أصبح من المستبعد بشكل متزايد أن ينجو نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الحرب العدوانيّة التي يشنّها في أوكرانيا. وهذا يعني في رأي رئيس وزراء السويد ووزير خارجيتها السابق كارل بيلدت أنّ روسيا تتّجه مرّة أخرى نحو فترة من الاضطرابات الداخلية، وربّما نحو تغيير جذري سياسي ودستوري.
في مقال له في موقع Project Syndicate عن “مستقبل روسيا اليوم بعدما تضرّرت وضعف دورها بشدّة بسبب الحرب المتهوّرة التي اختار الرئيس فلاديمير بوتين شنّها على أوكرانيا”، عرض بيلدت الاحتمالات لمرحلة ما بعد بوتين، فكتب: “تراوح السيناريوهات المعقولة بين الاستيلاء على السلطة من قبل مستشار أمنيّ متشدّد مثل نيكولاي باتروشيف وانتصار انتخابي لمعارض منشقّ مثل أليكسي نافالني. لكنّ هناك شيئاً واحداً شبه مؤكّد، وهو أنّ نظام بوتين لن ينجو من الحرب التي بدأها.
“في الواقع، ربّما يمتدّ ما يسمّى بنظام بوتين السلطوي إلى العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية، لكنّه يعتمد بشكل كامل على سيطرة محكمة من القمّة، وهو ما سيؤدّي بالتأكيد إلى أن يتصدّع الهيكل بكامله بشكل متدرّج ومتواصل حين تضعف تلك السيطرة وتنطلق المجموعات والمصالح المختلفة في المناورة لانتزاع الغنائم من الانهيار الحتمي. لذا ستصبح القوّة الأساس للنظام، أي تحكّمه الشامل بدءاً من قمّة الهرم وصولاً إلى أسفله، نقطة ضعفه القاتلة.
فترات الاضطرابات طالما أدّت تاريخياً إلى مطالبات بحكم أكثر تمثيلاً. ففي العقود الأخيرة من الحكم القيصري، مثلاً، هيمنت الدعوات إلى دستور ديمقراطي
“زمن الاضطرابات الجديد هذا، وهو مسألة متكرّرة في التاريخ الروسي، سيأتي مباشرة بعد رحيل بوتين. لكن يبقى أن نرى من هي القوى السياسية التي ستؤكّد وجودها عندما يسقط. أعتقد أنّ الدافع إلى مواصلة مغامرة بوتين الخاطئة في أوكرانيا سينحسر كثيراً. لقد بدأ بوتين الحرب بنفسه، ونعلم أنّ كبار مسؤوليه الأمنيّين لم يكونوا متحمّسين لها أبداً. وكان ذلك واضحاً منذ الاجتماع المتلفز الشهير لمجلس الأمن في الكرملين في 21 شباط 2022. وبعد عام من القمع والدعاية التي لا هوادة فيها، تضاءل الدعم الشعبي الروسي لحرب بوتين، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أنّ الغالبية تفضّل محادثات السلام. لذا سيتعيّن على أيّ زعيم أو فصيل سيظهر بعد بوتين أن يسارع إلى جعل إنهاء الحرب من أولويّاته.
“صحيح أنّ هذا لا يعني أنّه سيكون من السهل إنهاء القتال، فضلاً عن العودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل الغزو. سيكون هناك حتماً بعض الأصوات التي تنادي بأجندة إمبرياليّة أكثر عدوانية، وسوف يفعل هؤلاء ما بوسعهم للفوز خوفاً على حياتهم وسبل عيشهم. ولكن مع وجود رأي عامّ مؤيّد بوضوح لإنهاء الحرب، ووضعٍ تتفكّك فيه قوّة بوتين وتتعثّر الآلة القمعية للكرملين، سيكون على القوميّين المتطرّفين خوض معركة شاقّة جدّاً.
