الطائف: من هو The Last Samurai؟

2023-02-10

الطائف: من هو The Last Samurai؟

هما آخر حرّاس هيكل اتفاق الطائف. لم يبقَ أحدٌ غيرهما. الباقون تساقطوا على الطريق. منهم من غادر بإرادته. منهم من لم يكن “حقّاً” موجوداً داخله. منهم من قتل. منهم من غيّر رأيه. ومنهم من لم يدخل أصلاً.

كان نبيه برّي ممثّل الطائفة الشيعية في الجانب التنفيذي من اتفاق الطائف بين 1990 و2005. أما الممثّل الرسمي في كواليس الاتفاق فكان الرئيس حسين الحسيني، الذي انتقل إلى جوار ربّه قبل أسابيع.

وكان وليد جنبلاط “رابع” الرؤساء، منذ الاتفاق الثلاثي، وصولاً إلى “ترويكا” التسعينات، وليس انتهاءً بدوره المحوريّ في “ثورة الأرز” وفي المراحل المستمرّة إلى يومنا هذا، “بيضة قبّان” حيناً، وقائد انقلابات “الرادارات” وما ينتابها من موجات “ما فوق سياسية” في الداخل والخارج.

 

“تساقط” حراس اتفاق الطائف

إذا راقبنا المشهد منذ مطلع الألفية الجديدة إلى اليوم، سنجد أنّ أركان اتفاق الطائف “تساقطوا” كلّهم. من لم يًمُت بالسيف مات بغيره:

– في 24 كانون الثاني 2002 اغتيل إيلي حبيقة بعبوة ناسفة في الحازمية، على بعد مسافة قصيرة من بعبدا وقصرها الذي كان يسكنه إميل لحود. كان حبيقة “رهاناً” جديّاً، يعوّل عليه لصناعة رأي عام مسيحي خارج الأحزاب التقليدية. سقوطه كان مقدّمة لسقوط الطائف لاحقاً.

كان نبيه برّي ممثّل الطائفة الشيعية في الجانب التنفيذي من اتفاق الطائف بين 1990 و2005. أما الممثّل الرسمي في كواليس الاتفاق فكان الرئيس حسين الحسيني

– في 14 شباط 2005 تفجير بطنّ من الحقد والمتفجرات أزاح جبل رفيق الحريري من لبنان والمنطقة، وضرب الأساسات اللبنانية – العربية لاتفاق الطائف.

– منذ 2006 واعتصام حزب الله أمام السراي في وسط بيروت، وصولاً إلى 7 أيّار 2008، بدأ حزب الله يعلن ويضمر أنّ الطائف ما عاد على مقاسه، وأنّه يريد تعديلات “على النظام”، بدأها من اتفاق الدوحة في قطر.

– في 2011 قطع حزب الله حدود سايكس بيكو، وتوغّل مقاتلوه في سوريا، معلنين أنّ لبنان لم يعد “وطناً نهائياً”. وبات الحزب يتصرّف باعتبار لبنان وسوريا والعراق واليمن محميّات وملحقات بالمركز الإيراني.

– في 2012 و2013 و2014 أكّد مسؤولون في حركة أمل أنّ لا مشاركة للحركة في المعارك السورية إلى جانب حزب الله، التزاماً بأنّ “لبنان وطن نهائي”. وحافظ الرئيس برّي على مسافة من أيّ تدخّل خارج لبنان، وكلّفه هذا الكثير في علاقته بالنظام السوري وفي الداخل اللبناني.

– في 2016 و2017 سقط الجانب “المصرفي” من اتفاق الطائف، أو قل “تمويله” الذي أبقى طبقته السياسية على قيد الحياة 17 عاماً. وكانت “الهندسات المالية” التي أودت بودائع المصارف اللبنانية ضحيّة “مخطط بونزي” الذي سرعان ما انكشف وأسقط اقتصاد لبنان في 2019 وصولاً إلى اليوم.

– في 2022 أعلن وريث الحريرية السياسية، سعد الحريري، تعليق عمله السياسي في لبنان، بعد 15 عاماً من الضربات والاعتداءات العونية والحزب اللهية على موقع رئاسة الحكومة ومواقع السنّة في الإدارة والسياسة والنظام.

 

خروج المسيحيين…

– بين الأعوام 2018 و2023، تقاطر المسيحيون، فرادى وجماعاتٍ وأحزاباً، إلى إعلان الضيق من اتفاق الطائف، باعتباره غرفة مقفلة عليهم، مجبرين على العيش داخلها مع حزب الله. ضاقوا ذرعاً أكثر بعد انهيار الليرة اللبنانية والاقتصاد منذ 2019. حين اكتشفوا أنّ كلفة العيش مع حزب الله لا تقتصر على تحمّل تحكّم السلاح بالحياة السياسية، وعلى القمع السياسي وضرب حرية الرأي والتعبير، بل أتت أيضاً على لقمة عيشهم وعلى طبقتهم الوسطى وعلى كلّ مكتسباتهم، من الجامعات إلى المصارف والمستشفيات و”فكرة” لبنان من أساسها.

– كان العونيون من البداية خارج “الطائف”، الذي نفى قائدهم ميشال عون إلى فرنسا. كان سمير جعجع من الموافقين على “الطائف”، لكنّه كان ضحيته وسجن 11 عاماً تحت سقفه في طابق تحت أرض “وزارة الدفاع”. وفي 2023 بات جعجع وعون متفقين على ضرورة “إعادة النظر بالتركيبة السياسية”، كلّ من موقعه.

وحدهما نبيه برّي ووليد جنبلاط ظلّا على إخلاصهما لهذا الاتفاق. هما اللذان أكثر من استفاد منه

– أما مسيحيون “التغيير” وثورة 17 تشرين، ومعهم حزب الكتائب، فهم شاركوا في ثورة “ضدّ النظام”. وبالتالي فإنّ رأيهم بالطائف لا يحتاج إلى الكثير من التحليل لنعرف أنّهم يعتبرونه “نظام الطبقة السياسية” التي يثورون ضدّها.

 

صمود برّي وجنبلاط

في 2023 توفي الرئيس حسين الحسيني. كأنّ موته “الطبيعي” ترميزاً مكثّفاً للموت “الطبيعي” لهذا الاتفاق.

وحدهما نبيه برّي ووليد جنبلاط ظلّا على إخلاصهما لهذا الاتفاق. هما اللذان أكثر من استفاد منه.

– الأوّل برئاسة “أبدية” لمجلس النواب، تجاوزت 30 عاماً، منذ توقيع الاتفاق. وبالتالي فهو الرئيس “الأبديّ” لهذا النظام، الوحيد الذي لا يتغيّر. وهو الذي أدخل “الشيعة” إلى إدارات الدولة. وها هي الرواتب تنهار وتنهار معها “الطبقة الوسطى” الشيعية، التي خرجت من “حركة المحرومين” لتكون “جيش” الرئيس برّي المدني.

– والثاني لأنّه لن يجد “دوراً” متضخّماً في النظام اللبناني، خارج الاتفاق، مع كتلة بشرية وانتخابية لا تزيد عن 5 % من أعداد الناخبين أو المقيمين، مع دور سياسي يفوق بكثير هذه النسبة.

بري وجنبلاط هما آخر الواقفين داخل اتفاق الطائف وله وبه. المسيحيون غادروه فرادى وجماعات. السنّة أخرجهم منه زلزال 14 شباط 2005ثم طراوة وريث الحريرية، وبعدها قساوة العونية وحزب الله على رئاسة الحكومة.

إقرأ أيضاً: جنبلاط وبرّي: أخوا الحروب والأسرار…

وحدهم دروز جنبلاط وشيعة بري لا زال الطائف حضنهم وفراشهم الدافىء. هما نواته الصلبة، ينقصهم قيادي سنيّ من “دفعتهم”، لصيانة الاتفاق ودوريهما فيه، من النزق المسيحي، ومن الغليان الحزب اللهي، طمعاً في مناصب وأدوار ما فوق قدرة الطائف على تلبيتها، من دوحة 7 أيار، إلى انتفاخ الحزب وورمه السوري غير الحميد واليمني غير السعيد. وينقصهم شريك مسيحيّ يعيد تركيب “الطاولة” على 4 أعمدة.

إلى ذلك الحين، سيظلّ الطائف يتمرجح، لا يسقط، ولا يثبت… بحماية ثنائي بريّ – جنبلاط.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@

مواضيع ذات صلة

“أبو مازن”.. اعتمر الكوفيّة وعد إلى أهلك في جنين

هي رسالة إلى “أبو مازن” ندعوه فيها إلى اختصار الطريق، والذهاب إلى حيث يجب الذهاب وسط هذا التهديد الكبير. الأخ “أبو مازن”. تحيّة وبعد. أنت…

مناظرة تكتيكيّة: هاريس نحو التّعادل وترامب يصوّب على الهدف

منذ إطلاق أوّل مناظرة رئاسية متلفزة عام 1960، لم تكتسب المناظرات التلفزيونية أهمّية في تحديد هويّة من سيصل إلى البيت الأبيض كانتخابات هذه السنة نتيجة…

صفقات أميركا مع إيران: العراق يتقدّم على لبنان

يشكّل العراق كما جرت العادة في العقدين المنصرمين الساحة الرئيسة للمساومات بين إيران وأميركا، على الصعيد الإقليمي. في هذا المجال تتقدّم تلك الساحة على ساحة…

الحجّار وسلامة.. شجاعة رجلين

بعيداً عن الشعبوية والشماتة، ما يجب تأكيده في قرار مدّعي عام التمييز القاضي جمال الحجار بتوقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، أنّ أمامنا قصّة…