السفير جيرجيان: واشنطن تعمل على إدارة الأزمة الفلسطينيّة وليس حلّها

2023-02-11

السفير جيرجيان: واشنطن تعمل على إدارة الأزمة الفلسطينيّة وليس حلّها

رأى إدوارد جيرجيان، الأستاذ المحاضر حالياً في مبادرة الشرق الأوسط التابعة لمركز بلفر في مدرسة هارفرد كينيدي، أنّ الزيارات التي يقوم بها كبار المسؤولين الأميركيين للمنطقة هي لإدارة الصراع وليس لحلّ المشكلة الرئيسية المتمثّلة في احتلال الأراضي الفلسطينية والعنف المتقطّع وعدم الاستقرار الناتج عن الوضع الراهن. ودعا الولايات المتحدة إلى استخدام نفوذها لجعل الأطراف تعيد التركيز على الأفق السياسي من أجل إعطاء أمل أنّ هناك طريقة ما للخروج من دائرة العنف لأنّه حيث لا يوجد أمل تحدث أسوأ السيناريوهات.

نزع فتيل العنف الأخير

في الأسابيع القليلة الماضية، زار إسرائيل والمنطقة دبلوماسيون ومسؤولون أميركيون كبار، من بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان ومدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز، بهدف “نزع فتيل العنف الأخير” بين إسرائيل والفلسطينيين الذي تصاعد مع وصول الحكومة اليمينية المتطرّفة برئاسة بنيامين نتانياهو إلى السلطة”. كرّر هؤلاء دعم واشنطن لحلّ الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، وسعيها إلى المساعدة في إدارة التوتّرات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وتعزيز العلاقات الأميركية الفلسطينية. وحذّروا من الخطوات التي يتّخذها الإسرائيليون أو الفلسطينيون لتصعيد العنف وتقويض رؤية الدولتين، ومن ضمنها التوسّع الاستيطاني وعنف المستوطنين والهدم والإخلاء والتحريض على العنف ودفع الأموال للأسرى الفلسطينيين.

رأى إدوارد جيرجيان، الأستاذ المحاضر حالياً في مبادرة الشرق الأوسط التابعة لمركز بلفر في مدرسة هارفرد كينيدي، أنّ الزيارات التي يقوم بها كبار المسؤولين الأميركيين للمنطقة هي لإدارة الصراع

قال جيرجيان: “لكنّ هذه الزيارات لم تحقّق هدفها، بل واستشعر أصحابها أنّ الظروف مهيّأة أكثر من أيّ وقت مضى لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، كما حذّر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بيل بيرنز. ففي الوقت الحالي ليس في الأفق أيّ حلّ هيكلي للقضية الفلسطينية، ولهذا السبب ينصبّ تركيز الإدارة الأميركية على إدارة الأزمة وليس حلّها. لا يوجد حلّ عسكري أو أمنيّ واقعي للقضية الفلسطينية. فقط الحل السياسي التفاوضي هو الذي سيحلّ المشكلة”.

بايدن وتجنّب التوتّرات

تحدّث إدوارد جيرجيان إلى “هارفرد غازيت” الموقع الإخباري الرسمي لجامعة هارفرد، فقال إنّ البلدان المجاورة والولايات المتحدة ليست لديها مصلحة في تصعيد العنف في الأراضي المحتلّة لأنّ من شأن زيادة تفاقم العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وبين الأولى وحماس في غزّة، أن يؤدّي إلى عدم الاستقرار الإقليمي، في حين تريد إدارة بايدن تجنّب تصاعد التوتّرات في الشرق الأوسط، ولا سيّما بسبب الحرب في أوكرانيا وغيرها من قضايا السياستين الداخلية والخارجية الرئيسية التي تواجهها، ومنها ما يتعلّق بالصين.

لذلك لفت إلى أنّ الهدف الرئيسي للولايات المتحدة وبعض البلدان في المنطقة هو إدارة الأزمة المباشرة. تهدف الزيارات التي يقوم بها كبار المسؤولين الأميركيين إلى إدارة الصراع، وليس حلّ المشكلة الرئيسية التي هي احتلال الأراضي الفلسطينية والعنف المتقطّع وعدم الاستقرار الناتج عن الوضع الراهن. وللأسف، يبقى التوصّل إلى اتفاق سلام اليوم بعيد المنال لأسباب عديدة. فالحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة نتانياهو التي انتخبها الإسرائيليون، وفق ما وصفها به جيرجيان، هي الحكومة الائتلافية الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، وستثير العديد من المناقشات والانقسامات الداخلية في إسرائيل بسبب سياساتها ومقترحاتها في الشأن الداخلي وفي ما يتعلّق بالفلسطينيين، بالإضافة إلى تظاهرات عامة واسعة النطاق. وفي واشنطن بشكلٍ خاصّ، بحسب جيرجيان، أُثيرت أسئلة رئيسية عن تأثير سياسات الحكومة الجديدة على النظام الديمقراطي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.

مصدر قلق خطير آخر، يخشى منه جيرجيان، هو ضعف السلطة الفلسطينية. فهو عامل مهمّ في المعادلة. لقد أصبح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في سنّ معيّنة، ويواجه تحدّيات سياسية داخل فتح ومن حركتَيْ حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيّتين، ولا سيّما في ما يتعلّق بالتعاون الأمني ??بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل الذي يتعرّض لمزيد من التدقيق النقدي، إضافة إلى أنّ اتفاقيات أوسلو التي عُقدت عام 1993 وأنشأت السلطة الفلسطينية وعدت بتحقيق تقدّم نحو اتفاق سلام مع إسرائيل، لكنّ ذلك لم يتحقّق.

