يبدو أنّ “أفكار إنشاء “حلف بغداد” جديد في المنطقة بدأت تتردّد في أكثر من مركز أبحاث ودراسات غربي، ليس آخرها ما اقترحه الخبير الاستراتيجي الجيوسياسي البارز والباحث في مجلس الحلف الأطلسي، ألب سيفيمليسوي، الذي تتركّز أبحاثه على دور الناتو في البحر الأبيض المتوسط، والذي دعا في اقتراحه هذا إلى إحياء حلف بغداد بنسخة حديثة منقّحة تضمّ الولايات المتحدة الأميركية وتركيا والمملكة المتحدة وإسرائيل ومصر، معتبراً أنّ “إبرام تحالفات أخرى مماثلة لهذا الحلف ضرورة حتمية في التفكير الدفاعي المعاصر”، ولفت إلى أنّ هذه الأحلاف سيكون هدفها مواجهة المشكلات التالية:
– “الطائفية المتفاقمة في الشرق الأوسط.
– العدوان الروسي على أوكرانيا.
– الوجود المتجدّد لجهاز المخابرات العسكرية الروسي في ليبيا وسوريا.
– حاجة حلف الناتو إلى تحسين ردعه النووي الاستراتيجي”.
يبدو أنّ “أفكار إنشاء “حلف بغداد” جديد في المنطقة بدأت تتردّد في أكثر من مركز أبحاث ودراسات غربي، ليس آخرها ما اقترحه الخبير الاستراتيجي الجيوسياسي البارز والباحث في مجلس الحلف الأطلسي، ألب سيفيمليسوي
رأى سيفيمليسوي أنّ إبرام حلف مماثل لحلف بغداد أو ما يسمّى “منظمة معاهدة الشرق الأوسط” يشكّل “ضمانة استقرار في البحر المتوسط، ويحفظ أمن الطاقة والأمن القومي من خلال حشد الدول إلى جانب حلف الناتو”، ودعا إلى “استخدام مال الخليج وبراعة القوات المسلّحة التركية وقدرات الولايات المتحدة العالمية. وهذا يمكِّن بريطانيا من تحديد سياستها الخارجية العالمية، ويمكّن إسرائيل من الارتقاء باتفاقيات أبراهام الحالية إلى اتفاق إقليمي شامل”.
ودعا الخبير إلى إنشاء تحالف يعادل تحالف “العيون الخمس “Five eyes” الاستخباراتي الذي يضمّ الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، لمواجهة التهديدات المشتركة ومكافحة محاولات روسيا والصين تقويض النظام الدولي القائم على قواعد محدّدة”.
نشر أفكاره هذه في موقع geopoliticalmonitor الاستخباراتي الدولي، ومقرّه في تورنتو بكندا، مستعيداً تطوّرات المراحل الأولى من الحرب الباردة، مستنتجاً أنّ “أحد أكثر الهياكل فاعليّة في مجالَيْ التعاون الاستخباراتي والعسكري هو ما كان يسمّى سابقاً حلف بغداد الذي تشكّل عام 1955 لمواجهة مكائد الاتحاد السوفيتي الذي أنجب فصائل مثل حركة دول عدم الانحياز بقيادة جمال عبد الناصر”. فحلف بغداد، وفق الخبير، “أعاد جمع دول التحالف الغربي في إطار تحالف مشترك قادر على الصمود أمام توسّع الكومنترن (الشيوعية الدولية) وعلى الوصول إلى الهدف النهائي: ضمان توجّه الشرق الأوسط مستقبلاً نحو الغرب وأن يكون حليفاً للناتو”.
وكانت الولايات المتحدة، ممثّلة بالرئيس دوايت ديفيد آيزنهاور ووزير الخارجية جون فوستر دالاس، هي من قادت تشكيل حلف بغداد الذي حظي بدعم كلّ من:
– رئيس وزراء بريطانيا هوارد ماكميلان (عن حزب المحافظين).
– الرئيس التركي عدنان مندريس (أول رئيس وزراء تركي منتخب انقلب عليه الجيش في 27 أيار 1960، وأُعدم في 17 أيلول 1961).
– مملكة الشاه الإيرانية البهلوية.
– رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد.
– الرئيس الباكستاني إسكندر علي ميرزا (أول رئيس لباكستان).
– كانت دولة إسرائيل داعمة خارجية مهمّة للحلف (في فترة رئيسَيْ الوزراء موشيه شاريت وديفيد بن غوريون).
على الرغم من نجاحه في مكافحة الشيوعية، أصيب حلف بغداد بنكسة بعدما أطاح الجيش العراقي الملكيّة ورئيس الوزراء نوري السعيد في العراق سنة 1958. وانتهى الحلف سنة 1979 في سياق الصراعات الإقليمية التي تبوّأت مركز الصدارة في مواجهة تراجع البصمة العالمية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية.
خِلال فترة الحرب الباردة، طوّر التحالف نظام المُراقبة “إيكيلون” لمراقبة اتصالات الاتحاد السوفيتي السابق والكتلة الشرقية، ويُستخدم حالياً لمراقبة الاتّصالات في جميع أنحاءِ العالم
أهداف الحلف الجديد
يحتاج حلف الناتو إلى تحسين الدرع النووي الاستراتيجي، وإلى التصدّي لخصوم النظام الدولي، حسب سيفيمليسوي: “لأنّ اتفاقيات أبراهام الناجحة تقرّب دول الخليج من إسرائيل على جبهات عدّة:
– بدءاً من التجارة وصولاً إلى الأمن من أجل مواجهة التهديد المشترك الذي تمثّله جمهورية إيران الإسلامية.
– ازدهار العلاقات بين تركيا وإسرائيل التي بلغت ذروتها في تحالف عسكري يركّز على الدفاع عن البحر المتوسط الذي يشكّل مسرحاً حاسماً للأمن القومي للولايات المتحدة في ما يتعلّق بحلف شمال الأطلسي.
– أمن الطاقة: يجري تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي في البحر المتوسط من خلال التعاون التركي – الإسرائيلي، وهو ما يساعد على استقرار أسواق الطاقة العالمية ومنع حدوث أزمة طاقة جديدة.
لذا رأى سيفيمليسوي أنّ حلفاً جديداً يضمّ الولايات المتحدة وتركيا والمملكة المتحدة وإسرائيل ومصر، سيكون “بالغ الأهمية لضمان استقرار البحر الأبيض المتوسط وأمنه، وسيعزّز أمن الطاقة في مواجهة ضغوط الارتفاع المستمرّ للأسعار التي تؤثّر على جميع سكّان العالم، وسيحسّن اعتبارات الأمن القومي من خلال حشد الدول حول الناتو على خلفيّة تراجع النفوذ الروسي وصعود نفوذ جمهورية الصين الشعبية. وسيمكّن الحلف المملكة المتحدة من تحديد مكانتها العالمية وسياستها الخارجية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وسيساعد إسرائيل على الارتقاء باتفاقيات إبراهام الحالية إلى اتفاق إقليمي شامل. وهذا يُدخل مصر في المعركة. فالرئيس عبد الفتّاح السيسي يسعى إلى إعادة بلاده إلى مرحلة الاستقرار والإنتاج ومحاكاة نجاح الرئيس أنور السادات”.
حلف العيون الاستخباراتيّ
أمّا عن إنشاء ما يعادل تحالف “العيون الخمس” (تحالف الاستخبارات الذي يضمّ الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا) فلفت سيفيمليسوي إلى أنّه “يوحّد هذه الدول في مواجهة التهديدات الداخلية المشتركة، ويعطي الأولوية لمكافحة محاولات روسيا والصين لتعطيل قواعد النظام العالمي. ويساعد في الإشراف على الأسلحة الأميركية المتطوّرة ضمن آليّة منفصلة للناتو تشارك فيها تركيا، ويضع صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت جنباً إلى جنب مع القدرة النووية التكتيكية في قاعدة إنجرليك الجوّية في تركيا”.
إقرأ أيضاً: كيف عرف سفير أميركا.. أنّ بوتين سيجتاج أوكرانيا؟
أضاف الباحث أنّ “إدخال ما يماثل نظام إكس كي سكور XKeyscore (نظام حاسوب سرّي استخدمته وكالة الأمن القومي الأميركية لبحث وتحليل بيانات الإنترنت الخاصة بالرعايا الأجانب حول العالم) يزيد قدرات نظام الغوص العميق (برامج المراقبة المحلية والخارجية)، وتعاون هؤلاء الحلفاء أمر ضروري لضمان إطار منهجي مشترك قادر على تحديد الأخطار التي تهدّد الوحدة الوطنية والإقليمية على مستوى الاستخبارات لمواجهة محاولات الكرملين وبكين استخدام المواطنين المحليين لتخريب الوحدة داخل التحالف. ويأتي النجاح أوّلاً على الصعيد المحلّي، ثمّ يتردّد صداه إقليمياً وعالمياً، كما قال أتاتورك، الأب المؤسّس لتركيا الحديثة، ذات مرّة: السلام في الوطن يعني السلام في العالم”.
– إكس كي سكور XKeyscore: هو نظام حاسوب سرّي سابق استخدمته وكالة الأمن القومي الأميركية لبحث وتحليل بيانات الإنترنت الخاصة بالرعايا الأجانب حول العالم. طُبّق البرنامج بالاشتراك مع مديرية إشارات الدفاع الأسترالية، ومكتب أمن الاتصالات الحكومية النيوزيلندي. وقد كشف عنه إدوارد سنودن في تموز 2013.
– العيون الخمس Five Eyes: هو مصطلح يُشير إلى تحالف استخباراتي يشمل كلّاً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، بموجب المعاهدة البريطانية الأميركية المتعدّدة الأطراف. وهي معاهدة تختصّ بمجال التعاون المشترك في استخبارات الإشارات. تعود أصول “العيون الخمس” إلى فترة ما بعدَ الحرب العالمية الثانية، عندما أصدر الحلفاء “ميثاق الأطلسي” لوضع أهدافهم لعالم ما بعدَ الحرب.
وخِلال فترة الحرب الباردة، طوّر التحالف نظام المُراقبة “إيكيلون” لمراقبة اتصالات الاتحاد السوفيتي السابق والكتلة الشرقية، ويُستخدم حالياً لمراقبة الاتّصالات في جميع أنحاءِ العالم.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا