظات الأخيرة.
تعتبر مصادر التيار الوطني الحرّ أنّ “ما يحصل هو محاولة لممارسة اتفاق الطائف من دون موقع رئاسة الجمهورية. وقد أوجدوا الآليّات لممارسة الحكم وكأنّ شيئاً لم يكن، سواء برئيس أو من دونه، بدليل العزم على إصدار قانون في غياب رئيس الجمهورية. وهذا ضرب للصلاحيّات التي تمنحه حقّ ردّه. فكيف إذا أُقرّ قانون سبق أن ردّه رئيس الجمهورية قبل نهاية ولايته؟”.
الجلسة بمعناها السياسي، من وجهة نظر التيار، “ضرب للميثاقية والشراكة. كأن تقول للشريك المسيحي: أوقفنا العدّ بالكلام، لكن إمّا نسير بترشيح سليمان فرنجية أو فليمشِ البلد بلا رئيس. أي أنّ معادلة انتخاب سليمان مماثلة لبلد بلا رئيس”.
لا مصلحة لجبران باسيل بكسر المبدأ: “رَفَضَ عقد جلسة للحكومة لإقرار بنود كان يمكن تمريرها من دون جلسة، وسيرفض عقد جلسة تشريعية في ظلّ غياب رئيس الجمهورية”. والمطلوب من برّي في ظلّ هذه الأجواء والمزايدات المتبادلة “أن يُخرج أرنباً جديداً غير الدعوة إلى جلسة تشريعية وإلّا اعتُبرت دعوته استفزازاً للمسيحيين”.
هي لعبة مزايدات ونكايات سياسية على أكثر من جبهة.
لا مصلحة لجبران باسيل بكسر المبدأ: “رَفَضَ عقد جلسة للحكومة لإقرار بنود كان يمكن تمريرها من دون جلسة، وسيرفض عقد جلسة تشريعية في ظلّ غياب رئيس الجمهورية”
باسيل ينتفض
وصلت المساعي إلى مرحلة بالغة التعقيد. أعطى باسيل وعداً للّواء إبراهيم بحضور الجلسة لتمرير التمديد لمهامّه، فطالب “النواب السُّنّة” بالتمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، الباقي من ولايته ما يزيد على عام ونصف عام تقريباً بعد أن تم تجاهل مساواته باللواء طوني صليبا حين قبلت استقالته وثبّت في منصبه بصفته المدنية. ودخل المسيحيون على الخطّ، فأحرجت القوات اللبنانية باسيل وعايرته بأنّ حضور جلسة هدفها التمديد لمنصبين شيعي وسنّي بلا المسيحيين لا يختلف عن عقد جلسة لمجلس الوزراء في غياب رئيس للجمهورية. وبات السؤال: ماذا عن المسيحيين؟ فأُضيف “المديرون العامّون” والتمديد لهم، فأضفى ذلك تعقيداً إضافياً إلى التعقيدات الأصلية.
اتّهمت القوات باسيل بأنّه “حصان طروادة” يمارس سياسة مزدوجة بحسب مصالحه. وبعد أخذ وردّ على امتداد الأيام الماضية حسمها مغرّداً بأن “لا ضرورة تعلو على ضرورة انتخاب الرئيس”. اللهمّ إلّا إذا أطلق العنان لعدد من نواب كتلته لحضور الجلسة بما يمنح انعقادها ميثاقيّة.
استبعدت مصادر نيابية مثل هذا الاحتمال، وقالت لـ”أساس” إنّ “انعقاد الجلسة بات صعباً جدّاً، ولا سيّما إذا كانت ذات جدول أعمال دسم يُحرج التيار أكثر ممّا يدفعه إلى الحضور”.
مصادر اجتماع مكتب المجلس النيابي أمس كشفت لـ”أساس” أنّ الرئيس برّي قدّم كل التسهيلات اللازمة خلال الاجتماع، مبدياً حرصه على التفاهم، وأبدى استعداده للتريّث أسبوعاً إضافياً قبل الدعوة إلى جلسة الضرورة، لكنّ الجانب العوني كان واضحاً في رفض المشاركة، وأقفل باب التفاوض”. وقالت المصادر لـ”أساس” أنّ “الجانب العوني لم يطلب شيئاً”. في حين علم “أساس” أنّ باب التفاوض لن يقفل قبل اجتماع “تكتّل لبنان القوي”… وبعدها إما يحسم التيار الوطني الحرّ عدم المشاركة، أو يفتح باباً موارباً لحلٍّ ما.
2014: التيّار والقوّات شاركا
من الجدير التذكير به أنّه في عام 2014 وأمام الدعوة إلى جلسة نيابية في عهد حكومة تمّام سلام وفي ظلّ فراغ وعدم انتخاب رئيس للجمهورية آنذاك، علت الأصوات المعترضة، وأعلنت بكركي يومذاك أنّ “تشريع الضرورة الوحيد والمستعجل هو انتخاب رئيس الجمهورية فقط لا غير، ونقطة على السطر”. لكن تحت وطأة إقرار قانون انتخاب ومشاريع قوانين ماليّة، عُقدت الجلسة بمشاركة كتلتَيْ التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. فهل يتكرّر السيناريو ذاته اليوم أم تحول المزايدات والكباش السياسي الحامي دون انعقادها؟
ترفض الكتلتان ذاتهما، اللتان حضرتا مثل هذه الجلسة، المشاركةَ في جلسة مماثلة إذا تمّت الدعوة إلى عقدها، انطلاقاً من اعتبار أنّ مجلس النواب عند خلوّ موقع رئاسة الجمهورية قد تحوّل دستورياً إلى هيئة ناخبة ملتئمة بشكل دائم من أجل إتمام مهمّتها المحصورة فقط بانتخاب الرئيس.
الكابيتال كونترول مقابل التمديد
في بداية البحث كان الاتّفاق على أن يُدرج قانون الكابيتال كونترول على جدول الجلسة مقابل تمرير التمديد للّواء إبراهيم. لكنّ التيار خرج من هذا الاعتبار بعدما تنبّه أنّ القانون سيُقرّ بالصيغة التي سبق أن ردّها الرئيس ميشال عون. وفي قراءة التيار: “إذا أُقرّ الكابيتال كونترول بصيغة ملتبسة لا تفي بالغرض المرجوّ على مستوى حماية أموال المودعين يكون مجلس النواب قد مرّر خدمة للحكومة، وتكامَل العمل النيابي مع عمل الحكومة، وأضحت الرئاسة الأولى خارج المعادلة، وبات الحكم السائد للسُّنّة والشيعة وكأنّه يثبت قدرته على الحكم بلا رئيس للجمهورية أي من دون الشراكة المسيحية”.
من وجهة نظر التيار، حسب مصادره: “إذا عقد برّي جلسة تشريعية يكون قد ضرب مبدأ الشراكة ومدّد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بغالبية 65 صوتاً إن توافرت، خاصة في ظلّ العريضة النيابية التي وقّعها 46 نائباً من الكتل النيابية المعارِضة والنواب المستقلّين ممّن يرفضون المشاركة في أيّ جلسة تشريعية وينكرون شرعيّتها”.
إقرأ أيضاً: من سينضمّ إلى “قانون عبّاس إبراهيم”؟
لن يجد التيار الوطني الحرّ نفسه محرجاً أمام حليفه الشيعي: “لم يعد من شيء يحرجه”. وعمليّاً وضع رئيسه جبران باسيل حدّاً لمحاولة فرض حكم المجلس النيابي وتثبيت عمل الحكومة. فكان الغرض من الجلسة، حسب المصادر، “أن تنال الحكومة ما لم تأخذه من خلال عقد جلساتها من خلال تشريع الضرورة بقوّة دفع من رئيس المجلس”، أي أنّه “استخدم التشريع في تحقيق غايات إجرائية”، وهو ما يفسَّر بأنّه “تبادل الكرة بين الرئيس نبيه برّي والرئيس نجيب ميقاتي، لكن لن يمرّ بسهولة. وكأنّنا أمام اتفاق رباعي يمارَس على أرض الواقع قوامه السُّنّة والثنائي الشيعي والدروز ومسيحيّو المسلمين”.
يهمس آخرون: “إذا خرج اللواء فسيُكلّف بحسب الأقدمية العميد رمزي الرامي”، وبالتالي سيعود المنصب إلى المسيحيين، بعدما أخذه اللواء جميل السيّد في عام 1999، وتحديداً إلى أحد القريبين من باسيل… وهذا كلام آخر.