خلاف بايدن – نتانياهو

سئل جيرجيان عن تأثير العلاقة الشخصية بين الحليفين القديمين في أوائل الثمانينيّات بايدن ونتانياهو، فأشار إلى أنّها علاقة مهمّة، وقد تؤثّر على اتجاه العلاقات الأميركية الإسرائيلية المهمّة جدّاً أيضاً. لكنّ هناك اختلافات جدّيّة، وبعيداً عن الخطابات، فإنّ لكلّ دولة مصالحها الخاصة، وعلينا أن نرى كيف سيحدّد رئيس هذه الحكومة الائتلافية الجديدة نتانياهو مصالح إسرائيل.

أضاف: “عندما قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مؤتمره الصحافي إنّ على جميع الأطراف اتّخاذ خطوات لمنع المزيد من التصعيد والعنف، وإنّ الولايات المتحدة ستعارض أيّ تحرّكات تتعارض مع الجهود المبذولة لحلّ الدولتين، ومن ضمنها التوسّع الاستيطاني، وتدابير الضمّ، والهدم وطرد الفلسطينيين، وتغيير الوضع الراهن للأماكن المقدّسة، كان يؤكّد لحكومة نتانياهو أنّ للولايات المتحدة مصلحة في استقرار المنطقة ومنع المزيد من التصعيد”.

في الأسابيع القليلة الماضية، زار إسرائيل والمنطقة دبلوماسيون ومسؤولون أميركيون كبار، من بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان ومدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز، بهدف “نزع فتيل العنف الأخير” بين إسرائيل والفلسطينيين

إدارة الأزمة الفلسطينيّة وليس حلّها

عن احتمالات أن تؤثّر الولايات المتحدة على حكومة نتانياهو على الجبهات المحليّة أو الإقليمية نتيجة العلاقات الجيّدة بين البلدين، قال جيرجيان: صحيح أنّ العلاقة قويّة ويدعمها الحزبان، وأنّ لدينا علاقات ثنائية متعدّدة في مختلف المجالات وبرامج مساعدة رئيسية، وقد أكملنا لتوّنا مناورة عسكرية مشتركة أبرزت مدى التعاون العسكري والأمنيّ ??الوثيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لدينا تأثير، نعم ولا شكّ في ذلك، لكن كيف نستخدمه هو سؤال آخر.

هل قصد جيرجيان في كلامه أنّ من المحتمل أن تنظر الولايات المتحدة في حجب الدعم عن إسرائيل من باب المساومة، كما حصل في عام 1991 حين علّق الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب مؤقّتاً موافقة الكونغرس على ضمانات القروض الأميركية لإيقاف النشاط الاستيطاني لإسرائيل وحثّها على المشاركة في مؤتمر دولي للسلام؟

إقرأ أيضاً: الاستحقاق الرئاسيّ على إيقاع زلزال دمشق

قال جيرجيان: يعتمد هذا الأمر على تطوّر الأحداث، وما هو مطروح على الطاولة في الوقت الحالي هو التأثير السياسي الذي يمكن أن تمارسه الولايات المتحدة على كلّ من الإسرائيليين والفلسطينيين لتحديد الخطوط التي لا ينبغي اختراقها ومنع العنف وتدهور الوضع على الأرض. وللولايات المتحدة نفوذ أيضاً في الدول المجاورة، ومنها الأردن والمملكة العربية السعودية ودول الخليج ومصر.

في الوقت الحالي ليس في الأفق أيّ حلّ هيكليّ للقضية الفلسطينية، ولهذا السبب ينصبّ التركيز على إدارة الأزمة وليس حلّها. لكن إذا نظرنا إلى الصورة الكبيرة، فلن نجد حلّاً عسكريّاً أو أمنيّاً واقعيّاً للقضية الفلسطينية. فقط الحلّ السياسي التفاوضي هو الذي سيحلّ المشكلة. وأعتقد أنّ من المهمّ للولايات المتحدة أن تدفع الأطراف إلى إعادة التركيز بشكل خاص على الأفق السياسي لإعطاء أمل أنّ هناك طريقة ما للخروج من دائرة العنف هذه، لأنّه حيث لا يوجد أمل تحدث أسوأ السيناريوهات.

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

تقرير استخباريّ أميركيّ: الضفة الغربية نحو انتفاضة ثالثة؟

حذّر تقرير استخباريّ أميركي من أن تؤدّي العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية في الأشهر المقبلة إلى اندلاع انتفاضة ثالثة خطيرة…

ماذا تفعل إسرائيل في قلب آسيا الوسطى؟

بينما تتّجه الأنظار إلى الحرب الإسرائيلية ضدّ غزة ولبنان وتتفاقم المخاوف من حرب أوسع نطاقاً تشمل إيران والولايات المتحدة الأميركية، تبرز القوقاز وآسيا الوسطى كساحة…

إسرائيل وأخطاؤها الخمسة.. الطريق نحو الهاوية

“إسرائيل في ورطة خطيرة. مواطنوها منقسمون بشدّة، وهي غارقة في حرب لا يمكن الفوز بها في غزة. جيشها منهك وكذلك اقتصادها ولا تزال الحرب الأوسع…

هل من نهاية للصّراع الإسرائيليّ مع الحزب؟

سيظلّ الحزب يشكّل تهديداً لإسرائيل حتى بعد الحرب المحتملة، بحسب دانييل بايمان أحد كبار الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والأستاذ في كلّية الخدمة الخارجية…