لماذا أقامت الإمارات علاقات مع إسرائيل وتحمّلت تبعات هذه العلاقة مع حكومة يمينية، ثمّ تعاني الآن من جنون اليمين الديني الشديد التطرّف؟
لماذا؟
ألم يكن من الأفضل للإمارات أن تستمرّ متدثّرة بعباءة مبادرة القمّة العربية للسلام؟ ألم يكن من الأسلم أن تتفرّغ لشؤونها الخاصّة؟
قرار إقامة علاقات طبيعية مع العدوّ الإسرائيلي هو قرار له، من وجهة نظر أبو ظبي، جذوره المنطقية ودوافعه الحكيمة ومبرّراته الوطنية.
من هنا لا بدّ أن نسأل: كيف نفهم هذا الملفّ من منظور إماراتيّ؟
تبدأ القصّة من التقويم الاستراتيجي الإماراتي الذي يديره الشيخ محمد بن زايد والشيخ محمد بن راشد والشيخ طحنون بن زايد والشيخ عبدالله بن زايد.
في مراحل كان لكلّ من الشيخ حمدان والشيخ هزاع تأثيرات مهمّة في هذا المجال.
يحبّ الشيخ محمد بن زايد أن يكرّر ببساطة وعمق: نحن نقوِّم علاقاتنا بحكمة معتمدين على قيم الحوار الإيجابي والتعاون البنّاء والتفاهم المشترك
ماذا تقول الرؤية الاستراتيجيّة؟
1- توجد 3 قوى إقليمية غير عربية تؤثّر بشكل فعّال على حركة وصراعات المنطقة، وهي إيران وتركيا وإسرائيل.
2- تؤمن الامارات بأنّه مع وضع ما سبق في اعتبارات الأمن القومي العربي والمصالح العليا فإنّ إدارة أزمات وصراعات العرب يجب أن لا تخرج من يد العرب.
3- على الرغم من أنّ الإمارات ليست في مواجهة مع إسرائيل ولم تكن، وليس لديها شهداء أو متضرّرون نتيجة مواجهة مع إسرائيل، وعلى الرغم من أنّ إسرائيل ليست دولة حدودية، تؤثّر مخاطر الصراع الإسرائيلي على المنطقة من أدناها إلى أقصاها.
4- دولة الإمارات تستضيف على أراضيها مواطنين من 200 جنسية و68 ديانة ومذهب، ولا تفرّق بين دين وجنسيّة وعرق ولون، بل إنّها خلقت من نفسها مركزاً إقليمياً وعالمياً للتسامح والتعاون والتفاهم والحوار.
5- تؤمن الإمارات بأنّ عالم اليوم يؤثّر بعضه في البعض الآخر بشكل غير مسبوق.
لاحظ خسارة دبي 30 ملياراً من التحويلات عقب الربيع العربي، وخسارة 25 ملياراً عقب العقوبات على إيران، وما بين 12 و15 مليار دولار عقب الخلاف مع قطر، وتأثيرات أزمة العقارات العالمية على الشركات والأسواق الماليّة في الإمارات.
لاحظ أيضاً استفادة الصندوق السيادي الإماراتي من ارتفاعات أسعار النفط عقب العقوبات على روسيا.
وأيضاً اتجاه الكثير من رؤوس الأموال الروسيّة والهندية والصينية إلى الإمارات عقب العقوبات المتشدّدة التي فرضها الغرب على روسيا ورؤوس الأموال الروسية في الخارج على اعتبار أنّ الإمارات توفّر ملاذاً آمناً.
إذاً فالصراعات، بالدليل القاطع والبرهان العمليّ المدعّم بالأرقام، تؤثّر سلباً أو إيجاباً على العالم، ولا يوجد صراع مؤثّر أو غير مؤثّر ولا صراع بعيد أو قريب.
سوف يدفع الجميع فاتورة ما يحدث من حروب أو مشاكل فيروسيّة أو انبعاثات مضرّة بالبيئة أو انهيارات في أسواق المال والطاقة.
يحبّ الشيخ محمد بن زايد أن يكرّر ببساطة وعمق: “نحن نقوِّم علاقاتنا بحكمة معتمدين على قيم الحوار الإيجابي والتعاون البنّاء والتفاهم المشترك”.
لكن ما لا يقوله الشيخ محمد هو أنّ الإمارات لا تبيع شعارات شعبوية أو تطلق مبادرة فارغة أو تصدّر أوهاماً لشركائها. لذلك لم يكن مستغرباً أن تحصل على 160 صوتاً أيّدوا إقامة معرض “إكسبو” على أراضيها.
فلسفة “قوّة المصالح المشتركة”
يؤكّد مصدر مطّلع أنّ “من المهمّ جدّاً جدّاً فهم ما تمّ بين الإمارات وإسرائيل. فما تمّ ليس سلاماً، بل هو إقامة علاقة طبيعية بين دولة وأخرى بحيث تؤدّي العلاقات الطبيعية إلى تسهيل وتدعيم التسوية السلميّة”.
يعود مصدر آخر ليؤكّد أنّ “استفحال الصراع الديني بين اليمين الديني المتشدّد في كلّ من إسرائيل وغزّة، من الممكن أن يحوّل المنطقة إلى جهنّم”.
لقد أكّد رئيس الدولة محمد بن زايد في كلّ جلساته مع الإسرائيليين على كلّ المستويات أنّ “الإمارات ضدّ التطرّف الديني والإرهاب أيّاً كان مصدرهما، لكن لا بدّ دائماً من تذكّر أنّ التغافل المتعمَّد عن مشروع الدولتين سيؤدّي دائماً إلى انفجار الأمور نتيجة اليأس والإحباط الوطنيَّين الفلسطينيَّين”.
من هنا كانت فلسفة الشيخ عبدالله بن زايد، ووزير الدولة للشؤون الخارجية سابقاً الدكتور أنور قرقاش، الأكاديمي والدبلوماسي العريق، تقوم على مبدأ استخدام قوّة المصالح المشتركة عبر الحوار الجادّ والملزِم لإحداث خطوات تقارب تؤدّي إلى تسوية عادلة وشاملة ومقبولة من الطرفين.
كان الشيخ عبدالله بن زايد في اجتماعات “مجموعة النقب”، وهي مجموعة الدول العربية التي لها علاقات مع إسرائيل، قد أصرّ على الجانب الإسرائيلي أن لا تكون الاجتماعات شكليّة أو مسألة علاقات عامّة سياسية تُسوَّق داخليّاً، ودعا إلى أن تؤدّي هذه الاجتماعات إلى قرارات عمليّة ذات برامج تعاون ملزِمة وجداول زمنية تخلق شبكة مصالح تدافع عن مشروع الدولتين وتنزع نهائياً فتيل الانفجار.
إقرأ أيضاً: الفريضة الغائبة: “كلّنا أوّلاً”
يرى مراقب على صلة قويّة بأبو ظبي ورام الله في الوقت ذاته أنّ “مسألة الخلافة، سواء في تل أبيب أو رام الله، هي مسألة مقلقة جدّاً للعقلاء في المنطقة”.
والخوف كلّ الخوف أن يأتي من يخلف بنيامين نتانياهو وأبا مازن من مُعادي فكرة السلام.
لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@