“يُضاف إلى ذلك أنّ فترات الاضطرابات طالما أدّت تاريخياً إلى مطالبات بحكم أكثر تمثيلاً. ففي العقود الأخيرة من الحكم القيصري، مثلاً، هيمنت الدعوات إلى دستور ديمقراطي، وظهرت دعوات مماثلة لها في السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي. لا يوجد سبب للاعتقاد بأنّ هذه المرّة ستكون مختلفة.
التكهّنات باستقلال الشرق الأقصى وسيبيريا لا أساس لها من الصحّة. ولنتذكّر الاحتجاجات العامّة الكبيرة التي جرت عام 2020 في فلاديفوستوك
“صحيح أنّ من غير المرجّح أن تخرج المعارضة الديمقراطية الروسية من السجن والمنفى لتتولّى السلطة. لكنّ هذا لا يعني أنّه يجب إهمال هذه الحركة. فحتى في ظروف قمعية وغير عادلة جدّاً، تمكّن أنصار نافالني من الفوز بنسبة 20%-30% من الأصوات الشعبية، ومع الوقت زاد دعم الناخبين الشباب والناخبين في المناطق الحضرية له. تصل قناة نافالني على يوتيوب إلى عشرات الملايين من الأشخاص من خلال برامج الأخبار والشؤون اليومية، ويزداد هذا العدد عند إضافة متابعي وسائل الإعلام المستقلّة الأخرى.
“من المستبعد جدّاً تفكّك الاتحاد الروسي على الرغم من أنّ نظام بوتين قدّم هذا السيناريو معتبراً أنّه هدف غربي واضح، وذلك في إطار جهوده لكسب الدعم للحرب. في الواقع، لا يهدف الغرب إلى أيّ شيء من هذا القبيل. فعندما أعلنت الشيشان استقلالها في عام 1991، لم يكن هناك أيّ إشارة إلى أنّ الحكومات الغربية ستدعمها. وحتى لو ظلّت قضية الشيشان مثيرة للخلاف، فإنّ الدعم الغربي لاستقلال الشيشان لن يحدث أبداً.
“التكهّنات باستقلال الشرق الأقصى وسيبيريا لا أساس لها من الصحّة. ولنتذكّر الاحتجاجات العامّة الكبيرة التي جرت عام 2020 في فلاديفوستوك، حيث رأينا العلمين البيلاروسي (المعارضة) والأوكراني يرفرفان كرمزين للديمقراطية، لكنّ المتظاهرين لم تكن لديهم أيّ أوهام بشأن تحقيق استقلال منطقة شاسعة وقليلة السكّان قريبة جدّاً من الصين.
إقرأ أيضاً: سرطان بوتين… ودماء قرون الغزلان
“على أيّ حال، هناك أسباب عدّة اليوم للافتراض أنّ النخب داخل هيكل السلطة الروسية تستكشف بالفعل وبتكتّم احتمالات مرحلة ما بعد بوتين في بلادها. ومع اقتراب موعد انتخابات رئاسية أخرى في عام 2024، أصبح المستقبل السياسي للبلاد موضوع نقاش مشروع وعاجل.
“في نهاية المطاف، شعب روسيا هو من سيقرّر مصيرها. الأمر متروك له وحده لإحداث تغيير في النظام. لكنّ هذا لا يعني أنّ على الغرب الامتناع عن التأثير على النتيجة. على العكس من ذلك، يجب على صانعي السياسة الغربيين البحث عن طرق لتهيئة الظروف والحوافز اللازمة لانتصار قوى أكثر ديمقراطية. بوتين ليس خالداً، بل إنّ هشاشته السياسية تزداد وضوحاً في كل يوم”.
*كارل بيلدت وزير خارجية السويد من 2006 إلى 2014 ورئيس الوزراء من 1991 إلى 1994 عندما تفاوض بشأن انضمام السويد إلى الاتحاد الأوروبي. هو دبلوماسي دولي مشهور. شغل منصب المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى يوغوسلافيا السابقة، والمفوّض السامي للبوسنة والهرسك، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى البلقان، والرئيس المشارك لمؤتمر دايتون للسلام، والرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا